خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَٱمْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَآءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ
٧١
-هود

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وامْرأتهُ } زوجته سارة بنت هاران بن ناحوراء، بنت عم إبراهيم، والواو للحال، وصاحب الحال واو قالوا { قائمةٌ } من وراء الستر تسمع تحاورهم، أو على رءوسهم مستترة تخدمهم، وإبراهيم قاعد معهم، ففى مصحف ابن مسعود: وامرأته قائمة وهو قاعد { فَضَحِكت } استبشارا بهلاك قوم لوط عليه السلام، هذا مذهب الجمهور، وهو أصح، وأصل الضحك انبساط الوجه من سرور النفس، ويلزم على ذلك خروج صوت من الفم، ويطلق على ذلك الصوت، وسميت الأسنان المقدمة ضواحك بظهورها عند الضحك، وقد يستعمل فى مجرد السرور فى مجرد التعجب.
قال فى عرائس القرآن: وقال قتادة: ضحكت من غفلة قوم لوط، وقد قرب منهم العذاب ا هـ. وقيل: ضحكت لزوال الخيفة، إذ كان إبراهيم عليه السلام خائفا فخافت بخوفه.
وقال مقاتل، والكلبى: ضحكت من خوفه من ثلاثة رجال، فيما بين خدمه وحشمه وخواصه، وقيل: لموافقة رأيها، وذلك أنها كانت تقول له: اضمم إليك ابن أخيك لوطا، فإنى أعلم أن العذاب نازل بهم، وهذه الأقوال كلها مقبولة حسنة معنى وصناعة.
وقيل: ضحكت تعجبا قال: يا عجبا لأضيافنا نخدمهم بأنفسنا تكرمة لهم، وهم لا يأكلون طعامنا.
وقال ابن عباس، ووهب: ضحكت فرحا بالتبشير بالولد، أو تعجبا من ولادتها على كبرها وكبر زوجها، ويرده أنها لم تبشر قبل الضحك بل بعده، بدليل الفاء فى قوله: { فبشرناها } إلا أن تجعل بمعنى الواو، فصح عطف المتقدم بها على المتأخر، أو تجعل لترتيب الأخبار.
قال فى عرائس القرآن: وقال مجاهد، وعكرمة: ضحكت حاضت فى الوقت، تقول العرب ضحكت الأرنب إذا حاضت، وهو وارد خلافا لمن أنكره كالفراء، والزجاج، وأبى عبيدة، والراغب قائلا: ليس قول بعض المفسرين ضحكت حاضت تفسير، بل بيان للأمارة، وذلك أنها حاضت فى الوقت لتعلم أن حملها ممكن.
وروى أنها قالت لجبريل لما بشرها بالولادة: ما علامة ذلك؟ فأخذ بيده عودا يابسا فجعله بين أصابعه فاهتز واخضر، فقال إبراهيم: هو إذن ذبيح الله، قاله فى عرائس القرآن، ولا بأس بتعدد العلامة، وقرأ محمد بن زياد الأعرابى: فضحكت بفتح الحاء.
{ فبشَّرْناها } وجهت البشارة إليها، لتعلم أن الولد منها، ولأنها عقيمة مريضة على الولد، ولو بشر به إبراهيم لم تعلم أيكون الولد منها أو من غيرها { بإسْحاقَ } تلده من بطنها { ومِنْ وَراءِ } من بعد { إسْحاقَ يعْقُوبَ } مبتدأ خبره من وراء إسحاق، أى ثابت من وراء إسحاق، وإن قدرنا الخبر كونا خاصا مثل مولد من وراء إسحاق، لم يكن من وراء نائبا عنه، ولا سمى ولا مسمى بخبر، ولا منتقل إليه الضمير.
بشرت سارة أنها تعيش حتى ترى ولد ولدها، وقرأ ابن عامر، وحمزة، وحفص بفتح يعقوب على أنه مفعول لمحذوف، أى ووهبنا لها أن من وراء إسحاق يعقوب، أو نهد لها من وراء إسحاق يعقوب، ولا يجوز عندى عطفه على محل قوله: { بإسحاق } لأن محله لا يظهر بفصيح، اللهم إلا أن يحمل على الشذوذ، إذ لا يقال بشرناها إسحاق بالنصب على نزع الخافض إلا شاذا، ولم يشترط ابن جنى إمكان ظهور المحل فى الفصيح، ويجوز عندى عطفه على لفظ إسحاق، فيكون من وراء حال من يعقوب، ولا بأس بالفصل به عندى خلافا للقاضى فى منع العطف على لفظ إسحاق، لعله الفصل.
وقيل الوراء ولد الولد، فلبس من الوراء الذى هو ظرف بمعنى خلف، ولو كان الأصل واحدا، فإن ولد الولد خلف الولد، فإضافة وراء إلى إسحاق من حيث إن يعقوب وراء إبراهيم من جهة إسحاق، أى ولد ولده، لا من حيث إن يعقوب ولد ولد إسحاق، لأنه ليس كذلك، وفى ذلك تكلف، والتسمية بإسحاق ويعقوب تحتمل أن تكون مذكورة فى التبشير بأن قالوا لها: إنك ستلدين طفلا يسمى إسحاق ومن ورائه طفل يسمى يعقوب، فعلمت اسميهما من يومئذ، ويحتمل أن لا تذكر فى التبشير، ولكن سميا بالاسمين بعد الولادة، وحكيا فى القرآن بحسب الواقع من التسمية، لا بحسب لفظ التبشير، فإن لفظه على هذا أنك ستلدين طفلا، ومن ورائه طفل.