خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَقَالَ ٱلَّذِي ٱشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَآ أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي ٱلأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ
٢١
-يوسف

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وقالَ الَّذى اشْتراهُ مِنْ مصْرَ } أى فى مصر متعلق باشترى، أو من أهل مصر، فيتعلق بمحذوف حال من الذى أو من المشترى بتقدير مضاف كما رأيت، وهو العزيز الذى كان على خزائن مصر، واسمه قطفير أو طفير، والأول عن ابن عباس، وقيل اسمه قنطور.
{ لامرأته } متعلق بقال لا باشترى، لأنه اشتراه لنفسه، وقيل: اشتراه لها، وعليه فتنازعه قال واشترى، تسمى زليخا عند الجمهور، وهو المشهور، وقيل: راعيل بنت عاميل، ولعل راعيل اسمها، وزليخا لقبها، والملك يومئذ الريان بن الوليد، رجل من العماليق: وقد آمن بيوسف ومات فى حياة يوسف، فملك بعده قابوس بن مصعب، فدعاه يوسف إلى الإسلام فأبى.
وقيل: كان فرعون موسى عاش، أربعمائة عام بدليل:
{ ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات } والمشهور أن فرعون موسى من أولاد فرعون يوسف: فقوله: { ولقد جاءكم يوسف } إلخ من قبيل خطاب الأولاد بأحوال الآباء، قيل: اشتراه العزيز وهو ابن سبع عشرة سنة، وأقام فى منزله ثلاث عشرة سنة، واستوزره ريان بن الوليد وهو ابن ثلاثين سنة، وتوفى وهو ابن مائة وعشرين سنة.
{ أكْرِمى مَثْواهُ } أى موضع نزوله وإقامته، والمراد أحسنى إليه فى المطعم والمشرب والملبس، وما يحتاج إليه، وتفقدى أحواله لتطيب نفسه ويحبنا { عسَى أنْ ينْفَعنا } فى ضياعنا وأموالنا إذا بلغ وقوى، ونستعين به على مصالحنا، أو نبيعه بربح.
{ أو نتَّخذهُ وَلداً } وكان عقيما لا يولد له، فأراد تبنى يوسف، وذلك أنه تفرس فيه الرشد، قال ابن مسعود: أفرس الناس ثلاثة: العزيز فى يوسف إذ قال: { لامرأته أكرمى مثواه } الخ، وابنة شعيب إذ قالت لأبيها فى موسى عليهما السلام: { يا أبت استأجره } وأبو بكر حين استخلف عمر.
وفى عرائس القرآن: أنهم لما قدموا مصر أمره مالك بن دعر أن يغتسل فاغتسل، وألبسه ثوبا حسنا، وعرضه على البيع، فاشتراه قطفير، وكان الملك بمصر أو نواحيها الريان بن الوليد بن نزاوة ابن إقامة بن بارازيرة بن عمرو بن عملاق، من ولد سام بن نوح، وكان كافر فدعاه يوسف إلى الإسلام فأبى.
قال ابن عباس: اشتراه قطفير بعشرين دينار، وزوج نعال وثوبين أبيضين، وقال وهب: تزايدوا فى ثمنه حتى بيع بوزنه مسكا، ووزنه ورقا، ووزنه ذهبا، ووزنه حريرا، اشتراه قطفير بذلك، فأتى به لامرأته فقال لها: { أكرمى مثواه } الخ، وكان لا يأتى النساء، وكانت امرأته حسناء ناعمة ا هـ.
وكان وزنه أربعمائة رطل، وقيل: نفد ما عنده فلم يَزِنْ فباعه بالموجود، وكانت فيما قيل زليخا بنت الملك طميوس، رأت يوسف فى منامها، وكان بلدها قريب من مصر فنحل جسمها، ورق عظمها، واصفر لونها من حب يوسف، وذلك قبل أن يتزوج بها قطفير، وكانت بنت تسع سنين: وقال لها والدها: مالى أراك على هذه الحالة؟ فقالت: إنى رأيت فى منامى صورة ما رأيت مثلها، فافتتنت بها، فلما انتبهت ما رأيتها فصرت كما ترى، فقال لها والدها: لو علمت أين هذا لطلبته لك، ولبذلت خزائنى لك، فرأته فى السنة الثانية فقالت له بحق الذى صورك وأشغلنى بك أخبرنى من أنت؟ فقال: أنا إنسى أنا لك وأنت لى، فانتبهت وبكت بكاء شديدا، فقال لها والدها: مالك يا مسكينة؟ فقالت: رأيت البارحة كما رأيت فى العام الأول، فسألته فقال: إنسى أنا لك وأنت لى، لا تختارى علىَّ سواى.
قال مالك: أما سألتيه عن مكانه؟ قالت: لا، وجنت كما يجن المجانين، ثم رأته فى السنة الثالثة فتعلقت به وبأثوابه، وقالت: حبك جننى بحق الذى صورك، أخبرنى أين أطلبك؟ قال لها: بمصر، وأنا ملكها، فلما انتبهت وصحا عقلها نادت والدها أن أرفع عنى السلاسل، فإنى قد عرفت مكانه، وكانت بالشوق متحيرة، فقالت: بأى رجل أمشى إليك واشوقاه، إلى من هو بعيد منى، وروحه قريبة منى.
قيل: كان عند والد زليخا تسعة عشر رسولا من الملوك يطلبون زليخا، لكمالها وجمالها وفصاحتها، فقالت زليخا: من أين هؤلاء الرسل؟ قال لها والدها: من صقلية، والحبشة، ودمياط، وطرابلس، وعدَّ حتى تمت تسعة عشر، قالت: واعجباه قد أتانا الرسل من كل مكان، وما أتانا من مصر رسول يا أبت، لا أريد إلا ملك مصر، إن المحبة لا دواء لها، فبعث رسولا إلى قطفير يقول: إن لى ابنة لا تريد سواك، فإن رغبت فيها إعطيتك ما تشتهى من ملكى وأموالى، فكتب إليه: من أرادنا أردناه، ومن أحبنا أحببناه، لا نريد منك سواها.
فزينها، وحلاَّها بأحسن الحلل، وأرسل معها ألف جارية من بنات الملوك، وألف جمل، وألف بغل، وألف عبد، وأربعين حملا من الدنانير، وأربعين حملا من الديباج، فلما دخلت مصر اهتزت من أقطارها، وذهلت العقول بجمالها، وهى فرحة لما رأت فى منامها من شأن يوسف عليه السلام، فلما جلست فى خلوتها، دخل عليها قطفير فوضعت كمها على وجهها حين رأته وقالت لجاريتها القريبة منها: من هذا؟ قالت: اسكتى هذا زوجك، فغشى عليها، وبقيت كذلك إلى الصباح، فلما أصبحت قالت: وا جهداه، وا طوال شوقاه، وا محبتاه، فقالت لها جاريتها: مالك؟ وما الذى أصابك؟ قالت: ليس هذا زوجى، إنما رأيت زوجى فى منامى ثلاث مرات، فهتف لها هاتف: أصبرى، فعسى بصبرك تظفرى، ولا تظهرى لزوجك سوى المحبة فإنه سبب وصولك لزوجك، ولم يجامعها قط لأنه عنين لا يشتهى النساء، وبقيت بكرا حتى تزوجها يوسف.
وزعمت القصاص: أن جنية تنام بينهما، ويظن أنه يصل إليها، لأن الله تعالى حفظها ليوسف عليه السلام، فلما كان يوم البيع، جلست فى المنظرة فوقعت عينها فزعقت وخرت مغشية ساعة، ثم أفاقت متحيرة تهتز كالقضيب الناعم، وهمت أن ترمى نفسها، فمكثتها جاريتها، فغشى عليها ثانية، فلما أفاقت قالت لها جاريتها: مالك؟ قالت: هذا زوجى الذى اخترته فى العالمين، قالت لها: اسكتى كى لا يعلم الملك فيفرق بينك وبينه.
ثم إنها قالت لجاريتها: انزلى وقولى له فى أذنه لا تختر علىَّ غيرى، فأنا رأيتك فى منامى، فأنا لك وأنت لى، ولا يصل بعضنا إلى بعض إلا بعد الشدائد والبلية، وعند الملك امرأة يقال لها حشا، تبغض زليخا فلما سمعت كلامها، أرسلت إلى العزيز: إياك أن تشترى هذا الغلام، فإن الأمر كذا وكذا، فما التفت إلى قولها.
ثم نادى المنادى من يشترى هذا الغلام معه عشرة أوصاف: الملاحة، والصباحة، والفصاحة، والشجاعة، والقوة والمروءة: والصيانة، والأمانة، وأراد أن يقول والنبوة فأمسك الله على لسانه لئلا تعلم قصته وأمره كيف كان، ثم إن الملك قال لمالك: وبكم تبيع هذا الغلام؟ فقال له الملك الذى على صورة آدمى: قل بوزنه ذهبا، ووزنه فضة، ووزنه درّاً، وزنه ياقوتا، ووزنه كافورا، ووزنه عنبرا، ووزنه مسكا، ووزنه إبريسما، فقال: أفعل وكرامة.
ثم قال لوزيره: كيف وزن هذا الغلام؟ قال له: خذ من جلود البقر عشرة وتلصق بعضها ببعض، وتصنع منها كفتين.
ثم قال لوزيره: كم وزن هذا الغلام؟ قال: إن كان كما أره فهو يرجح على الدنيا وما فيها، فوضع فى كفة وخمسمائة ألف فى كفة فرجح فأتوا بأضعاف ذلك فرجح، حتى لم يبق فى الخزائن شئ، فقال الملك: هل لك أيها التاجر أن تهب لى هذا الغلام فإنى لا أقم بثمنه، فقال: قد بعته لك بهذا المال، فتعجب كيف وزن الملك ذاك كله فى يوسف، ولم ير يوسف كما يراه الملك، فلما باعه كشف الله الحجاب بينه وبين يوسف، فصاح صيحة خرّ على أثرها مغشيا عليه، فلما أفاق قاله يوسف: مالك؟ قال له: ما رأيتك منذ كنت معى إلا الساعة، وقد زهدت فى المال.
ثم قال للملك: أتأذن أن أكلمه كلمتين؟ قال: نعم، فدنى منه وقال: له ألست وعدتنى أن تخبرنى بخبرك إذا بعتك؟ قال: نعم، بشرط أن لا تخبر أحدا بى، قال: نعم، قال: أنا الذى رأيتنى فى المنام فى حال صغرك، وأنا ابن يعقوب إسرائيل الله، ابن إسحاق نبى الله ذبيح الله، ابن إبراهيم خليل الله، فصاح صيحة وقال يا سوء تجارتى، والله لا أخذ من ثمنك شيئا.
ثم قال: أيها العزيز على الله، لى بنات كثيرة، وليس لى ذكور وأنت من بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ودعوتك مستجابة، فادع الله أن يرزقنى ذكورا، ثم قال: يا يوسف، أخبرنى عن سادتك من كانوا؟ قال: لا تسألنى، لأنى لم أهتك ستر مخلوق، وقيل: أخبره يوسف بنسبه حين اشتراه.
قال لخازنه: انظر هل بقى فى الخزائن شئ؟ فذهب فنظر، فإذا هى لم ينقص منها شئ، فرجع ضاحكا، وأخبر الملك فقال له: كيف ذلك؟ فقال: لا أدرى إن شئت علم ذلك على الحقيقة فاسأل هذا الغلام، فإنه يعلم. قال: وكيف ذلك؟ قال له: إنه يدعى أن له إلها يفعل ما يريد، قال: ومن أين علمت ذلك؟ قال: لما اشترتيته وأنا بجنبه تنزَّل عليه طائر أبيض فقال له: يا يوسف انظر كيف بيعك لنفسك، باعوك ببخس، والآن باعك ربك بخزائن مصر كلها.
فتعجب الملك من كلامه، ثم سأل يوسف عن ذلك فقال: إن الله تعالى فعل ذلك إكراما لى لئلا تلومنى إذا بدرت منى زلة وتندم على ما وزنت، فليس لك علىَّ منه، بل المنة لله عليك، وأنا لك والمال لك، وأقبل التاجر على يوسف يودعه، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك نبى الله، ووهب له المال وانصرف، فتبسم يوسف وقال للعزيز: رده فى خزائنك، فكبر عند ذلك يوسف فى عين الملك وقال: قد جعلت خزائنى بيدك فافعل فيها ما شئت.
قال كعب الأحبار رضى الله عنه: لما أخذ العزيز يوسف عليه السلام، وأتى به إلى زليخا، وقال لها: أكرمى مثواه، قالت: لم ذلك؟ قال: لأنه كريم، فأكرمه الله تعالى بالإيمان بعد ذلك، فروى أنها زينته بعشرة أنواع من الثياب: الأبيض والأخضر والأصفر والأحمر والأسود والمذهب، وهكذا اتخذت لكل يوم دستا من الثياب، فذلك ثلثمائة وستون دستا لكل عام، واشتغلت بذكره لا تذكر سواه، ولا تنظر إلى غيره، ولا يخطر ببالها سواه.
وفى خبر: كانت صماء لا تسمع إلا كلام يوسف، وأخذت يوسف ودخلت به بيت الصنم وقالت له: أيها الصنم المعظم بعبادتى لك، وحبى فيك، هل وجدت مؤنسا مثل هذا، فتحرك الصنم وكان من ذهب أحمر، فوقع على وجهه، وتقطع إربا، فقالت له: ما الذى أصابك أيها الصنم، فقال لها يوسف: ربى فعل به ذلك لسجودك له، قالت: من ربك؟ قال لها: رب إبراهيم وإسحاق ويعقوب، الرب الذى خلقنى وخلقك.
قالت: كيف يعلم بسجودى؟ قال لها: هو غائب عن الأبصار، ولا تغيب عنه، قالت: إنى أحببته بحبك إياه، حيث صور مثلك إلاله إلهك: ولولا أن لى إلها أعبده لعبدت إلهك، لأن عبادة إلهين قبيحة.
فتبسم يوسف عليه السلام وخرج، فتعلقت به وقالت له: إن الملك إذا رأى هذا الصنم هكذا يسأل الجوارى من فعل هذا به، فأخشى أن يقلن: رب يوسف، ولكن اسأل ربك أن يجعله كما كان.
زعمت القصاص أنه وقف وحرك شفتيه، فقام الصنم كما كان، فقالت: يا يوسف ظننت أنى أحبك وحدى، فالآن إله السماء أيضاً يحبك، فألبسه ثوبا أبيض مكللا عليه ألف لؤلؤة تساوى ألف دينار، وأعطته منطقة مكللة بما لا يعلمه إلا الله من الياقوت والزبرجد، فقال لها: كيف يجوز للعبد أن يلبس هذا والسيد دونه؟
فقالت له: أنت السيد وهو العبد، وأنا الخادم، أليس قال: { أكرمى مثواه } لو قدرت على أكثر من هذا لفعلت، ثم فصلت ثلاثمائة قميص وستين قميصا، ومثل ذلك أقبية، ومثل ذلك عمائم، لكل يوم دست: وكانت كل يوم تزينه بزينة جديدة لا تشبه الأخرى، وقالت لحكمائها: إنى أريد أن تبنوا لى بيتا، إن كان يوسف نحو المشرق أراه نحو المغرب، وإن كان نحو المغرب أراه نحو المشرق، وإن كان فوق أراه أسفل، وإن كان أسفل أراه فوق، وإن كان على الأرض أراه فوق السطح، وهو يرانى حيث توجهت.
فقال بعضهم: إن هذا ينبغى أن يكون من زجاج، فبنى لها بيتا مربعا، ربع من الزجاج، وربع من المرمر المزجج، وربع من الفيروزج، وربع من العقيق، وكان بين الزجاج والمرمر قضبان الذهب، وبين الفيروزج والعقيق قضبان الفضة، ورصع بأنواع الجواهر، وجعلت تحت كل عمود ثوار من ذهب، وفرسا من ذهب مرصعين بالجوهر، وأعينهما من ياقوت أحمر، وصورت فيه كل نوع من الطير والدابة والوحش ذهبا وفضة، ورصعت أسفل البيت بذهب وجوهر، وجعلت سقفه ساجا مضروبا بصفائح الذهب، ونصبت فى وسط البيت مائدة مزينة بكل زينة حسنة، ووضعت سريرا بقرب المائدة، وجعلت فى كل زاوية من البيت غزالا من فضة، ووصيفة من فضة، بيدها قنديل ومجمرة من ذهب، وجعلت أبواب البيت من الصندل والعاج، وعلى كل باب طاووسا من ذهب رجلاه من فضة، ورأسه من زمرد أخضر، ومنقاره عقيق، وذنبه وريشه من فيروزج، وملأت جوفه مسكا كثيرا، ثم بنت فى وسط البيت بيتا كله من زجاج.
ثم قالت لها الجارية: تزينى بكل زينة حسنة حتى أدعوه ففعلت ذلك، ثم قالت لجاريتها: إنى قد غرقت فى محبة هذا الغلام، وجاء يوسف عليه السلام وقت الظهر، فلما دخل عليها ونظرها قال: لا ينجو من هذا إلا معصوم فاعصمنى يا رب برحمتك، وارحمنى يا أرحم الراحمين.
{ وكذَلَكَ } أى كما أنجيناه من كيد إخوته، وعطفنا عليه قلب العزيز، أو كما مكنا محبته فى قلب العزيز { مَكنَّا } أثبتنا وأرسخنا الأمر أو الملك، أو المنزلة أو الرسالة { ليُوسفَ فى الأرْضِ } أرض مصر، أو حقيقة الأرض الصادقة بأرض مصر المرادة، قال بعض: مكنا له من النبوة والملك والحكمة حتى أسبلها، وعلى الخزائن حتى ملكها، وعلى الأعناق حتى استعبدها، وعلى مصر حتى ملكها، وقد علمت أن مفعول مكنا محذوف، وأن كذلك متعلق بمحذوف صفة لمصدر محذوف، أو الكاف اسم مضاف لذا صفة لمصدر محذوف مقدم، أى مكنا ليوسف فى الأرض تمكينا ثابتا كذلك، أو مثل ذلك الإنجاء أو التعطيف أو التمكين فى قلب العزيز، للتصرف فيها بالعدل.
{ ولنُعلِّمهُ } معطوف على تعليل محذوف كما رأيت { مِنْ تَأويلِ الأحادِيثِ } الرأى المنهبة على الحوادث يستعد لها، قبل أن تحل، وذلك إنما يصلح ممن أمكن له فى الأرض، ليكون الناس فى الاستعداد طائعين، أو الأحاديث، كتب الله يعلمها وينفذها كما مر، وقيل: الأحاديث الرأى والكتب ولغات الخلق وهى تسعمائة لغة، كان يوسف يعلمها ويفهما ويقرؤها بتعليم الله إياه.
قال فى عرائس القرآن: قال أهل الكتاب: لما تمت ليوسف بالأرض ثلاثون سنة، استوزره فرعون مصر، وجعله عن خزائن الأرض، فذلك قوله تعالى: { وكذلك مكنا ليوسف فى الأرض ولنعلمه من تأويل الأحاديث }.
{ واللّهُ غَالبٌ عَلى أمْرهِ } أى أمر الله لا يصرفه أحد عما أراد، كذا يتبادر لى، وبه قال سعيد بن جبير، وقال الطبرى: على أمر يوسف، والاول أعم، والثانى خاص فى أمر يوسف، أراد إخوته شيئا، وأراد الله عز وجل ضده، فلم يكن إلا ما أراد، وناسب الأول قوله تعالى:
{ إن الله بالغ أمره } }. { ولكنَّ أكْثَر النَّاسِ } ذلك الأكثر هم المشركون { لا يعْلمُون } أن الأمر كله بيد الله سبحانه، أو لا يعلمون لطائف صنعه وخفايا أمره، كما لطف فى أمر يوسف بما ظاهره شر وإهانة يئول إلى خير وإعزاز، وعلى هذا يصح أن يراد أكثر الناس مطلقا مشركين أو موحدين.