خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَٱسْتَبَقَا ٱلْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى ٱلْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَآءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوۤءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
٢٥
-يوسف

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ واسْتَبقَا } أى تسابقا، فإن الافتعال يأتى بمعنى التفاعل كاجتوروا بمعنى تجاوروا، وازدوجوا بمعنى تزاوجوا، والألف المحذوف نطقا لالتقاء الساكنين الثابت فى الخط ليوسف عليه السلام، والتى هو فى بيتها.
{ البابَ } الأخير الذى يلى خارج البيت، ولذا أفرد الباب بعد جمعه فى قوله: { وغلقت الأبواب } أو جمعه نظر إلى أبواب كل باب فى جهة، وأفرد هنا لأنه كل باب تلك الأبواب إن خرج منه تخلص ولم يحبسه آخر إذا لم تجعل بابا خلف باب، والنصب على نزع الخافض، أى تسابقا إلى الباب، أو على المفعولية لتضمين استبق بمعنى تبادر، هرب يوسف منها وتبعته مسرعة لتمنعه من الخروج، وعن كعب الأخبار رضى الله عنه أنه جعلت أبوابا متتابعة واحدا بعد واحدا، ولما هرب تساقطت الأقفال حتى خرج من الأبواب كلها.
{ وقَدَّت قميصهُ مِنْ دُبُرٍ } قطعته باجتذابه من ورائه والمراد، والله أعلم، الإخبار بأنها جذبته، فذكر القدر وهو القطع، ولم يذكر الاجتذاب، لأنه سبب القد وملزومه، وأكثر ما يستعمل القد فى القطع طولا، وأما القطع عرضا فهو القط، وذكر بعضهم أنها قبضت بأعلى قميصه حيث تخرج العنق فتخرق، نزل التخريق إلى أسفل القميص، وهو قميص ألبسته إياه، وتحته القميص الذى ألبسه يعقوب فيما زعم بعض.
{ وألْفَيا } وجدا { سَيِّدهَا } زوجها، لم يقل سيدهما لأن ملك قطفير وهو العزيز جرى عليها بالزوجية، ولم يجر على يوسف بالشراء، لأن شراءه مفسوخ غير منعقد فى الحقيقة، لأنه حر، بخلاف المرأة فإن تزويجها لرجل تمليكها له، وذلك يقول الولى: أملكتكها وملكتكها بالتشديد، ويقال فى زوج ملكها بالتخفيف ومالك لها، ولو كان ملك الزوج الزوجة غير ملك الرجل العبد، ولو لم يكن فى تعظيم شأن الرجل على زوجته إلا تسميته فى الآية سيداً لها لكفى.
{ لَدَى } عند { البَابِ } قيل: صادفاه مقبلا يريد أن يدخل وقيل: جالسا مع ابن عمها عند الباب، ولما رأته هابته وكذا تهاب ابن عمها، وخافت أن يتهماها،احتالت على يوسف بما ترئ نفسها وتنتقم به من يوسف، إذ لم يوافقها، وتخوِّفه لعله يوافقها مما يفضح به قولها:
{ ولئن لم يفعل ما أمره ليسجنن وليكونا من الصاغرين } فقالت: ما حكى الله عنها بقوله:
{ قالَتْ } لسيدها { ما جَزاءُ مَنْ أراد بأهْلكَ } زوجتك { سُوءاً } أى فاحشة فتعنى الزنى، لم تصرح بيوسف لأن العموم أبلغ، فإنها قالت: { ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً } كائنا ما كان لا كذا وكذا، فإن هذه العبارة آكد فى أن يوسف لا يخلصه مخلص من الجزاء إذا أراد بها سوءاً فيما زعمت، وهو برئ وما نافية، وتجوز أن تكون للاستفهام الإنكارى، وهو نفى أى أى شئ جزاء
{ إلاَّ أنْ يُسجَن } أى إلا سجنه { أو عَذابٌ أليمٌ } موجع كما قال الله تعالى:
{ هل يهلك إلا القوم الفاسقون } أو العذاب معطوف على المصدر المسبوق من الفعل قبله كما رأيت، وهو الضرب بالسياط أو غيره من سائر التعذيب، لكنها مشفقة عليه جدا، ولذلك لم تذكر القتل مع أنه أسبق شئ إذا غضب من له بطش وتمكن بهتك الستر العظيم، حاشاه عليه السلام، بل ابتدأت بذكر السجن، وأخرت العذاب، لأن المحب لا يشتهى إيلام المحبوب، ولم ترد السجن الطويل بل أرادت ما يعطفه عليها ويلين عريكته، مثل أن يسجن عبدها يوما أو يومين، ومثل أن يضرب ضربتين أو ثلاثا.
وهذا كالمثل السائر خذ اللص قبل أن يأخذك، إذ سابقت بالشكوى لما تبادر الباب توافق أن العزيز بالباب فى بعض حوائجه فإذا الصوت من وراء الباب، فرأى ما هما عليه، وأصابها الخجل، ولكن لم ترد عليه أن يفلت من يدها فنظر إليهما متسائلا: ما هذا الذى أرى فقال يوسف: { قالَ هى رَاودَتْنى عن نَفْسى... }