خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ ٱلْقَصَصِ بِمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ ٱلْغَافِلِينَ
٣
-يوسف

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ نحنُ نقصُّ عَليْكَ أحسْنَ القَصَصِ } الآية، ثم ملوا ملة أخرى فقالوا: حدثنا يا رسول الله فنزل قوله: { الله نزل أحسن الحديث } الآية.
وقال سعيد بن جبير فى رواية مقاتل: اجتمع الصحابة إلى سلمان فقالوا: حدثنا عن التوراة فإنها حسنة، حسن ما فيها، فنزل: { نحن نقص عليك أحسن القصص } يعنى إنما فى القرآن أحسن مما فى التوارة، وروى مثل ما مر فى رواية ابن مسعود، وعن سعد بن أبى وقاص: لكن آخر آية هذه السورة، وزاد سعد ثم قالوا: يا رسول الله لو ذكرتنا، فنزل:
{ ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله } }. والقصص بفتحتين اسم لم يقص، أو مصدر بمعنى اسم مفعول، أو هو مصدر ناطق على المصدرية، وعلى كل وجه فهو من قص الأثر بمعنى اتبعه شيئا فشيئا، كما يقال: تلى القرآن بمعنى تتبعه شيئا فشيئا، وكان متصلا به يقرؤه، وقد بين الله سبحانه وتعالى الخير شيئا فشيئا، وأتى به على وجهه، والمراد إخبار الأمم الماضية فيما قاله قتادة.
وقيل: المراد هنا قصة يوسف عليه السلام، وعلى البقاء على المصدرية، فالمعنى أحسن الاقتصاص، لأنه على أبدع طريق، وأعجب أسلوب، ألا ترى أن الحديث واحد، ولا يدخل فى قلبك إذا سمعته من كتب الأولين: أو من غير القرآن مطلقا دخولا كدخوله فيه إذا سمعته من القرآن، وأحسن مفعول مطلق، إضافته للمصدر.
وأما على كونه بمعنى اسم مفعول أو اسما لما يقص فالمعنى أحسن ما يقصه قاص لتضمنه عبرا ونكتا، وحكما وعجائب، وفوائد دينية ودنيوية، وسير الملوك والمماليك، والعلماء والصالحين، والأنبياء، الفقه والرؤيا وتعبيرها، وأدب السيالفة، ومكر النساء، والصبر على أذى الأعداء، والعفو بعد القدرة، وغير ذلك مما فى هذه السورة، أو مما فيها ومما فى غيرها، وأحسن مفعول به، ويجوز عندى على هذا الوجه كونه مفعولا مطلقا، لجواز نيابة اسم الشئ عن المصدر، إذا اتفقت مادته ومادة العامل لفظا ومعنى، أو معنى.
وقيل: قال أحسن القصص لحسن محاورة يوسف إخوته، وصبره وعفوه، وقيل: لأن فيها حكما وعبرا وعجائب ولطائف لم تتضمن قصة مثل ما تضمنته هذه، وقال أهل الإشارة، لأن فيها ذكر الحبيب والمحبوب، وقيل: أحسن بمعنى حسن.
{ بما أوحَيْنا إليكَ } ما مصدرية، أى بإيحائنا إليك، والباء للإمالة متعلق بنقص، وقيل: سببية { هَذا القرآنَ } مفعول أوحينا، إذا جعلنا أحسن مفعولا به لنقص، أو قدرنا له مفعولا، أى نقص عليك أخبار الأمم، أو قصة يوسف أحسن الاقتصاص، وإلا تنازعه نقص وأوحينا، ويجوز كون ما موصولة اسمية أو موصوفة، والرابط محذوف، فيكون هذا القرآن مفعولا لنقص، كأنه قيل نحن نقص عليك هذا القرآن أحسن الاقتصاص بما أوحيناه إليك.
{ وإنْ } مخففة من الثقيلة { كُنتَ مِنْ قبَلهِ } أى من قبل، الإيحاء على أن ما مصدرية، أو من قبل ما أوحينا إليك على أنها اسم، أو من قبل القرآن، أو من قبل الكتاب، سواء فسرناه بالسورة فيكون المراد بالغفلة المذكورة بعد هذه الغفلة عما فيها، أو فسرناه بالقرآن فيكون المراد بها الغفلة عن القصص مطلقا، كما فى باقى الأوجه، وقيل: الضمير للقصص بفتحتين فيحتمل الوجهين فى الغفلة على الخلق فى أحسن القصص، هذا المراد المطلق للقصات أو قصة يوسف.
{ لمنَ الغَافِلينَ } لم تسمع هذه القصة أو سائر القصص، ولم تخطر بباله، وذلك كناية عن الجاهلين بهن: وهن أحسن من التعبير بلفظ الجهل، والجملة قيل تعليل لكون القرآن، أو ما يقص موحىً، واللام فى قوله: { لمن } فارقه بين أن النافية وأن المخففة.