هميان الزاد إلى دار المعاد
{ ما تَعبُدونَ مِنْ دُونه إلا أسماءً سميتمُوها أنتم وآباؤكم }
خالية عن معنى الربوبية والألوهية، وذلك أنهم يعبدون الأوثان ويسمونها آلهة وأربابا، وما تحصلوا فى ذلك إلا على أسماء ليست تحتها ذوات تستحقها، وإن قلنا: المراد بالأسماء المسميات، احتاج الكلام إلى تقدير مفعول، أى سميتموها آلهة أو أربابا، والمختار الأول، والمراد بالآباء الوالدون والأجداد.
{ ما أنْزَل الله بهِا } أى بعبادتها أو بثبوتها أربابا وآلهة، أو بتسميتها كذلك { مِنْ } صلة للتأكيد فى المفعول به { سُلطانٍ } أى حجة وبرهان، قيل: كانوا يدعون أن الله أمرهم بتسمية الأوثان آلهة وأربابا، فرد عليهم يوسف بأن الله سبحانه وتعالى ما أمر بذلك، بل عبدتم وسميتم تشبهاً وتقليدا، ولا حجة عقل ولا تقل فى ذلك، ابتدأ الخطاب أولا لصاحبيه الخباز والساقى، فكان الضمير ضمير اثنين، ثم جميع من كان فى السجن، فكان الضمير ضمير جمع، أو خاطب بضمير الجماعة من فى السجن وأهل مصرى تغلبا للحاضر على الغائب.
{ إنِ } ما { الحُكْم } القضاء فى أمر العبادة والديانة، والأمر والنهى { إلاَّ الله } لا يشاركه الأوثان ولا غيرها فيه { أمْر ألا تعْبُدوا إلا إيَّاه } أمركم على لسان رسله أن لا تعبدوا إلا إياه، لأنه المستحق للعبادة، لأنه الواجب الوجود لذاته، الموجد لما سواه، والملك له، الدال عليه بالحجج.
{ ذلكَ } المذكور من التوحيد، وأختصاص الله بالعبادة { الدِّينُ القيِّم } المستقيم بالبراهين والعقل { ولكنَّ أكْثَر النَّاس } وذلك الأكثر هم الكفار { لا يعْلَمونَ } ذلك، ولا الجزاء على خلافه، فهم يتخبطون فى جهلهم.
وروى أن الساقى والخباز قالا: بأى شئ توصلت إلى معرفة الغيب؟ ومن علمك؟ فقال: { إنى تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون } فقالا: وما دينك؟ وما تعبد؟ قال: { واتبعت ملة آبائى إبراهيم وإسحاق ويعقوب } قالا: أولا عبدت إلهنا؟ قال: { ما كان لنا أن نشرك } الخ فآمن الساقى دون الخباز، وآمن كل من فى السجن وهم ألف وأربعمائة رجل، فقال: أيما أحب إليكم المكث معى أو الخروج؟ فقال الألف: نريد الخروج، فقال لهم: اخرجوا، فقالوا له: كيف نخرج والقيود على أرجلنا، والأغلال فى أعناقنا، والسلاسل فى أيدينا وأرجلنا، وإذا خرجنا على هذه الصفة يرانا حرس الملك فيعرفونا، فقال: أنا أدعو الله أن يغير صوركم حتى لا يعرفكم إلا أهليكم، ثم أشار إلى القيود والأغلال فتساقطت وتقطعت، وخرجوا فلم يعرفهم أحد حتى دخلوا بيوتهم، وأخبروا أهليهم بما فعل يوسف، واختار الباقون البقاء معه فى السجن، وكان الرجل إذا فارق السجن يعود إليه ويتمنى أن لا يكون قد فارقه، وبعد ما تلطف لهما بما يجلبهما للإسلام رجع لتعبير رؤياهما.