خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قَالَ يٰبُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ
٥
-يوسف

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ قالَ يا بُنىَّ } تصغير ابن للشفقة أو لصغر سنه، والأصل يا بنيوى بضم الموحدة وفتح النون وإسكان المثناة التحتية وهى للتصغير، وكسر الواو بعد ياء الإضافة، اجتمعت الياء والواو، وسكنت السابقة فقلبت ياء وأدغمت فيها الباء وهى التصغير، وحذفت ياء الإضافة لدلالة الكسرة، وقرأ حفص هنا وفى الصافات بفتح المثناة، كما تقول: يا غلام بالفتح تخفيفا عن كسر، أو دلالة على ألف منقبلة عن ياء الإضافة محذوفة.
{ لا تَقْصًص رُؤيَاكَ }: بألف التأنيث فرقا بين رؤية العام والبصر على ما مر، وقرئ رؤياك بإبدال الهمزة واوا تمد بها الراء، وسمع الكسائى رياك بضم الراء وكسرها وتشديد الياء وهو ضعيف، لأن الواو فى تقديره الهمزة، فلا يقوى إدغامها.
وحقيقة الرؤيا انطباع الصورة المنحدرة من أفق المتخيلة إلى الحسن المشترك والصادقة منها، إنما تكون باتصال النفس بالملكوت لما بينهما من التناسب عند فراغها من تدبير البدن أدنى فراغ، فيتصور بما فيها مما يليق بها من المعانى الحاصلة هناك، ثم إن المتخيلة تحاكيه بصورة تناسبه فترسلها إلى الحس المشترك، فتصير مشاهدة، ثم إن كانت شديدة المناسبة لذلك المعنى بحيث لا يكون التفاوت إلا بالكلية والجزئية، استغنت الرؤيا عن التعبير، وإلا احتاجت إليه قاله القاضى وهو حسن جدا، والله سبحانه يخلق فى قلب النائم اعتقادات كما يخلقها فى قلب اليقظان.
{ عَلى إخْوتِكَ } يهودا ورويل وشمعون ولاوى وريالون ودينه ودان ويشجر ويفثالى وجاد وأشر، السبعة الأولى من ليا بنت خالة يعقوب، والأربعة الآخرون من سبريتين زلفة وبلهة، فلما توفيت تزوج أختها راحيل، فولدت له بنيامين ويوسف، وقيل: جمع بينهما [لأنه] لم يكن الجمع بين الأختين محرما فى شريعته، والمعنى لا تخبر إخوتك برؤياك لأنهم يعرفون تأويلها.
{ فَيَكيدُوا لَكَ كَيداً } نصب الفعل فى جواب النهى، أى إن قصصتها عليهم كادوك، يعنى يحتالوا فى هلاكك لعلمهم بتأويلها، عرف يعقوب من رؤياه أن يوسف يبلغه الله مبلغا من الحكمة، ويفوقه على إخوته، ويصطفيه للنبوة: وينعم عليه بشرف الدارين كما فعل بآبائه، فخاف عليه حسد الإخوة وبغيهم، وعدى يكيد باللام لتضمنه معنى فعل قاصر، وهو يحتال كما ذكر، أو يضم أو هى مثلها فى نصحت لك، وشكرت لك، يقال: نصحتك ونصحت لك، وكذا فى شكر وكاد.
{ إنَّ الشَّيْطان للإنْسانِ عَدوٌ مُبينٌ } ظاهر العداوة أو مظهرها، ألا ترى ما فعل بآدم وحواء فلا يقصر فى تسويلهم، وإثارة الحسد فيهم حتى يحملهم على الكيد، فما أسرع كيدهم إن قصصت عليهم، إذ تجتمع عداوة الحسن ووسوسة العدو القديم، واستدل بعضهم على عدم نبوة إخوة يوسف بما كادوه.
وقال ابن زيد: إنهم أنبياء، وفعلوا ذلك قبل النبوة، وكذلك إنما يرتعون ويلعبون قبل النبوة، ذكر ابن جرير، وابن المنذر، أن أبا عمرو قيل له: كيف تقرأ نرتع ونلعب بالنون وهم أنبياء؟ فقال: لم يكونوا يؤمئذ أنبياء، واتفقوا على أنهم صلحاء، واختلفوا فى نبوتهم، ولذلك ذكرهم البوصرى بالصلاح المتفق عليه، لا بالنبوة المختلف فيها، إذ قال: وسمعتم بكيد أولاد يعقوب أخاهم وكلهم صلحاء أو لاختياره عدم النبوة، والصحيح أنهم أنبياء، لقوله سبحانه وتعالى:
{ قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط } إذا الأسباط هم أولا يعقوب وإنزال الوحى يخص الأنبياء وقوله: { وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط } }. وأما ما صدر منهم، فإنما هو عن التأويلات، تراها شريعة، وكثير من الأمة بل أكثرها يقولون: إنما عصمة الأنبياء بعد النبوة، ولكن الصحيح عصمتهم قبلها أيضا، وهو مذهبنا، واختلفوا فى الصغائر أيضا بعد النبوة، لأشهر عندنا عصمتهم، والذى عندى عدم عصمتهم عنها بعدها وقبلها، لكثرة أدلته، والتعبير فى إخوة يوسف بنحو الحسد والبغض بناء على عدم نبوتهم، أو لكون أفعالهم على صورة البغض والحسد.
قيل للحسن: أيحسد مؤمن؟ قال: ما أنساك بنى يعقوب، ولذلك قيل: الأب جلاب، الأخ سلاب، والحسد ضرورة فى الإنسان، ولكن إذا حسد فلا يبغى، وفي الحديث:
"المؤمن لا يكون حسادا" أى ذا حسد أى وإذا صدر منه فليتب.
وروى أن يوسف قصها عليه، لأن نهى أبيه له شفقة عليه لا تحريم عليه يقصها، مع أنها له فلا سر لأحد فيها، وذلك أنها لما أخبرتهم قالوا له: يا يوسف أحق لما رأيت؟ فقال فى نفسه: إن أخبرتهم خالفت والدى، وإن قلت لم أر كذبت، ولا يليق الكذب بنبى، فقالوا له: بحق آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ألا ما أخبرتنا لما رأيت؟ فقال: رأيت كذا وكذا، وقيل: نسى استكتام أبيه فأخبرهم.