خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ ٱلْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ ٱلأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ ٱلْمَوْتَىٰ بَل للَّهِ ٱلأَمْرُ جَمِيعاً أَفَلَمْ يَيْأَسِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن لَّوْ يَشَآءُ ٱللَّهُ لَهَدَى ٱلنَّاسَ جَمِيعاً وَلاَ يَزَالُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِّن دَارِهِمْ حَتَّىٰ يَأْتِيَ وَعْدُ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ
٣١
-الرعد

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ ولَو أنَّ قُرآناً } أى ولو ثبت فى وقت ما من الأوقات، أو حال من الأحوال، أن قرآنا أى قرأت أو مقروءاً { سُيِّرت به الجبالُ } عن مواضعها، والتشديد للتعدية { أو قُطِّعتْ به الأرضُ } شققت وفجرت أنهارا كما طلبتم، أو قطعت بالسير كما طلبتم، والتشديد للمبالغة.
{ أوْ كلِّم بهِ الموْتَى } فسمعت وأجابت، وجواب لو محذوف، أى لكان ذلك هو هذا القرآن الذى يتلوه عليكم محمد، لأنه الغاية فى الإعجاز، والتذكير والإنذار، فالمراد تعظيم شأن القرآن، ويجوز تقديره هكذا: لما آمنوا به كقوله تعالى:
{ ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة } الآية، فيكون المراد المبالغة فى عناد الكفرة، وتصميمهم على الكفر.
وقيل: إن الآية لم تنزل بسبب ذلك، وعليه فتقطيع الأرض تصييرها متصدعة من خشية الله جل جلاله.
وقال الفراء: جواب لو محذوف، دليلة:
{ وهم يكفرون بالرحمن } فكأنه قيل: وهم يكفرون بالرحمن، ولو أن قرآنا سيرت به الجبال، الخ فتقديره لكفروا بالرحمن، واعترض بين لو ودليل جوابها، ولا بأس بهذا القول، وروى مثل قول ابن عباس عن الحسن، إلا أنه لم يذكر السفر وإحياء الموتى، ولم يقل كلمة كما قال سيرت وقطعت، لاشتمال الموتى على المذكر الحقيقى، فاختير جانب التذكير، ولو كان التأنيث جائزا بتأويله الجماعة.
{ بَلْ } إضراب عن النفى، فإن لو للامتناع، والامتناع نفى { للّهِ الأمر جَميعاً } أى القدرة على كل شئ، فلو شاء لأتى بما اقترحوا من الآيات، لكنه لم يفعل لأنه قد علم أنه لو فعل لما آمنوا، ولأنه لم ير مصلحة فى فعله، ويدل لذلك ذكر الإياس بعد، أو الأمر كله من الإيمان وكفر وغيرهما مخصوص به، فلا يؤمن إلا من شاء إيمانه، ولو أوتوا ما اقترحوا، والأمر كله الله، فلو شاء لجبرهم على الإيمان، لكنه بنى أمر التكليف على الاختيار، وكل من ذلك مناسب لقوله: { أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا } بأن تفسير المشيئة على الأخير بمشيئة الإلجاء والجبر، جميعا حال من ضمير الاستقرار المستكن فى قوله: { الله }.
{ أفلَم يَيْئس } ألم يقنط { الَّذينَ آمنُوا } من إيمان تلك الكفرة مع ما رأوا من أحوالهم المصممة على الكفر { أنْ لَوْ يَشَاء الله لهدَى النَّاس جَميعا } باختبارهم أو بالجبر تعالى عنه، أو لهداهم بلا آية، وأن مخففة اسمها ضمير الشأن محذوفا، ويقدر من خبرها مفعول لمحذوف، أى أفلم يقنط الذين آمنوا من إيمان هؤلاء، علما أن لو يشاء الخ، أو عالمين أن لو يشاء الخ.
قال الكسائى: لما طالب المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم بالآيات، اختار المسلمون أن يأتيهم بها ليجتمعوا على الإيمان، فنزل: { أفلم يايئس الذين آمنوا } الخ و { أن لو يشاء الله } مفعول لمحذوف أى ويعلموا أن لو يشاء، فحذف العاطف والمعطوف وبقى مفعول المعطوف انتهى.
وقيل: يئس بمعنى يعلم، قال الثعالبى: وهى لغة هوازن انتهى.
وقال الكلبى: لغة نخع، والجمهور على أنه بمعنى يعلم، ويدل له قراءة على، وابن عباس: وجماعة من الصحابة والتابعين: أفلم يتبين، وهى تفسير قراءة الجمهور، وإنما استعمل اليأس بمعنى العلم، لأنه متضمن معناه، فإن الآيس من الشئ عالم بأنه لا يكون كما استعمل الرجاء، فى معنى الخوف والنسيان فى معنى الترك لتضمن ذلك، أنشد ابن هشام وغيره قول سحيم:

* ألم تيأسو أنى ابن فارس زهدم
*

قال شاعر:

*ألم ييأس الأقوال أنى أنا ابنه
*

والصحيح عندى أن ييئس من القنوط أن لو يشاء إلى آخره معمول لمحذوف كما مر، أو بتقدير اللام، أى لأنه لو يشاء الله ويقدر فى البيتين ألم ييئسوا من ذلى ولو كنت مأسورا لا أنى ابن فارس زهدم، وألم من كون نسبى غير ما يدعون، لأنى أنا ابن فلان، أو لم ييئسوا عالمين أنى ابن فارس زهدهم وألم ييئسوا عالمين أنى أنا ابنه.
قال الكسائى: ما وجدت العرب تقول: يئست بمعنى علمت، وعلى ما قاله الجمهور من كونه بمعنى يعلم يتعلق فى الآية بما بعده، فلا يقدر شئ، أى أفلم يعلموا أن لو يشاء الله، والمراد نفى هدى بعض الناس لعدم تعلق المشيئة باهتدائهم، وقيل: إنما هو أفلم يتبين، كما قرأ على، وابن عباس، فكتبه الكاتب ناعسا مستوى السيئات، وهذا خطأ لأن الله سبحانه قد ضمن لنا حفظ هذا الكتاب من أن يغير تغييرا يقتدى به، ولأن المصحف كان متقلبا فى أيدى الصحابة، فكيف يقروءن فيه خطأ.
{ ولا يزالُ الذِين كَفرُوا } من أهل مكة والعرب { تُصيبهم بَما صنَعُوا } ما مصدرية أى بصنعهم، أو اسم أى بما صنعوه من الكفر والأعمال الخبيثة برسول الله صلى الله عليه وسلم وغيره { قارِعةٌ } داهية تقرعهم، أى تضربهم بصنوف البلايا كالأسر، والحرب، والجدب والقتل، والسلب، وسائر البلايا فى أنفسهم وأموالهم وأولادهم، قال ابن عباس: القارعة السرايا من رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم وغزواته، وعليه اقتصر الشيخ هودرحمه الله .
{ أو تحلُّ } هى أن القارعة أو أنت يا محمد بجيشك، وأو لتنويع البلاء { قَريبا } أى مكانا قريبا، فالنصب على الظرفية، ويجوز على المفعلية { مِنْ دارِهم } بلدهم وهو مكة، أو الدار بمعنى الديار، فإضافته للجنس، ويضطربون بحلولك أو حلول القارعة فى قريب منهم، ويفزعون، ويتطاير شرر ذلك، ويتعدى إليهم شره، وذلك إنما كان صلى الله عليه وسلم يبعث السرايا تغير عليهم، وتقتل وتخطف المواشى، ونزل قريباً من دارهم عام الحديبية بجيشه.
{ حتَّى يأتىَ وعْدُ اللّهِ } أى موعوده وهو موتهم، أو فتح مكة، قال ابن عباس: وعده فتح مكة، وقال الحسن: الآية فى جميع الكفار إلى يوم القيامة فى أى موضع كانوا، ووعد الله هو يوم القيامة يجمعهم فيه للجزاء.
{ إنَّ اللّهَ لا يُخلفُ الميعادَ } أى الوعد وهو مفعال منه، قلبت الواو ياء لسكونها بعد كسرة، وقد حل بالحديبية، ووقع الفتح، ووقع كل ما أتى أجله، لأن الكذب محال عن الله.