خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَٱلْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ ٱلسَّمُومِ
٢٧
وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلآئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ
٢٨
فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ
٢٩
-الحجر

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وَالْجَانَّ } منصوب على الاشتغال بمحذوف يفسره الفعل بعده وقرأ الحسن وعمرو بن عبيد والجان بالهمزة وهو أبو الجن مؤمنهم وشيطانهم كما أن آدم أبو البشر وإِبليس من ذرية الجان أعاذنا الله منه. وقال قتادة وعياض الجان إِبليس وقيل الجن أبو الجان وإِبليس أبو الشياطين وفى الجن مسلمون وكافرون ويأَكلون ويشربون ويموتون والشياطين ليس فيهم مسلم ولا يموتون إِلا إِذا مات إِبليس. وسئل وهب بن منبه فقال هم أجناس شتى منهم ويولد له ويأْكل ويشرب ومنهم من هو كالريح لا يلد ولا يأكل ولا يشرب وهم الشياطين والصحيح أن الجن اسم عام للجنى المؤمن والمنافق والجنى الشيطان المشرك وأبوهم واحد كلهم يشملهم الاجتنان وهو الاستتار كما أن البشر اسم عام لبنى آدم كلهم من البشرة وهى الظهور ويجوز أن يراد بالجان جنس الجن كما يجوز أن يراد بالإِنسان جنس الإِنسان، فإِنه لما كان الجنس متفرعاً عما خلق منه الأَصل الذى هو آدم والجان صح أن يطلق عليه أنه خلق مما خلق وأصل وهو الصلصال والنار، والمؤمنون من الجن يدخلون الجنة، ولو قلنا إِن إِباهم إِبليس وقيل يدخلونها لأَنهم ليسوا بأَولاد إِبليس وقيل لا لأَنهم أولاده ولا شك أن للجن ذرية بنص القرآن، ولما أراد الله أن يخلق لإِبليس ـ أعاذنا الله منه ـ نسلا وزوجة ألقى عليه الغضب فطارت منه شظية من نار فخلق منها امرأته وتسمى طرطبة وقيل هذا اسم حاضنة أولاده وقيل خلق فى فخذه الأَيمن ذكراً وفى الأَيسر فرجاً ويطأ هذا بهذا ويخرج له كل يوم عشر بيضات وقيل باض ثلاثين بيضة عشرة فى المشرق وعشرة فى المغرب وعشرة فى وسط الأَرض فخرج من كل بيضة جنس مخالف للآخر كالحية والعقرب وغيرهما بأسماء مختلفة وكلهم عدو لبنى آدم إِلا من آمن، وقيل باض خمس بيضات والصحيح أنهم يأْكلون ويشربون بمضغ وبلع لما ورد أنهم يأْكلون ويشربون بشمائلهم وأنهم يأْكلون ويشربون مما يغط ويأكلون الفول وإِن من أكل أو شرب بلا ذكر الله أكلوا وشربوا معه ثم إِن ذكر تقيأوا وإِن العظم المذكور اسم الله عليه أى عند الذبح يصير لهم لحماً وحمل ذلك على المجاز لا دليل عليه بل من نفى أكلهم وشربهم جميعاً قوله باطل، ومن نفى عن نوع احتمل وقيل أكلهم وشربهم اشتهاء لا مضغ ولا بلع، قال بعض المحققين من نفى أكلهم وشربهم الحقيقيين حمار، ومن زعم أنهما شم لم يشم للعلم رائحة واتفقوا أن نبينا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ مبعوث إِليهم واختلفوا فى رسلهم قبله. والصحيح أنهم من الإِنس وممن بعث إِليهم يوسف عليه السلام ـ كما قال ابن عباس، ومن بعث إِليهم سليمان وقيل رسلهم منهم ويختلطون بالإِنس عند إِرادة قيام الساعة وفى المحشر وهم مرئيون ويحتمل أن لا نراهم كما فى الدنيا، وجزم بعضهم بأَن الإِنس يرون الجن فى الجنة ولا يراهم الجن عكس ما فى الدنيا والصحيح أنهم مكلفون بأصول الشريعة وفروعها ويروون العلم عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعن المسلمين بحضور المجالس من غير أن يراهم الناس. وقيل يراهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فمن رأى منهم النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ وآمن به صحابى على الراجح وقيل كلفوا بالتوحيد وأركان الإِسلام فقط وزعمت الحشوية أنهم مضطرون فى أفعالهم لا مكلفون، والصحيح إِثابة المطيع منهم وهو مذهبنا ومذهب مالك والشافعى وأحمد ويوسف وأبى محمد صاحبى أبى حنيفة، فقال أبو حنيفة؛ لا ثواب لهم ولكن يتلذذون فى الجنة بالتهليل والتسبيح ويكونون فى صحارى الجنة قيل هم أصحاب الأَعراف، وقيل بالوقف، وقيل إِذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار قيل لهم كونوا تراباً. فيقول الكافر: يا ليتنى كنت تراباً، ولا خلاف فى عقل الكافر منهم، قيل الجن ثلاثة: من له أجنحة يطير، ومن كحيات وعقارب، ومن عليه الحساب والعقاب، وفى قول بدلا لثالث ومن يحل ويرحل ومساكن المؤمنين منهم القرى والجبال والصحارى والمشركين بين الجبال والبحور وقيل البياض الذى بين الزرع لنهى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن البول والتغوط فيه لأَنه مسكنهم وأكثر ما يوجدون فى مواضع النجس والحمام والمزبلة، والصحيح أنهم كلهم المؤمن والكافر يموتون فى الدنيا مثلنا وأعمارهم طويلة ويجوز سلوكهم فى جسد الآدمى والحيوان عندنا، وعند الأَشعرى خلافاً للمعتزلة قائلين إِنه لا يكون روحان فى جسد واحد ويرده أنه لا مانع من ذلك إِذا كان كل روح منهم بجسم كما هنا وقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ "إِن الشيطان واضع خرطومه على قلب ابن آدم فإِن ذكر الله خنس وإِن غفل التقم قلبه وإِنه يجرى مجرى الدم وأنه جىء إِلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بمجنون فضرب ظهره ـ وقال اخرج يا عدو الله فإِنى رسول الله" .
قال أحمد: من قال الجن لا تدخل فى جسد ابن آدم كاذب بل تدخل وتتكلم وعامة ما يقول أهل العزائم شرك فاحذره، كما قال التلاتى: ويجوز جلبهم وزجرهم بما يجوز ويحل التزوج من مؤمنيهم وتزويجهم منا، وقيل: لا، قلت يكره لأَنه ربما أدى ذلك إِلى زنى للتخييل فى عقد النكاح بغير الزوج أو الزوجة وفى أمر الجماع ولما فى ذلك من خفاء يطلع فيه على الحقيقة إِذا قال: تزوجت من الجن وهذا ولدى منهم، أو قالت ذلك، وربما تزنى وتقول: تزوجت جنياً لا ترونه وزعمت الملحدة أنهم لا يتلذذون بنكاح ولا بغيره بل لا يفعلون ذلك وهو خطأ وإِن تزوج آدم جنية وتزوجها جنى فهى فى الجنة لأولهما أو لآخرهما أو تختار أو تقرع بينهما أقوال وهذا الخلاف أيضاً فى ذات الزوجين أو الأَزواج من الجن أو الإِنس، وفى الجنية ذات الزوجين أو الأَزواج من الإِنس أو الجن. وروى أن المرأة لأَحسن أزواجها خلقاً فى الدنيا أى تختاره، وقيل إِنما تختار إِن لم تمت فى عصمة واحد وإِلا فلأولهم والتى ماتت فى عصمته أو مات عنها ولم تتزوج بعده للأَخير وجمع بعض أنها لأولهم إِن ماتوا ولم يرجح أحدهم الآخر فى حسن الخلق وللآخر إِن طلقها ولم ترجح واحداً ولأَحسنهم إِن تفاوتوا، وقيل محل الخلاف فيمن لم تمت فى عصمة وإِنها لمن ماتت فى عصمته إِجماعاً والخلاف فى غير أزواج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأَنهن له إِجماعا. { خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ } من قبل آدم بأَلفى عام. { مِن نَّارِ السَّمُومِ } أى من نار الحر شديد النافذ فى منافذ البدن، قيل نار الدنيا هذه جزء من سبعين جزءاً من النار التى خلق الله منها الجان فى الحرارة ونسب هذا لابن مسعود وقال أبو صالح نار السموم نار لا دخان لها تكون منها الصاعقة وهى بين السماء والحجاب فإِذا أراد الله خرقت الحجاب فالهدة المسموعة هى من خرقه وهم أجسام شفافة مولفة وأُجيز أن تكون كتفية وقيل شفافة بسيطة ومن زعم أنه رآهم وليس نبياً بطل الشافعى شهادته أى إِن لم يدع أنه رآهم على غير صفتهم لورود الخبر أنهم يتصورون على غير صفتهم وذلك بالتخييل، وإِن قلت إِذا قلنا إِنها بسيطة فكيف تحلها الحياة، قلت: لا يمتنع خلق الحياة فى البسيط ولكن إِن الجن مركب الحق كان الإِنسان فهى أقبل للحياة ولا سيما أن الجزء الغالب فيها النار والنار أنسب بالحياة ألا تراها كيف تتحرك وتنخفض وتعلو، وأما الإِنسان فالغالب فيه التراب فذكر فى كل ما هو الغالب وإِلا فكل من الجن والإِنس مركب من التراب والماء والنار والهواء كذا قيل فإِذا كان الله جل جلاله خلق الإِنسان من تراب والجان من نار فكيف لا يقدر على بعثهم كما كانوا فى الدنيا ويجوز أن تكون السموم نوعاً من النار فتكون الإِضافة عام لخاص وهى بيانية أو تكون كالإِضافة فى مسجد الجامع على أوجهه { وَإِذْ } أى واذكر يا محمد وقت، { قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّى خَالقٌ بَشَراً } جسما كثيفاً ظاهرا، { مّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ. فَإِذَا سَوَّيْتُهُ } عدلت خلقه وهيئته لنفخ الروح فيه، { وَنَفَخْتُ } أجريت، { فِيهِ } شيئاً { مِن رُّوحِى } أى من الروح الذى هو مخلوقى ومملوكى وهذه الإِضافة تشريف وإِجراء الروح فيه إِحياء له وأصل النفخ إِجراء الريح فى جوف الجسم والمراد هنا تحصيل الحياة كما علمت ولكن عبر عنه بالنفخ لشبهه به إِذ يتعلق الروح أولا بالنجا اللطيف المنبعث من القلب ثم يدخل سائر البدن { فَقَعُوا } فعل أمر من الوقوع حذفت واوه كما حذفت من المضارع { لَهُ سَاجِدِينَ } سجود تحية بانحناء وسجود الله إِلى جهته تعظيماً له.