خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يُنَزِّلُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ بِٱلْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوۤاْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنَاْ فَٱتَّقُونِ
٢
-النحل

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ يُنَزِّلُ } الله { المَلآئِكَةَ } وقرأ ابن كثير وأبو عمر بإسكان النون وتخفيف الزاى من إنزال وهو رواية عن يعقوب وروى عنه تنزل بتاء فنون فزاى مفتوحات أى تنزيل وحذفت إِحدى التاءين وقرأ أبو بكر تنزل بضم التاء وفتح النون والزاى وتشديد الزاى وعليهما فالملائكة بالرفع والملائكة جماعة من جملة الملائكة ولو فسرنا الروح بالوحى أو القرآن أو كليهما وبسائر كتب الله ووحيه لأَن الملائكة فى ذلك مدخل فبعض ينسخ من اللوح وبعض ينقل إِلى بعض وبعض يشيع الوحى وما نزل من كتاب وربما كان الوحى بدون جبريل كإِسرافيل وقيل المراد جبريل عبر عنه بالجمع تعظيما وإِن الروح هو ما ذكر { بِالرُّوحِ } بالوحى أو القرآن أو كليهما وبسائر كتب الله ووحيه وسمى ذلك روحاً لأَن به حياة القلب الميت بالجهل، كما قال الزجاج أو لأَنه يقوم فى الدين مقام الروح فى الجسد وقال عطاء الروح النبوة وكذا عن مجاهد وعن ابن عباس الوحى وقال قتادة الرحمة وهى أيضا الوحى وما نزل من الكتب فإنهما رحمة ـ قال الربيع بن أنس كل كلام الله روح وإِن منه وأوحينا إليك روحا من أمرنا والياء بمعنى مع فى ذلك كله، كما فى قول بعض إِن الروح جبريل وكما فى رواية عن ابن عباس أن الروح خلق الله لا ينزل ملك إلا ومعه روح كفيل حفيظ لا يتكلم ولا يراه ملك ولا غيره وكما فى رواية عن مجاهد أنه خلق لهم أيد وأرجل { مِنْ أَمْرِهِ } من للتعليل أى من أجله أو بمعنى الباء أى بأَمره أى بإرادته { عَلَى مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ } وهم الرسل أى على من يشاء اتخاذه رسولا واصطفاه للرسالة وإنما ذكر تنزيل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده بعد ذكر إِتيان أمر الله والتهديد به والنهى عن الاستعجال والتنزيه عن الشركة إِشارة إِلى ما به علم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما يحقق موعدهم وقربه وما به علم بطلان الشركة وبطلان استبعادهم اختصاصه ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالعلم بذلك فإن يتكلم بما نزلت به الملائكة صادق قطعا { أَنْ أَنذِرُوا } أى أعلموا الناس أو خوفوهم والخطاب لمن يشاء من عباده وإِن مصدرية والباء مقدرة قبلها عند من أجاز دخول المصدرية على الأمر والمصدر والجار بدل من قوله بالروح أو لا يقدر الجار فيكون المصدر بدلا من الروح وإن قدر منصوبا على نزع الخافض فهو والخافض المنزوع بدل من قوله بالروح أو معسرة فإِن فى الروح معنى القول دون حرفه إِذا فسر بالوحى أو القرآن أو نحوهما مما مر فإِن تنزيل الملائكة بالروح مطلقاً مشعر بالوحى المطلق والوحى كلام وأُجيز أن تكون مخففة من الثقيلة فهى أيضاً مصدرية والكلام فيها كالكلام المذكور فى المصدرية الخفيفة وكل من التفسير والإِبدال قربة على أن الروح ليس على حقيقته وهو الروح الجسد فإِنه مستعار للوحى وما ذكر استعارة أصلية تحقيقية تصريحية، { أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا } مفعول لأنذروا أى أعلموا الناس أن الشأْن لا مستحق للعبادة غيرى أو على تقدير الباء أى خوفوهم بأَنه لا إِله إلا أنا فإِن الإِنذار يأْتى بمعنى الإِعلام المطلق وبمعنى التخويف. { فَاتَّقُونِ } خطاب لمن يشاء من عباده أيضاً ويجوز أن يكون من جملة ما به الإِنذار على طريق الالتفات والأَصل فاتقوه وإِنما كان من الالتفات مع تقدم التكلم فى قوله إِلا أنا لأَنهم إِنما يقولون لا معهم قولوا واعتقدوا أنه لا إله إلا الله والآية تدل على أن الوحى ينزل بواسطة الملك وأن حاصل الوحى الأَمر بالتوحيد وهو منتهى كمال القوة العلمية وبه ينتفع بسائر العلم، والأَمر بالتقوى وهى غاية كمال القوة العملية وقدم التوحيد لأَن التقوى مبنية عليه ولأَنه يختلف على كثرة الأمم بخلاف الأَعمال، فقد يكون عمل تقوى فى أمة ومعصية فى أخرى وكذا الترك وتدل الآية أيضاً على أن الرسالة اضطرارية وإِنها هبة من الله ودل الله سبحانه على وحدانيته بايجاز أصول المخلوقات وفروعها على وفق الحكمة والمصلحة إِذ قال: { خَلَقَ السَّمَٰوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ }.