خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلَوْ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ وَلٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّىٰ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ
٦١
-النحل

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم } كفرهم ومعاصيهم ولا يلزم من عموم الناس وإِضافة الظلم إِليهم أن يكونوا كلهم ظالمين حتى الأَنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ ونحوهم كالأَولياء والصالحين لجواز أن يضاف إِليهم ما شاع فيهم وصدر عن أكثرهم فبنسبة الظلم حكم على المجموع لا الجميع لأَن الناس ظالم ومقتصد وسابق بالخيرات ويحتمل أن المراد بالناس المشركون لنسبة الظلم وقد قال عز وعلا إِن الشرك لظلم عظيم وعموم الظلم فى الشرك وغيره أولى وأظهر وليس المقتصد والأَولياء والصالحون خالين عن الظلم رأساً { مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا } أى على الأَرض وإِنما عيد الضمير إِليها ولم يجر الهاء ذكر للدلالة عليها بذكر الناس وبذكر التراب وبذكر الدابة بعد والذئب يكون على الأَرض وهذا أولى من قول بعضهم أُعيد إِليها الضمير لشهرتها وتمكن الإِشارة إِليها { مِن دَابَّةٍ } ما يدب على الأَرض من آدمى وجنى والأَنعام والوحش والطير وغير ذلك أى يهلك ذلك بسبب ظلم الظالم منعم ويبعث كلا على عمله كما روى عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وسمع أبو هريرة رجلا يقول إِن الظالم لا يضر إِلا نفسه فقال بلى والله إِن الحبارى لتموت فى وكرها بظلم الظالم. وعن ابن مسعود رضى الله عنه كاد الجعل يهلك فى جحره بذنب ابن آدم، وفى رواية عن أبى هريرة أنه سمع قائلا إِن الظالم لا يضر إِلا نفسه فقال بئس ما قلت إِن الحبارى تموتن لا بظلم الظالم وعن ابن مسعود إِن الجعل يعذب فى جحرها بذنب ابن آدم وهو بضم الجيم وفتح العين دويبة سوداء كالخنفساء، قال أبو عبيدة رضى الله عنه "مرت جنازة برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال مستريح أو يستراح منه، فقال يا رسول الله ما المستريح وما المستراح منه فقال العبد المؤمن يستريح من خطب الدنيا وأذاها إلى رحمة الله والعبد الفاجر تستريح منه البلاد والعباد والدواب والشجر" قلنا استراحة العباد لما يَأتى به من المنكر فإِن أنكروا عليه أذاهم بلسانه أو فى ما لهم بنزع بعض منه وإِن تركوه أثموا إِذ لا يسقط فرض النهى بشتم اللسان أو بنزع قليل من الماء وإِن كان يضرهم بالضرب أو بالمال الكثير فإِن أنكروا ضرهم بذلك وإِلا لم يأثموا لكن يتأَلمون بمعاصيه وأيضا يستريحون من ظلمه واستراحة البلاد لأَنه يحصل الجدب بمعاصيه فيهلك الحرث والنسل ولأَنه يغصب الأَرض ويمتنع من حقها ويصرف حقها فى غير وجهه وراحت الدواب مما لا يجوز له من إِتعابها فوق طاقتها وحمل ما لا تطيق وضربها وإِجاعتها وإِعطاشها وقد أهلك الله سبحانه وتعالى ما على الأَرض من كل ما يدب فى زمان نوح ـ عليه السلام ـ كما لا يجوز بذنوب قومه إِلا من كان فى السفينة وقوما بقوا لم يصبهم الغرق كما بينت فى محله ويحتمل أن يكون المراد ولو يَأخذ الله الناس الظالمين بظلمهم ما ترك عليها من دابة ظالمة كذا ظهر لى ثم رأيت القاضى أشار إِليه وزعم بعض أن المعنى لو أهلك الآباء بكفرهم لم تكن الأَبناء ويحتمل أن يريد بالدابة المشرك كما قال إِن شر الدواب عند الله الذين كفروا وبالناس مشركين وبالظلم الشرك كما مر أنه يناسبه أن الشرك الظلم عظيم { وَلَكن يُؤَخِّرُهُمْ } فضلا وكرما وحلما وليتوالد ويجرى ما سبق به علم الله جل وعلا { إِلَى أَجَلٍ } عند الموت وبعده وبعد القيامة حد محدود لكل منهم وهو عمر كل واحد { مُسَمًّى } معين المقدار عند الله عينه لأَعمارهم أو عذابهم وقيل المراد من تقوم عليهم الساعة ولا تقوم إِلا على المشركين لا يستأصل الناس بالهلاك حتى تأتى نفخة الموت { فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً } عنه { وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ } بل هلكوا وعذبوا.