خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَٱلْخَيْلَ وَٱلْبِغَالَ وَٱلْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ
٨
-النحل

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وَالْخَيْلَ } اسم جنس لا واحد له من لفظه عطف على الأَنعام والإِنسان قيل سميت خيلا لاختيالها فى مشيتها { وَالْبِغَالَ } جمع بغل { وَالْحَمِيرَ } جمع حمار أو اسم جمع له قولان والتقدير وخلق لكم الخيل والبغال والحَمير { لِتَرْكَبُوهَا } لم يقل ركوباً بالنصب على أنه مفعول لأَجله لاختلاف فاعله وفاعل الخلق وزمانهما فإِن فاعله الله سبحانه وتعالى وزمانه متقدم وفاعل الركوب الناس وزمانه متأَخر أو إِذ لا تركب فى حين خلقت لاتحاد الفاعل والزمان فى قوله: { وَزِينَةً } انتصب على أنه مفعول لأَجله وهو مصدر زانه فإِن فاعل الخلق وفاعل الزينة الله جل جلاله فإِنه زان الناس بها أى أبهاهم وأجملهم بها وزمان الخلق خارجاً وزمان زينة إياهم بها واحداً فلها زينة ولو فى حال صغرها ونصب بمحذوف أى وخلقها زينة لا بالعطف على محل لتركها لأَن محله لا يظهر فى الفصيح خلافاً لبعض ولو جر زينة باللام لجاز وطابق ما قبله لكن خولف بينهما لأَن المقصود الركوب وأما التزيين بها فإِنما يحصل بالعرض وكل منهما معلوم لله بلا أول ويجوز كون زينة اسم مصدر بمعنى التزين فيكون مفعولا مطلقاً لمحذوف أى ولتزينوا بها زينة ويجوز كونه بمعنى ما يتزين به فيكون حالا عاملها وصاحبها محذوفان أى خلقها زينة أو لمفعول لمحذوف أى وجعلها زينة وقرئ زينة بغير واو وهو مفعول لأَجله ناصبة تركت أو حال من الواو أو من قوله ها أى لتركبوها متزينين أو لتركبوها متزينا بها، فهى مصدر بمعنى اسم فاعل أو اسم مفعول، واستدل ابن عباس ومالك وأبو حنيفة بالآية على تحريم لحم الخيل والبغال والحمير إِذ علل خلقها بالركوب والزينة ولم يذكرها للأَكل بعد ذكر الأَنعام للأَكل ولا دليل فى ذلك لأَنه لا يلزم من تعليل الفعل بما يقصد منه غالباً وهو هنا الركوب والزينة أن لا يقصد منه غيره أصلا وهو هنا أكل لحمها مثلا والإِلزام تحريم حمل الأَثقال على الخيل والبغال والحمير حيث ذكر فى الأَنعام دونها ولأَن الآية مكية وعامة المفسرين والمحدثين على أن الحمر الأَهلية حرمت عام خيبر وهو بعد الهجرة بأَكثر من ست سنين، وعن أسماء بنت أبى بكر رضى الله عنهما نحرنا على عهد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فرساً ونحن بالمدينة فأَكلناه، وكذا ذكر عطاء عن جابر ابن عبد الله أنهم كانوا يأْكلون الخيل على عهد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعنه نهانا زمان خيبر عن أكل البغال والحمر الأَهلية وأذن لنا فى الخيل وعن الحسن نهى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن لحوم الحمر الأَهلية وألبانها وحجة الحسن وسعيد بن جبير والشافعى وأحمد وإِسحاق وابن الزبير وأنس فى إِباحة لحم الخيل بلا كراهة ما ذكر ويجاب من جانبهم على الآية بما مر من أنه لا يلزم من التعليل بما يقصد غالباً أن لا يقصد غيره وبأَنه لم يعرفوا أكل الخيل لعزتها فخوطبوا بما عرفوه منها من ركوب وزينة، كما اقتصر فى الأَنعام على الأَكل والحمل لأَنهما الغالب والثالثة ولو كان سياقها فى الآية واحدا لكن خصت السنة الخيل منها بالخيلة وإِن قيل لو أبيح أكلها لفاتت المنفعة بها فيما وقع به الامتنان فى الركوب والزينة قيل لو لزم من الإِذن فى أكلها أن تغنى للزم مثله فى البقر وغيرها مما أُبيح أكله ورفع الامتنان به. وفى رواية نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الأَهلية ورخص فى الخيل، قال ابن أبى أوفى فتحدثنا أنه إِنما نهى عنها لأَنها لم تخمس، وقال بعض نهى عنها البتة لأَنها تَأكل العذرة وقيل للحاجة إِليها وقيل لأَخذها قبل القسمة فهى مباحة فى الأَصل على هذه الأَقوال غير الثانى وقيل بتحريم الخيل لأَنها آلة جهاد وبرده ما مر من إِباحة اكلها يوم خيبر ومن حديث أسماء إِنا نأْكله على عهد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالمدينة وذلك كله بعد فرض الجهاد وإِن قلت يحتمل أن يكون قولها على عهده أن ذلك فى زمانه وليس فى ذلك ما يدل على أنه اطلع على الآكل قلت لا يظن بآل أبى بكر رضى الله عنه أنهم يقدمون على فعل شىء فى زمانه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ألا وعندهم العلم بجوازه لشدة اختلاطهم به ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع توافر داعية الصحابة إِلى سؤاله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن الأَحكام ولذلك كن الراجح أن الصحابى إِذا قال كنا نفعل كذا على عهد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان له حكم الرفع لأَن الظاهر اطلاعه على ذلك وتقريره فكيف بآل أبى بكر مع أن الأَصل فى قولهم على عهد فلان أن يكون بمعنى قولك على علمه ويقوى علمه ـ صلى الله عليه وسلم ـ بذلك، رواية الدارقطنى عن أسماء فأَكلناه نحن وأهل بيت النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ وذكر عطاء الحل عن الصحابة مطلقاً الخيل ورويت بسند ضعيف عن ابن عباس كراهتها وكرهها أبو حنيفة كراهة تنزيه، وقال الأَكثر عنه كراهة تحريم وكرهها مالك تنزيهاً وهو مشهور المالكية والصحيح عند محققيهم تحريم وسبب كراهتها أنها للجهاد فلو انتفت الكراهة لكثر أكلها فتؤول إِلى النقص من إِرهاب العدو بها المأْمور به فى قوله تعالى: { { ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم } فليس تحريمها أو كراهتها لذاتها بل كل حيوان مما أُبيح لو حدث أمر يفضى فى ذبحه إِلى محذور لامتنع، قال بعض المانعين لو حلت لجازت الأَضحية بها وينقضه حيوان البر فإِنه يؤكل ولم تشرع الأَضحية بها، وأما رواية خالد، نهى ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن لحوم الخيل والبغال والحمير فمعارض الأَحاديث إِباحة الخيل فتقدم عليه لكثرتها ولحديث اسماء وقد ضعف حديث خالد أحمد والبخارى والدارقطنى والخطابى وابن عبد البر وعبد الحق وغيرهم، وإِن قلت حديث جابر بن عبد الله دال على التحريم لقوله رخص والرخصة استباحة الخطوب مع قيام المانع فدل على أنه رخص لهم بسبب المخمصة التى أصابتهم بخيبر فلا يدل ذلك على الحل المطلق قلت أكثر الروايات جاء بلفظ الإِذن، وفى رواية ابن عباس عن من حضر خيبر نهانا ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن الحمر الأَهلية وأمر بلحوم الخيل فدل على أن المراد بالترخيص الإِذن وأيضا لو كان الإِذن فى لحم الخيل ترخيصا للمخمصة لكانت الحمر الأَهلية أولى بذلك لكثرتها وغزة الخيل وحاصل القول فى الثلاثة تحريمها وتحليلها وكراهتها وتحليل الخيل مع كراهة الحمار والبغل وكراهة الخيل مع تحريمها أقوال. { وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } ما لا تعلمونه بتفاصيله ولو علمتموه إِجمالا كالملائكة وما فى البحر من أنواع السمك وما فى البر مما لم تروه عيانا ويحتمل أن يراد ما يعم الحيوان وغيره عن قتادة ما لا تعلمون السوس فى النبات والدود فى الفاكهة وقيل ما أُعد لأَهل الجنة وأهل النار مما لم يخطر على قلب بشر وفى ذكر الله جل جلاله خلق ما لا نعلم امتنان علينا كما من الأَشياء المعلومة مع زيادة الدلالة على قدرته وإِنما طوى عنا علم ذلك لحكمة ويجب على من ملكه الله شيئا من الحيوان أن يشكره على ذلك ويرفق بذلك الحيوان ويعرضه على الماء إِذا مر به وإِذا كان فى أرض جدبة أسرع المشى أو فى خصبة مشى رويدا وأكثر النزول عنه ليرعى ولا ينام عليه فإِن الله سبحانه خلقه ليبلغ به بلدا لم يكن بالغه إلا بشق النفس والله رفيق يحب الرفق فى كل شىء ويرضاه ويعين عليه ما لا يعين على العنف وعليكم بسير الليل فان الأَرض تطوى بالنهار ولا تنزل على الطريق فإِنها طريق الدواب ومأَوى الحيات فذلك كله سنة مروية فى الأحاديث وما دخل الرفق شيئا إلا زانه رزقنا الله منه.