خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَسْئَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَآءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَونُ إِنِّي لأَظُنُّكَ يٰمُوسَىٰ مَسْحُوراً
١٠١
-الإسراء

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ } الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم واليد والعصا والطمس والسنين ونقص الثمرات وقيل انفجار الماء من الحجر وانفلاق البحر ونتق الطور لى بنى إِسرائيل، وقال ابن عباس السبع الأُول وحل العقدة التى بلسانه، وفلق البحر، وقيل هكذا إِلا فلق البحر واليد فعوضهما السنون ونقص الثمرات، وقيل أيضاً بالطمس والبحر وبذل السنين والنقص، واعلم أن المراد بالطمس هنا المسخ للأَموال والأَبدان صير الله عز وجل دراهمهم ودنانيرهم وبيضهم وخبزهم وثومهم وحمصهم وعدسهم حجارة على صورة ما ذكر ومسخ قوماً حجارة على صورة الرجال والنساء. سأَل عمر بن عبد العزيز، محمد بن كعب عن الآيات فذكر منها: الطمس وحل العقدة، فقال عمر: هكذا يجب أن يكون الفقيه يا غلام أخرج ذلك الجراب فأخرج فإِذا فيه بيض مكسور نصفين، وخبز مكسور وثوم وحمص وعدس كلها، كان الرجل منهم مع أهله فى الفراش وقد صارا حجرين، والمرأة قائمة تخبز وقد صارت حجراً، وذكر ابن عرفة وغيره ممن قبله كالزمخشرى عن صفوان ابن غسان "أن بعض يهود المدينة قال لصاحبه تعال نسأَل هذا النبى. فقال له الآخر: لا تقل نبى فإِنه لو سمع صارت له أربع أعين، فسأَلاه عن هذه الآية: { ولقد آتينا موسى تسع } ... الخ. فقال: لا تشركوا بالله شيئاً ولا تقتلوا النفس التى حرم الله إِلا بالحق ولا تزنوا ولا تأْكلوا الربا ولا تسحروا ولا تمشوا ببرئ إِلى سلطان يقتله ولا تقذفوا محصنة ولا تفروا يوم الزحف ولا تسرقوا وعليكم خاصة اليهود أن لا تعدوا فى السبت فقبلا يده ورجليه وقالا نشهد أنك نبى. قال: فما منعكم أن تتبعونى. قالا: إِنا نخاف إِن اتبعناك تقتلنا اليهود" . وروى ذلك أيضاً الترمذى، وقال حسن صحيح، لكن اختلفت الروايات بعض يزيد وبعض ينقص، وعلى هذا فالمراد بالآيات التسع الأَحكام العامة للملل الثابتة فى كل الشرائع سميت بذلك لأَنها تدل على حال من يتعاطى متعلقها فى الآخرة من السعادة والشقاوة وقوله وعليكم خاصة اليهود أن لا تعدوا حكم مستأْنف زاد على الجواب عن التسع وكذلك غير فيه السياق، إِذ لم يقل ولا تعدوا فى السبت { فَاسْأَلْ } يا محمد { بَنِى إِسْرَائِيلَ } عن الآيات التسع سؤال من علم الشئ فاسأَل عنه سؤال استعجاز أو تقرير أو توبيخ بحيث يعلمون ويتيقنون أنك عالم بها ويقولون لك أخبرنا أنت فيها فتخبرهم ليصدقوك، أو سل بنى إِسرائيل المؤمنين كعبد الله بن سلام، وكعب الأَحبار، عن الآيات ليزدادوا يقيناً أو سل يا محمد بنى إِسرائيل عنهن تتسلى بنفسك، أو لتعلم أنه تعالى لو أتاك بما اقترحوا لأَصروا على العناد كما أصر من قبلهم ممن شاهد الآيات السبع أو لتزداد يقيناً على يقينك كما قال إِبراهيم ليطمئن قلبى، ويجوز أن يكون قوله سبحانه فاسأل خطاباً لموسى على حذف تقديره: ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات، فقلنا له اسأل بنى إِسرائيل هل يقدر غير نبى عليهن، وهل يقدرون عليهن لو سأَلهم بأَن يأْتوا بمثلهن إِذا أنكروا رسالتك أو اسأَلهم يا موسى عن حال دينهم لاعن إِيمانهم والسؤال فى ذلك كسؤال استفهام ويجوز على هذا الوجه الذى هو كون الخطاب لموسى أن يكون السؤال بمعنى طلب الإِعطاء، أى سل يا موسى بنى إِسرائيل أن يعاضدوك على الدين وتكون قلوبهم وأبدانهم معك أو اسأل فرعون بنى إٍسرائيل أى اطلبه أن يعطيكهم لتذهب بهم إِلى الشام كما قال، فأَرسل معنا بنى إِسرائيل من فرعون بكسر الميم والوجهان بمعنى، ويجوز عند بعض على كون الخطاب لمحمد - صلى الله عليه وسلم - أن يكون المراد سؤال بنى إِسرائيل لفظاً، وسؤال غيرهم معنى، وقرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسأل بصيغة الماضى لكن بإِسقاط الهمزة الأولى والثانية قيل هو لغة قريش والضمير فيه لموسى، وهى قراءة تقوى كون الخطاب لموسى فى القرآن بصيغة الأَمر على تقدير فقلنا له، أى لموسى اسأل بنى إِسرائيل. { إِذْ } متعلق بائتنا أو بمحذوف متعلق بيخبروك محذوفاً مجزوماً فى جواب الأَمر الذى هو سأَل أى فاسأل بنى إِسرائيل يخبروك بحديث إِذ جاءهم أو مفعول لأذكر محذوفاً مستأْنفاً، هذا كله على أن الخطاب لسيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - وإِن قلنا إِنه لموسى عليه السلام فإِن إِذ متعلقة بقلنا المقدر أو تتعلق بسل على قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - { جَاءَهُمْ } موسى ليبلغهم. { فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّى لأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُوراً } أى سحرك أحد فخلط عقلك فكنت تثبت الربوبية لغيرى وتثبت الرسالة لنفسك، هذا ما يقتضيه كلام ابن عباس، وقيل مسحوراً بمعنى ساحر، كما قيل فى حجاباً مستوراً بمعنى ساتر عكس ما قيل فى ماء داق بمعنى مدفوق، فهذه العجائب التى تأْتى بها من سحرك، وبه قال ابن جرير الطبرى: والهاء فى جاءهم عائدة إِلى بنى إِسرائيل الذين فى زمان موسى وهم المذكورون فى الآية، وإِن قلنا الخطاب فى سل لمحمد - صلى الله عليه وسلم - فكذلك على أنهم المراد فى الآية أو عائدة إِلى الذين فى زمان سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - على أنهم المراد فحينئذ يقدر مضاف أى إِذ جاء آباؤهم.