خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَجَعَلْنَا ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَآ آيَةَ ٱلَّيلِ وَجَعَلْنَآ آيَةَ ٱلنَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً
١٢
-الإسراء

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ } أعينهما أنفسهما، { آيَتَيْنِ } علامتين دالتين على وجودنا ووحدانيتنا وقدرتنا وحكمتنا تدلان بسبب تعاقبهما لأَنهما يتعاقبان على نسق واحد مع إِمكان غيره فدلا على أن لهما مدبراً خصهما بحال من الأَحوال الجائزة بل وجود الشئ مطلقاً بعد العدم دليل على أن له موجداً ليس حادثاً لأَن الشئ لا يوجد نفسه والحادث لا يوجد حادثاً { فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ } الإِضافة للبيان أى آية هى الليل ومحوها إِنما هو إِدخال النهار عليه فيكون الإِشراق بالشمس فتزول الظلمة، { وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ } الإِضافة أيضاً للبيان أى جعلنا بنفسها آية هى النهار { مُبْصِرَةً } ترى هى بنفسها الأَشياء على طريق الإِسناد المجازى فإِن النهار لا يكون رائيا للأَشياء ولكن لما كان سبباً للرؤية وزماناً لها أسند إِليها الرؤية وذلك على أن مبصرة من أبصر المتعدى لواحد محذوف للعلم به والعموم أو لعدم تعلق غرض الكلام به أو يقدر مضاف أى مبصراً أهلها من أبصر المتعدى لواحد أى يبصر أهلها الأَشياء وحذف الواحد لما ذكر ويقرب من هذا الوجه الأَخير فى المعنى أن يكون من باب قولك أجبن الرجل أى صار أهله جبناء فيكون مفيد المعنى كقولك مبصراً أهلها بالهمزة فى أبصر المأْخوذ منه مبصرة لا بتقدير المضاف ويجوز أن يكون مبصرة بمعنى مضيئة، ويجوز أن يكون من أبصر المتعدى لاثنين بالهمزة المتعدى لواحد بدونها، أى تصيرهم باصرين الأَشياء وعلى كل فالمراد أن الله سبحانه وتعالى وعز وجل النهار مشرقاً تظهر فيه الأَشياء، وقيل إِتيان الشمس والقمر فيقدر مضاف أولا أى جعلنا نيرى الليل والنهار آيتين أو الآخر أى وجعلنا الليل والنهار ذوى آيتين والنيران هما الشمس والقمر، ومحو آية الليل وهى القمر جعلها فى نفسها طلساء غير منيرة، فإِنها إنما تستفيد النور من الشمس تشبه خلقها غير مضيئة بإِزالة ضوئها بعد وجوده بجامع عدم النور أو عبر عن خلقها غير مضيئة بالمحو، لأَن المحو فى الجملة سبب لعدم الإِضاءة وملزوم له ويجوز أن يكون المراد لمحو آية الليل نقص نورها شيئاً فشيئاً بحسب قربه من الشمس إِلى أن يستتر ويجوز أن يكون المراد بمحوها كون القمر لا يرى به الشئ رؤية بينة كما يرى بالشمس فعبر عن خلقه أنقص من الشمس بالمحور، لأَن المحو فى الجملة سبب للنقص وملزوم له، ويجوز أن يكون المراد أن القمر قد كان كالشمس فى الإِضاءة فأَزال الله جل وعلا من ضوئه إِلى أن بقى كما هو ليلة تمامه. قال ابن عباس: جعل الله نور الشمس مائة جزء، ونور القمر كذلك فمحا من نور القمر ستة وتسعين جزاء فجعلها من نور الشمس، وقل: محا من نوره تسعة وتسعين جزءا وبقى جزء واحد. وروى أن الله تبارك وتعالى أمر جبريل أن يمر جناحه على القمر ثلاث مرات فطمس ضوءه إلا ما بقى فيه ليلة تمامه، فمن ذلك كان فيه الكلف وهو ما يرى فيه من سواد وقد سأَل ابن الكوى علياً عن السواد الذى فى القمر فقال: هو أثر المحو ويدل لقول ابن عباس وما بعده الفاء بقى للموضوعة للتعقيب وتجعل على غيره لعطف المفصل على المجمل، فجعل الليل والنهار آيتين فحمل فصله بقوله فمحونا آية الليل.. الخ. وأما الشمس فباقية على ضوئها لم ينقص منه شئ وترى بها الأَشياء رؤية بينة وليس ضوؤها مستفادا من شئ تقابله بل خلقت فى نفسها مضيئة كخلقة النار { لِّتَبْتغُوا } تطلبوا بكسبكم فى بياض النهار { فَضْلاً } أسباب المعاش { مِّن رَّبِّكُمْ } وهو الذى يتفضل بها عليكم وتتوصلون إِلى بيان أعمالكم وضبطها بذلك البياض { وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ } أى لتعلموا باختلاف الجديدين وهما الليل والنهار وعدد السنين وتعلموا جنس الحساب وما تحتاجون إِليه منه ولولا ذلك لتعطلت الأُمور ولم يدر حد لوقت ولا وقت حلول الدين أو الحج أو إِفطار الصائم. وروى عن على وأبى هريرة أن كل يوم يقول أنا يوم جديد وعلى ما تعمل شهيد وكذا الليلة تقول أنا ليلة جديدة وعلى ما تعمل شهيدة. وروى عن الغاز بن قيس أنه كان يقول ما من يوم يأَتى إِلا ويقول أنا يوم خلق جديد وعلى ما يفعل فى شهيد خذوا منى قبل أن أبيد فإِذا أمسى ذلك اليوم خر لله ساجداً فقال الحمد لله الذى لم يجعلنى اليوم العقيم يريد باليوم الليل والنهار أو النهار فقط ويعلم حكم الليل بالقياس عليه والعقيم الذى لم يذكر الله فيه أو الذى استؤصل فيه قوم عافانا الله بفضله وكرمه ومعرفة السنين والحساب للأَشهر والأَيام فى الشرع إِنما هى بالقمر لا بالشمس واعلم أن العدد للسنين والحساب للشهور والأَيام والساعات، وليس بعد السنين والشهور والأَيام والساعات إِلا التكرار فالأَسبوع مجتمع من أيام ولا يقال الشهر كذلك متكرر مجتمع منها لأَنه، ولو كان كذلك، لكنه متميز باستتار القمر آخر المدة وظهوره من أول المدة، وكذلك السنة ولو اجتمعت من آيام وشهور لكن تميزت بدوران الفصول الأَربعة واليوم ولو اجتمع من ساعات لكن تميز بغيبوبة الشمس فيكون أوله أول الليل وآخره آخر النهار { وَكُلَّ شَىْءٍ } بالنصف عطف على عدد أو الحساب وقوله { فَصَّلْناهُ تَفْصِيلاً } نعت لكل أو شئ ويجوز كون منصوبا على الاشتغال والمشغول هو فصلنا بعده، وهذا المعنى أولى وهو أيضا أنسب بما بعده فإِن علم كل شئ مفصل من جعل آية النهار مبصرة غير واضح وغير متبادر، وإِنما الواضح المتبادر أن يقال كل شئ يفتقر إِليه فى أمر الدين والدنيا قد فصله الله تفصيلا، أى بينه بيانا شافيا لا يلتبس حتى لا تبقى على الله حجة وقيل الشمس والقمر دليلان على التوحيد ونعمتان من الله عز وجل فقد فصل بهما الأَشياء، وقد علمت أن ليس المراد بالشئ كل شئ على الإِطلاق فإِن جد الأَشياء لا يعلمها بل ما نحتاج إِلى معرفته فإِنه هو المفصل لنا، ويجوز أن يراد التفصيل فى قدرة الله وعلمه وإِيجاده فيكون العموم على ظاهره.