خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قُلْ كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً
٥٠
أَوْ خَلْقاً مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ ٱلَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَ قُلْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَرِيباً
٥١
-الإسراء

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ قُلْ } لهم فى جواب استبعادهم إحياء الرفاة اليابس الجامد. { كُونُوا } هذا أمر تعجيز. { حِجَارَةً أوْ حَدِيداً أوْ خَلْقاً } نوعاً من أنواع المخلوقات. { مِّمَّا يَكْبُرُ فِى صُدُورِكُمْ } أى مما يعظم ويتعاصى عندكم عن قبول الحياة لعبده عنها كالجبال والأَرض والسماوات فإِنها مع بعدها عنها أعظم المخلوقات المشاهدة، وقيل المراد الموت لأَنه لا شئ فى نفس ابن آدم أكبر من الموت، ويرد هذا التعليل أنه ليس المراد تعظيم الشئ بل كونه أبعد عن الحياة وفى الكلام حذف تقديره: فإِن الله يبعثكم كائنين ما كنتم فإِن قدرة الله عز وجل ذاتية لا تعجز عن إِحياء شئ، والدليل العقلى فى ذلك أن الأجسام كلها سواء فى قبول الأعراض والحياة عرض، فكيف والعظم بعض أجزاء الحى وعمود خلقه الذى يبنى عليه سائره وقد كان غضاً موصوفاً بالحياة ورد شئ إِلى حال كان عليها أسهل وأشد قبولا من رده إِلى حال لم يكن عليها، وهذه مجازاة مع عقولهم وإلا فالأشياء كلها مستوية فى قدرة الله جل جلاله، ومن اعتقد أن الله يكون عنده بعض الأَشياء أسهل من بعض فقد وصفه بالعجز فيشترك وفى تفسير الخلق الذى يكبر فى صدورهم بالموت مبالغة، أى لو كنتم نفس الموت الذى هو ضد الحياة لبعثكم، وعليه اقتصر الشيخ هودرحمه الله ، وإِذا قلت ذلك لهم { فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا } إِلى الحياة بعد موتنا. { قُلِ الَّذِى } أى يعيدكم الذى { فَطَرَكُمْ } خلقكم { أوَّلَ مَرَّةٍ } من تراب يخلق أبيكم منه أو يقدر هو الذى فطر أباكم ولم تكونوا شيئاً وهو أبعد شئ من الحياة فإِن القادر على البدء قادر على الإِعادة بل الإِعادة بالنظر إِلى بادئ الرأى أهون، ولكنهما سواء عند الله عز وجل وهذا احتجاب بالبدء على الإِعادة ولذلك قال: قل الذى فطركم أول مرة. ولم يقل: قل الله. روى أن أبى ابن خلف الجمحى أتى النبى - صلى الله عليه وسلم - بعظام مفتتة بالية، فقال: أيحيى الله هذه. فقال الله جل جلاله: { { قل يحييها الذى أنشأَها أول مرة } { فَسََيُنْغِضُونَ } يرفعون أو يحركون. { إِلَيْكَ } أى نحوك { رُءُوسَهُمْ } تعجبا واستهزاء وإِنكاراً. قال الزجاج: النغض تحريك من يبطل الشئ ويستبطئه. { وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ } أى البعث استفهام إِنكار { قُلْ } لهم { عَسَى } أى هو أى البعث. { أن يَكُونَ قَرِيباً } فإِن كل ما هو آت قريب عبر بعسى مع أنه قريب جزماً وقطعاً، كما قال عز وعلا: { اقترب للناس حسابهم }، لأَنها فى لغة العرب قد تكون للتوقع فعبر لهم بما هو لفظ تخوف تهديداً لهم وتوعداً أو هى لعدم الجزم فى اعتبار المخلوق على أن القرب ما نعده قرباً فى عرفنا لا ما يعده الله قريباً وهو فى العرف بعيد ظهر لى الوجهان. قال ابن جرير الطبرى وابن سلام: عسى من الله واجبة فالمعنى هو قريب، واسم عسى كما علمت ضمير البعث وقريباً خبر يكون ومصدر يكون خبر عسى على تأْويله بكائن أو على تقدير مضاف أولا أى عسى أمره كونه قريباً أو آخر أى عساه ذا كونه قريباً أو بلا تأْويل مبالغة ويجوز أن يقال أن يكون تام مصدره خبر لعسى أو فاعلها على أنها أيضاً تامة وقريباً ظرف ولا يجوز أن يكون قريباً خبر عسى لأَن كون خبرها اسماً صريحاً شاذاً غير فصيح.