خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ ٱلْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً
٥٧
-الإسراء

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ أوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلىَ ربِّهِمُ الْوَسِيلَةَ } الذين تابع لأُولئك ويبتغون خبر الذين وأولئك والذين واقعان على المعبودين وكذا رابط الصلة المقدر أى يدعونهم والواو فى يبتغون والهاء فى قوله إِلى ربهم، وأما الواو فى يدعون فعائدة إِلى المشركين العابدين، والوسيلة القربة بالطاعة، كيف تعبدون من هو محتاج إِلى الله متقرب إِليه بما يرضاه. وروى أن المشركين قالوا: لسنا بأَهل أن نشتغل بعبادة الله فنحن نعبد المقربين إِليه وهم الملائكة ثم إِنهم اتخذوا للملائكة تماثيل وصوراً فرد الله عليهم بهذا وكل مخلوق من غير العقلاء منقاد إِلى الله مبتغ القرب إِلى الله، وذكر الشيخ هود وغيره عن ابن مسعود أن نفراً من العرب يعبدون نفراً من الجن فأسلم أولئك الجن ولم يعلم النفر العابدون لهم بذلك وتمسكوا بعبادتهم فعيرهم الله بهذا. { أيُّهُمْ } مبتدأ ومضاف إليه وأى استفهامية. { أقْرَبُ } خبر والجملة مفعول لمحذوف معلق بالاستفهام أى ينظرون أيهم أقرب دل عليه ما فى الابتغاء من التسابق والتنافس فيجوز أن تكون مفعولا لقول محذوف وهو قول بلسان الحال والقول حال من واو يبتغون، أى يبتغون الوسيلة إِلى ربهم قائلين أينا أقرب. وعبر بضمير الغيبة فى أيهم ليطابق ما قبله، وهذان الوجهان هما اللذان ظهراً لى بخلاف غيرهما مما قالهُ غيرى كقول الزمخشري والقاضى أى اسم موصول بدل من واو يبتغون وأقرب خبر لمحذوف، والأَصل أيهم هو أقرب والجملة صلة، أى والمعنى يبتغى إِلى الله الوسيلة من هو أقرب منهم بالعبادة إِليهِ فكيف بغير الأقرب من القريب والبعيد، ثم رأيت الزمخشرى أشار أيضاً إِلى الوجهِ الثانى من الوجهين اللذين ذكرت أولا. { وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ } وهى الجنة فى جانب بنى آدم والجن للتلذذ والنجاة من النار وفى جانب الملائكة للنجاة من النار إِليها لا للتلذذ لأَنهم خائفون راجون للنجاة من سخط الله سبحانهُ وتعالى فى جانب من ذكر كله وفى جانب سائر الحيوان والجماد بل ومن النار أيضاً لما ورد أن سائر الحيوان والجماد مشفقون منها ونعم الدنيا فى جانب بنى آدم والجن والحيوان { وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ } كل من الرجاء والخوف صالح فيم ذكرته ويصرف كل إلى ما يليق به مع أنه قد مر عن بعض أن الكلام فى الملائكة وبنى آدم وعن بعض أنه فى الجن والعذاب عذاب الدنيا وعذاب الآخرة { إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً } حقيقاً بأَن يحذره كل أحد من ملك مقرب أو نبى مرسل ولا سيما غيرهما فكيف يدعى أحد أنه إِله ممن تزعمونهم آلهة وهم خائفون راجون الله سبحانه وتعالى، قال عز الدين بن عبد السلام الخوف والرجاء وسيلتان إِلى فعل الواجبات والمندوبات وترك المحرمات والمكروهات ولكن لا بد من الإِكباب على استحضار ذلك واستدامته فى أكثر الأَوقات حتى يصير الثواب والعقاب نصب عينيك فيخشاه على فعل الطاعات وترك المخالفات ولن يحصل له ذلك إلا بتفريغ القلب من كل شئ سوى ما يكفر فيه أو يواقعه على الكفر، وقد مثل القلب المريض بالشهوات بالثوب المتسخ الذى لا تزول أدرانه إلا بتكرير غسله وحته وقرصه، انتهى. والأَدران الأَوساخ.