خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِٱلنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا ٱلرُّءْيَا ٱلَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَٱلشَّجَرَةَ ٱلْمَلْعُونَةَ فِي ٱلقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً
٦٠
-الإسراء

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وَإِذْ } أى واذكر { قُلْنَا لَكَ }. "وروى أنه - صلى الله عليه وسلم - شكا إِلى الله تعالى أمر قومه، يا رب تخوفت فاعطنى آية على أن لا مخافة على. فقال: ائت وادى كذا وفيه شجرة تدعو غصناً منها ففعل، فجاءه الغصن يشق الأَرض حتى وقف بين يديه، فحبسه ما شاء الله أن يحبسه ثم قال ارجع كما جئت، فرجع. فقال - صلى الله عليه وسلم - يا رب لا مخافة على" ، وقيل أحاط بضلال الناس واهتدائهم فلا تهتم بكفر من كفر. { إِنَّ رَبَّكَ أحَاطَ بِالنَّاسِ } أحاط بهم علمه وقدرته فهم فى قبضته لا يتصرفون بما يريد فبلغ الرسالة ولا تخف فإِنه يعصمكم من الناس. قاله السدى والحسن والطبرى فذلك إِشارة إِلى نحو قوله والله يعصمك من الناس، ويجوز أن يكون المراد بالناس قريشاً والإِحاطة بهم إهلاكهم يوم بدر، يقال أحاط العدو بفلان تريد أنهم قتلوه، فالتعبير بالماضى لتحقق الوقوع بعدو لا بد، فإِن الآية مكية وإِهلاكهم بعد الهجرة أو إحاطته بهم أنه أوعد إِهلاكهم وأنهم كالإِنسان المحبوس فى بيت أحاط به جدره، يقتل إِذا جاء وقت قتله، وذلك إِشارة إِلى نحو قوله سيهزم الجمع وقوله قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون، وكان يوم بدر فى العريش مع أبى بكر يدعو اللهم إنى أسالك عهدك ووعدك، ثم خرج وعليه درع يحرض الناس ويقرأ سيهزم الجمع ويولون الدر وأراه الله تعالى مصارعهم فى المنام حين ورد ماء بدر ونام، وكان يقول: هذا مصرع فلان غدا، هذا مصرع فلان غدا، فسمع قريش فضحكوا واستهزءوا واستعجلوا، وإلى هذه الرؤيا أشار الله سبحانه وتعالى بقوله: { وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِى أرَيْنَاكَ } إِياها وهى إراءتهُ إِياه فى المنام مصارع القوم. { إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ } أهل مكة فى دين الله إِذ تضاحكوا واستهزءوا واستعجلوا هكذا قيل، والأَشهر أن جبريل أراه مصارعهم فى اليقضة، وقيل إنه رأى فى المنام قوماً من بنى أُمية يتداولون منبره كما تداول الكرة، وقيل يثبون على منبره كما تثب القردة فساءه ذلك، واستيقظ وفسرها بأَن ذلك حضر بنى أُمية يعطونه بإِسلامهم وعليه فالمراد بالفتنة ما حدث فى أيامهم للناس عموماً من الزلل والضلال فى القتال والملك وغيرهما. وقال ابن عباس: المراد ما رأى النبى - صلى الله عليه وسلم - عام الحديبية أنه دخل مكة هو وأصحابه فعجل السير إِلى مكة قبل أن يؤمر به فصده المشركون من الحديبية فرجع للمدينة فافتتن بعض المؤمنين بوسواس الشيطان أنه ليس نبياً، إِذ كان أخبرهم أنه يدخلها فلم يدخلها ودخلها فى العام المقبل واعترض هذا القول بأَن الآية مكية وقصة الحديبية مدنية وأُجيب بأَنه رأى الرؤيا بمكة وحكاها عام الحديبية. وقال الجمهور إِن الرؤيا رؤيا لليلة المعراج المذكورة فى أول السورة، وتعلق بذلك من قال إِن ذلك فى المنام، ومن قال إن ذلك فى اليقظة فسر الرؤيا بالرؤية وهو قول عن ابن عباس إلا أنه نفى أن يكون رأى ربه تعالى الله، وبه قال ابن جبير والحسن وقتادة ومجاهد وعكرمة وغيرهم، وقيل سرى بروحه وجسده نسب لأَصحابنا وضعف، والصحيح عندى أنه فى اليقظة، وقيل معراجان: معراج يقظة، ومعراج نوم، وتقدم ذلك كله وعلى ذلك فالفتنة تكذيب بعض من آمن وارتداده وتكذيب المشركين أنه بلغ بيت المقدس والسماء السابعة ورجع فى ليلته ورأى ما رأى فى طريقه وبيان ذلك أنه لما رجع من السماء منصرفاً إِلى مكة على البراق مر بقافلة لقريش، ويقال للقافلة العير بكسر العين وأتى بالفتح فالحمار فانظر ما مر فى سورة يوسف، فيها جمل عليه غرارتان سوداء وبيضاء، فلما حاذى - صلى الله عليه وسلم - الإِبل نفرت واستدارت وصرع ذلك البعير وانكسر، ومر بقافلة ضل لها بعير ورأى من جاء به ورده إِليهم، وصرح بعضهم أن البعير الضال ناقة، فسلم عليهم ولعل ذلك كان قبل تحريم السلام على الشرك، وقال اللقانى: لعل المراد السلام اللغوى وهو الأَمان ويحتمل أن المراد الشرعى وفعله بيان للجواز أو لعل هذا مذهبه، أما مذهبنا ومذهب الشافعية تحريم بداءة مشرك بالسلام ولو ذميا فإِن ظهر أنه مشرك بعد ما سلمت عليه فقل له اردد سلامى، وإِن سلم فقل وعليك وإِن سلمت على قوم هو فيهم فاستثنه ولو بقلبك، والواضح عندى أن تقول السلام عليكم غير فلان أو السلام على غير فلان، أو السلام على فلان وفلان وفلان بتعديد المسلمين إن لم يشق أو السلام عليكم أيها المسلمون أو السلام على من تبع الهدى، كما تكتب إِليه كتابا فإِنك تبدأه بقولك سلام على من اتبع الهدى، ولما سلم عليهم قال بعضهم: هذا صوت محمد، وكان معهم قدح ماء فشربه ثم انتهى إِلى عير بالتنعيم ثم أتى أهله قبيل الصبح بمكة ونزل عن البراق وارتفع البراق من موضعه إِلى موضعه فى الجنة بنفسه أو مع جبريل أو غيره وكان الإِسراء ليلا لأَنه وقت الخلوة ولأَنه وقت الصلاة المفروضة عليه فى قوله عز وعلا: { قم الليل } وليكون أبلغ للمؤمن من الإِيمان وفتنة للكافر وقعد بقية الليل فى بيته ثم مضى إِلى المسجد وقد اشتد عليه الأَمر يعرف أن الناس يكذبونه، وقعد فيه حزيناً فمر به عدو الله أبو جهل وهذه كنيته واسمه عمرو بن هشام وهو فرعون هذه الأُمة فجاءه حتى جلس إِليه فقال له: هل كان من شئ وذلك منه استهزاء لعنه الله.
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نعم. قال: ما هو. قال: أسرى بى الليلة. قال: إِلى أين؟ قال: إِلى بيت المقدس. قال: ثم أصبحت بين ظهرانينا. قال: نعم. فلم يعزم أبو جهل أن يبادر إِليه بالتكذيب مخافة أن لا يذكر له الحديث إن دعا قومه إليه. قال: أرأيت إن دعوت قومك أتحدثهم بما حدثتنى به. قال: نعم. قال: يا معشر بنى كعب بن لؤى، خص بنى كعب ليجمع قبائل قريش وذلك حرص على تكذيبه وإِذاعة كلامه وتصديق الناس له فى تكذيبه إِياه، فانفض إِليه أهل المجالس وجاءوا حتى جلسوا إِليهما. فقال: حدث قومك بما حدثتنى به، ولم يقل قال لى محمد كذا مخافة أن يسكت محمد فلا يقول نعم قلت ذلك، فقال - صلى الله عليه وسلم - إنى أسرى بى الليلة، ثم ذكر لهم المعراج إِلى السماء ليتدرجوا. قالوا: إلى أين؟ قال: إِلى بيت المقدس. قالوا: ثم أصبحت بين ظهرانينا أى بيننا فظهرانى مقحم أو الأَصل بين ظهرنا فزيدت الأَلف والنون تأْكيداً ويعرب كالمثنى ومعناه أن ظهراً منهم قدامه وظهراً منهم وراءه فهو محفوف بهم من جانبيه. قال: نعم أصبحت بين ظهرانيكم فجعل بعض يصفق وبعض يضع يده على رأس نفسه تعجباً وضجوا وعظموا ذلك، وفى بضع العبارات فمن بين مصفق ومن بين واضع.. إلخ. أى فهم محصورون فى مصفق وواضع يده.. الخ. فقال المطعم بن عدى: كل امرك قبل اليوم كان أمما، أى سهلا خفيفاً ممكنا غير قولك اليوم، أنا أشهد أنك كاذب، نحن نضرب أكباد الإِبل إِلى بيت المقدس مصعداً شهراً ومنحدراً شهراً، تزعم أنك أتيته فى ليلة، واللات والعزى أصدقك. وقوله نضرب أكباد الإِبل بمعنى نضرب مجاور أكباد الإِبل أو من إِطلاق الحال على المحل والمعنى نضرب الإِبل وذلك هو الضرب نحو العصى ولكنه كناية عن السفر على الإِبل وقوله مصعدا الخ.. أى كل منا حال كونه مصعداً ويجوز فتح العين على المصدر من أصعد فى الأَرض إِذا توجه مستقبلا أرضاً أرفع منها أى حال كوننا مصعدين أى ذاهبين أو ذهاباً شهراً أى مدة شهرو منحدراً شهراً أى راجعين أو رجوعاً كذلك. فقال أبو بكر: يا مطعم بيس ما قلت لابن أخيك جبهته أى مستقبلته بمكروه وكذبته أنا أشهد أنه صادق وأن ما سماه ابن أخيه من حيث القبيلة أو على وجه المدح بالشفقة فى معرض الذم وإِنما أسرى به إِلى بيت المقدس لأَنه فى محل المحشر فسهل لأُمته بوطئ قدمه صلى الله عليه وسلم إِذا حشروا فيه ولأَنه مجمع أرواح الأَنبياء فشرف الله الأَنبياء بزيارته صلى الله عليه وسلم وليخبر المشركين بصفات بيت المقدس فيجدروا وصفه موافقا فقال المشركون كالطعم يا محمد صف لنا بيت المقدس كيف بناءؤه وكيف هيئته من طول وغيره وكيف قربه من الجبل وفى القوم من سافر إِليه وقبل القابل له صفه لنا أبو بكر إِقامة لبرهان صدقة فشرع صلى الله عليه وسلم ينعت لهم ويقول بناؤه كذا وهيئته كذا وقربه من الجبل كذا فما زال ينعت لهم حتى التبس عليه النعت فاشتد عليه الأَمر اشتدادا ما رأى مثله فجئ بالمسجد وهو ينظر إِليه حتى وضع دون دار عقيل أو عقال أى فى موضع أقرب إِلى النبى - صلى الله عليه وسلم - من دار عقيل وأقرب إِليه من عقال البعير إِلى البعير وعقيل أخو على أسن من على بعشرين سنة مات فى خلافة معاوية بعد ما عمى وقيل فى أول خلافة يزيد بن معاوية وهو الذى قال له معاوية ما لكم يا بنى هاشم تصابون بأَبصاركم فقال كما تصابون ببضائركم يا بنى أُمية فقال الكفار له - صلى الله عليه وسلم - كم للمسجد من باب ولم يكن عدها فجعل ينظر إِليها بابا ويعلمهم وأبو بكر رضى الله عنه يقول صدقت أصدقت أشهد أنك رسول الله فقالوا أما النعت فوالله لقد أصاب وأما دعوى أنه ذهب إِلى بيت المقدس وعاد فى ليلته فلا نصدقه فيها قالوا لأَبى بكر افتصدقه أنه ذهب الليلة إِلى بيت المقدس وجاء قبل أن يصبح قال نعم أنى لا أصدقه فيما هو أبعد من ذلك أصدقه فى خير السماء فى غدوة أو روحه فبذلك لقب الصديق ولقب بعتيق أيضا واسمه فى الجاهلية عبد الكعبة فسماه النبى - صلى الله عليه وسلم - عبد الله وإِشتهر بكنيته وهو أول من لقب فى الإِسلام ثم قالوا يا محمد أخبرنا عن عيرنا فقال أتيت على عبر بنى فلان بالروحاء هو بلد على نحو أربعين ميلا من المدينة الشريفة قد أضلوا ناقة لهم فانطلقوا فى طلبها فانتبهت إِلى رحالهم وليس بها منهم أحد وإِذا بقدح ماء فشربت منه وإِنما شرب بغير إِذن صاحب الماء وليس مال الكفار مباحا حينئذ لأَن العرب ترضى بذلك وكان عرفهم إباحة اللبن لابن السبيل وكانوا يشترطون على رعاتهم أن لا يمنعوا اللبن مر بهم فكيف الماء وذكروا فى الخصائص أنه أُبيح له أخذ الطعام والشراب من ما لكنهما المحتاج إِليهما إِذا احتاج وإِنه يجب على صاحبهما البذل له قال الله تعالى النبى أولى بالمؤمنين من أنفسهم وإِنتبهت إِلى غير بنى فلان بمكان كذا فيها جمل أحمر عليه غرارة سوداء وغرارة بيضاء فلما حاذيت البعير نفرت وصرع ذلك البعير وإِنكسر ثم انتبهت إِلى عير بنى فلان فى التنعيم وهو على ثلاثة أميال من مكة ويسمى مساجد عايشة تقدمها جمل ورق وهو الذى يبين بياض وسواد وفى رواية جمل أدم عليه مسح أسود وغرارتان سودوان والمسح جل تحت الرجل وها هى ذى تطلع عليكم من الثنية والإشارة التى فى الروحاء لقرب التنعيم جدا والمعراج كان ليلة الاثنين على المختار ولأَنها التى ظل منها بعير قالوا فمتى تجئ قال يوم الأَربعاء فلما كان ذلك اليوم أشرفت قريش ينتظرون وقد ولى النهار ولم تجئ العير فدعا النبى - صلى الله عليه وسلم - الله الرحمن الرحيم سرا وحبست له الشمس مدة من الزمان على قدر ما يجئ العير كما وقفت ليوشع قال السبكى:

وشمس الضحى طاعتك بعد مغيبها فما غربت بل وافقتك بوقفة

فطلعت العير فقالوا لأَهل الإِبل هل ضل لكم بعير ثم وجدتموه قالوا نعم قالوا فهل عندكم قصعة من ماء وهى القدح المذكور فقال رجل أنا والله وضعتها فما شربها أحد منا ولا أهرقت فى الأَرض أى ولا صبت. فقالوا: هل انكسرت لكم ناقة حمراء. قالوا: نعم. فرموه بالسحر، وقالوا صدق الوليد فى قوله إنه ساحر، فأَنزل الله سبحانه وتعالى: { وما جعلنا الرؤيا التى أريناك إلا فتنة للناس } وهى رؤية البصر، لقوله فتنة للناس لأَن ذلك لو كان فى المنام لم يكذبوه ولم يفتتنوا به أو سميت الرؤية رؤيا لشبه أمر الغيب بأَمر الرؤيا النومية فاستعير لفظ الرؤيا المرؤية استعارة تصريحية أصلية تحقيقية. { وَالشَّجَرَةَ } معطوف على الرؤيا أى وما جعلنا الرؤيا التى أريناك والشجرة الملعونة فى القرآن إلا فتنة للناس وقرئ بالرفع أى وكذلك الشجرة الملعونة فى القرآن والقراءتان فى لفظ الشجرة ولفظ الملعونة لأَنه نعت وهى شجرة الزقوم ينبتها الله فى النار. { الْمَلْعُونَةَ فِى الْقُرْآنِ } أى الملعون آكلوها وهم أصحاب النار فحذف المضاف، ولعن أصحاب النار فى القرآن كثير، رأيت هذا مروياً عن ابن عباس ذكره ابن جرير الطبرى ومروياً عن الحسن أو وصفت باللعن لأَنها تجاور الملعونين وعلى هذا الوجه فقوله فى القرآن تابع الأَصل هذا المجاز، لأَن الوصف باللعن حقيقة لأَصحاب النار أو وصفت باللعن لأَنها ذكرت فى الآية الأُخرى بصفة ذم وشتم وهى أنها فى أصل الجحيم وأنها طعام الأثيم، وفى القرآن متعلق بملعونة وقيل ملعونة بمعنى كريهة تقول العرب لكل طعام كريهة إِنه ملعون فعلى هذا يتعلق فى القرآن بملعونة أيضاً على معنى أنها ذكرت فيه بما يدل على أنها كريهة مثل كونها فى أصل الجحيم وكونها طعام الأثيم أو بمحذوف هو حال أى مذكورة فى القرآن وقيل وصفت باللعن لأَن اللعن الإِبعاد من الرحمة وهى فى أصل النار فى أبعد مكان من الرحمة، وإن قلت فما الفتنة التى جعل الله بالشجرة المذكورة. قلت: لما سمع المشركون ذكرها قالوا: محمد يزعم أن النار تحرق الحجارة ثم يقول: تنبت فيها شجرة. قال ذلك أبو جهل فى كلامه هذا يا ابن أبى كبشة، وأبو كبشة هو زوج مرضعته وقال: وما نعرف الزقوم إلا الزبد مع الثمر يا جارية زقمينا. فأَتت بزبد وتمر، فقال: يا قوم تزقموا فإِن هذا ما يخوفكم به محمد، وقال عبد الله بن الزبعر: أتخوفنا بالزقوم ولا نعرف الزقوم إلا الزبد والتمر. فذلك فتنة لهم فى دينهم بتلك الشجرة، وافتتن بقولهم أيضاً بعض الضعفاء وما قدروا الله حق قدره فإِن قدره الله صالحة لذلك وأدنى وأعظم.
روى أن لبلاد الترك دويبة تسمى السمندل تتخذ المناديل من وبرها، وإذا اتسخت طرحت فى النار فيذهب الوسخ فيبقى المنديل سالماً لا تؤثر فيه النار، وترى النعامة تبلع الجمر وما يضرها، وتبلع قطعة الحديد المحماة بالنار حتى صارت حمراء كالجمرة فلا تضرها، وقد خلق الله وجل وعلا فى كل شجرة ناراً فلا تحرق الشجرة ولا ماء الشجرة ورطوبتها يبطل النار، ومن قدر على ذلك يقدر أن يخلق فى النار شجرة لا تحرقها وتفسير الشجرة بشجرة الزقوم تفسير للجمهور ومجاهد، وفى رواية عن ابن عباس أنها الكثوث الذى يلتوى على الشجرة والشوك فيجففه، وذكرها فى القرآن على هذا هو ذكر الشجرة الخبيثة فى سورة إِبراهيم عليه السلام على أنها الكثوث، وقيل هى إِبليس، وقيل أبو جهل، وقيل الحكم بن أبى العاص، وإِن قلت: قال بعضهم يصح أن يريد الملعونة هنا فأَكد الأَمر بقوله فى القرآن هل يصح قول هذا البعض. قلت: لا يصح لأنها لم تلعن فى هذه الآية ولا فى هذه السورة إلا بقوله الملعونة وهو إخبار عن لعن مذكور واقع اللهم إلا إن أراد بالملعونة إن شاء اللعن لا الإخبار وهو وجه ضعيف لا يحمل عليه القرآن لأَن المعروف فى الأَشياء الجمل لا الاسم. { وَنُخَوِّفُهُمْ } أى كفار مكة بأَنواع التخويف. { فَمَا يَزِيدُهُمْْ } تخويفنا أو ما تخوفهم به. { إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً } عتوا متجاوزاً للحد عظيماً.