خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي ءَادَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً
٧٠
-الإسراء

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا } فضلنا على غيرهم من الحيوان. { بَنِى آدَمَ } بالعلم والفهم والنطق وحسن الصورة واعتدال المزاج واعتدال القامة وتناول الطعام والشراب باليد، كما قال ابن عباس فى تفسير الآية كل حيوان يتناول طعامه بفيِهِ إِلا الإِنسان فإِنه يرفعه إِليه بيده. روى أن هارون الرشيد أحضر طعاماً فدعا بالملاعق وعنده أبو يوسف فقال: جاء فى تفسير جدك ابن عباس فى قوله تعالى: { ولقد كرمنا بنى آدم } جعلنا لهم أصابع يأْكلون بها فأحضرت الملاعق فردها وأكل بأصابعه. "وروى أنه - صلى الله عليه وسلم - كان مع أصحابه فى سفر فأَتوا على برك من ماء فكرعوا فيها بأَفواههم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اغسلوا أيديكم واشربوا منها" ، فنزلت الآية وبالتمييز بالعقل والإِفهام بالنطق والإِشارة والخط والوصول إِلى أسباب المعايش والمعاد والتسلط على ما فى الأَرض وليس فى الأَرض شئ إلا إِذا شاءوا قهروه حتى السباع يجتمع اثنان منهم وأكثر فيقتلون الأَسد والواحد المحتال القوى الجنان يقتله، وحدثنى شيخنا أن الصغير يقتل الأَسد بأَن يلتزم ذنبه ويلتوى به حيث الأَسد ولا يزال يضربه فى خاصرته وداخل البطن حتى يقتله، وأن طفلا غير بالغ فعل ذلك وبالتمكن من الصناعات وأسياق الأَسباب والمسببات العلوية والسفلية إِلى ما يعود عليهم بالمنافع وكون الرجال باللحى والنساء بالنواصى والذوائب وإِن منهم خير أمة أخرجت للناس وإِن منهم محمد - صلى الله عليه وسلم - فقيل وبالطعام الطيب كالخبز واللحم والسمن والعسل وفيه أن هذا المذكور بعد وطهارتهم بعد الموت. { وَحَمَلنَاهُمْ فِى الْبَرِّ } على الدواب. { وَالْبَحْرِ } على الفلك ومعنى حملهم على ذلك إِركابه إِياهم على ذلك أو معناه أعطاه إِياهم ما تركبونه كما يقال أطعمته وسقا من تمر أى أعطيته إِياه ليأْكله شيئاً فشيئاً أو معناه منعه الأَرض أن تنهال بهم فينخسفوا والبحر أن تنفسخ بهم أجزاؤه فيغرقوا كأَنه قيل أجمدنا لكم الأَرض والبحر بقدر ما لا تستسفاون فيها { وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ الطَّيِّبَاتِ } ما يستلذ من الطعام والشراب مما يحصل بسببهم كالطبخ والعجن وخلط شيئين أو أشياء أو بدون تسبيبهم كالرطب والفواكه وقيل المراد الزبد والسمن والتمر والحلو وذكر بعض أن الأَغذية إِما نباتية وإِما حيوانية ولا يتغذى الإِنسان إِلا بأَطيب القسمين بالطبخ الكامل والنضج التام وجعل رزق غيرهم مما لا يخفى. { وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً } بالقهر والشرف والكرامة واحترز بالكثير عن الملائكة، فقيل إِنهم أفضل من بنى آدم مطلقاً، وعليه الزمخشرى والمعتزلة، وقيل من خواصهم فإِنهم أفضل من عامة مؤمنى بنى آدم وخاصتهم، وقيل من عامتهم فقط وخاصتهم أفضل من خاصة الملائكة، وعن الكلبى المؤمنون أفضل من الملائكة إِلا على جبريل وعزرائيل وميكائيل وإِسرافيل ونحوهم ولا يلزم من عدم تفضيل بنى آدم عموماً عليهم عدم تفضيل بعضهم كنبينا أو كالانبياء مطلقاً فإِنهم أفضل من الملائكة عموماً والذى عندى أن المؤمن الآدمى أفضل من الملائكة لأَنه أطاع الله جل جلاله مع أن له موانع وعوارض عن الطاعة وقد جعلهم الله خدماً لهم فى الآخرة. وقد ورد فى الحديث أن المؤمن عند الله أفضل من بعض ملائكته وورد أنهم أفضل من جميعهم وأما إِسكان الملائكة فى السماوات وتقريبهم وتنزيلهم من الأَنبياء منزلة الأنبياء من الأمم فإِنما ذلك لعصمتهم وقوتهم على ما هنالك بخلاف من كان من شأْنه أن يعجز وأن يعصى فإِنه لا يليق بذلك وليس فى صدور المعصية من المؤمن ما ينقصه عن الملائكة إِذ هم خلقوا وطبعوا طبع ما لا يعصى بخلاف المؤمن. وروى جابر بن عبد الله أن الملائكة قالت: ربنا أنك أعطيت بنى آدم الدنيا يأْكلون منها ويتمتعون بشراب ونكاح وغيرهما، ولم تعظنا ذلك فأعطيناه فى الآخرة، فقال: وعزتى وجلالى لأجعل ذرية من خلقته بيدى كمن قلت له كن فكان. وعن أبى هريرة: المؤمن أكرم على الله من الملائكة الذين عنده، وجعل الزمخشرى هذه الأحاديث موضوعة وإِن قلت فما صنع بقوله كثير، قلت: احترز به عما لا يدخل فى التفضيل كالجبال والشجر فإِنها أبعد من أن يوقع التفضيل بين الآدمى وبينها فكأَنه قيل فضلناهم على ذوى الشأْن وهم الكثير وأما غيرهم فلا شأْن له بالنسبة إِلى الإِنسان فضلا عن أن يوقع التفضيل بينهما وقيل الكثير بمعنى الكل كما قيل فى وأكثرهم كاذبون وهو بعيد ولا دليل فى الآية كما تراه فى سورة الشعراء والكثير يطلق على ما هو فى نفسه كثير ولو كان بالنسبة إِلى غيره قليلا، فلا يرد أن الملائكة على التفسير الأَول وأن الجبال ونحوها هى الكثير وبنى آدم قليل، وعبر أولا بالتكريم لأَن ما أشير إِليه أولا منحة وعبر ثانياً بالتفضيل لأَنه الله جل جلاله صيره بما منحه فاضلا فائقاً غيره، وأفضل ما به التكريم الإِيمان وأداء الفرائض واجتناب المعاصى وهما متوقفان على العقل والفهم للكرم بهما.