خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ يَقْرَؤونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً
٧١
وَمَن كَانَ فِي هَـٰذِهِ أَعْمَىٰ فَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ أَعْمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِيلاً
٧٢
وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ ٱلَّذِي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً
٧٣
وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً
٧٤
-الإسراء

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ يَوْمَ } ومفعول لمحذوف أى اذكر يوم أو ظرف لمحذوف دل عليه لا يظلمون فتيلا أى لا يظالمون يوم والوجه الأَول أظهر ويجوز تعليقه بفضلنا وعلى هذا الوجه الأَخير يكون المراد تفصيل المؤمنين فعبر بالمجموع أو يقدر مضاف أى وفضلنا بعضهم يوم الخ بإِتيان الكتب فى الإِيمان وإِدخال الجنة وهذه فضيلة على أهل النار وعلى من لا يدخل الجنة ولا النار وعلى من يدخلها غير متلذذ ولا متأَلم بهما كالملائكة فإِن منهم خزنة النار وخزنة الجنة وخدم أهلها وذلك اليوم هو يوم القيامة. { نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ } وقرئ يدعى بالبناء للمفعول وقرئ يدعو كذلك لكن بقلب الأَلف واواً وفتح العين كما فى الذى قبله وعلى القراءتين برفع كل على النيابة ويجوز على الأَخير أن يكون الواو علامة جماعة وكل نائب وأن يكون نائباً وكل بدلا وعلى هذين الوجهين فى هذا الوجه الأَخير حذفت نون الرفع تخفيفاً لقلة المبالاة بها إِذ ليست لها علامة رفع. { بِإِمَامِهِمْ } بمن يقتدرو، به من جائر وعادل فيقال يا أتباع محمد، يا أتباع أبى لهب، يا أتباع أبى جهل، يا أتباع فرعون، وبما يقتدرون به، يا أتباع القرآن، يا أتباع الإِنجيل، يا أتباع التوراة، ونحو ذلك وقد فسر بعضهم الإِمام بالنبى والمقدم فى الدين، وابن زيد بالكتاب، والحسن وابن عباس بالدين، وبعض بكتاب الأَعمال يا أصحاب كتاب الخير، يا أصحاب كتاب الشر، وقد قرأ الحسن يوم ندعو كل أناس بكتابهم، وابن عباس فى رواية بمن يقتدرون من مضل أو هاد وبعض بمعبودهم وعن مجاهد وقتادة بنبيهم، وقيل بالقوى الحاملة لهم على عقائدهم وأفعالهم ينقطع نسب الإِنسان يومئذ ويبقى نسب العمل والديانة وقيل الإِمام جمع أم كخف وخفاف، يقال يا فلان عن فلانة إِجلالا ليس عليه السلام لأَنه لا أب له وإِظهار الشرف الحسن والحسين ليذكروا بالنبى - صلى الله عليه وسلم - بعد فاطمة، فيقال يا حسين ابن فاطمة بنت محمد، ولئلا يفتضح أولاد الزنا المؤمنون، وذكر فى الكشاف أن هذا من يدع التفاسير وعاب قليله والذى فى بعض الأَخبار أن الإِنسان يدعى يا فلان بن فلان والتفسير بكتاب الأَعمال أشد مناسبة لقوله سبحانه وتعالى. { فَمَنْ أُوْتِىَ } من المدعوين. { كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ } وهو كتاب عمله. { فَأُولَئِكَ } إِشارة إِلى من باعتبار معناهَا. { يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ } الإِضافة للاستغراق أى كتبهم وإِن قلت كذلك من أوتى كتابه بشماله يقرأه قلت تتم فائدة الكلام بمحذوف أى يقرءون كتابهم فرحين مسرورين بما فيه مفتخرين به ذاكرين له ومن يؤته بشماله على عكس ذلك أو تتم بالمعنى لأَن المعنى يقرءون كتابهم قراءة تامة بينة ولا يقنع القارئ بقراءته حتى يذكره كما مر لأَهل المحشر، ويقول: هاؤم اقرأوا كتابيه بخلاف من يؤتى بشماله فيشغله الدهش والخجل والحيرة فيعجزون عن إِقامة الحروف فتكون قراءتهم كلا قراءة أو تتم فائدة الكلام بقوله: { وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً } لأَن معناه لا ينقصون من أجورهم أدنى شئ ولا أجر لمن يؤتى كتابه بشماله فى الآخرة والفتيل ما يكون فى شق النوى وفسره بعضهم بقشرة النوى، وعلى كل حال المراد التمثيل بالقلة لا حقيقة مقدار الفتيل لأَنهم لا يظلمون فتيلا ولا أقل وفتيلا مفعول ثان لأن الظلم بمعنى النقص ويجوز تعديته لاثنين أو مفعول مطلق نائب عن الظلم أى لا يظلمون ظلماً ما، ولك أن تقول لما ذكرت قراءة السعداء كتابهم فى ذلك اللوح وأشار أن الأَشقياء يقرءونها كلا قراءة من حيث أنها قراءة خفية غير تامة الحروف وغير مفيدة للخير بقوله:
{ وَمَن كَانَ فِى هَذِهِ } أى فى هذه الدار وهى الدنيا. { أعْمَى } عن الحق لا يراه بقلبه شبه فساد قلبه بعمى العينين وأعمى صفة مشبهة كأَحمر وأسود وأعور وأشل، رويت عن شيخى فى قراءة التوضيح وغيره أن اسم التفضيل لا يبنى من العيوب والأَلوان. قال سيبويه لا يقال أعمى من كذا { فَهُوَ فىِ الآخِرَةِ أعْمَى } لا يدرى طريق النجاة والأَعمى لا يقرأ الكتاب هذا هو التلويح بأَن الشقى يقرأ كتابه قراءة كلا قراءة: حيث شبه بالأَعمى الذى هو فاقد إِحساس العين، وأعمى هذا أيضاً صفة مشبهة كالأَولى ومعناهما عمى، وقيل فى الثانى أنه اسم تفضيل أى أشد عمى وحيرة لأَنه قد باشر الخيبة ورأى مخايل العذاب على أن العمى عمى القلب فى الموضعين لكن الأَول صفة مشبهة على معنى أن من كان عمياً فى الدنيا من جهة دينه فهو أشد عمى فى الآخرة على أنه لا مانع من كونهما معاً اسمى تفضيل، كأَنه قيل من بالغ فى الضلال عن الحق فى الدنيا أصابه البعد عن النجاة فى الآخرة على قدر ذلك. قال الصفاقصى: قول سيبويه لا يقال أعمى من كذا إِنما هو فى عمى العين الذى لا تفاضل فيه، وأما عمى القلب فيقال ذلك لأَنه يقع فيه التفاضل كقولك أجهل وأبله، ويدل على الثانى اسم تفضيل عدم إِمالة أبى عمر ويعقوب إِياه فإِن اسم التفضيل إِتمامه بمن كانت ألفه فى حكم المتوسطة بخلاف أعمى الذى هو صفة مشبهة فإِن ألفه فى الطرف إِذ لا تقدر من بعده ولا تذكر وهى معرضة للإِمالة من حيث أنها تصير ياء فى التثنية، فإِن ذلك أخلصا فتحة الثانى ولم يميلاه وأمالا الأَول، وأمالهما جميعاً حمزة والكسائى وأبو بكر وقرأ ورش عن نافع فيهما بإِمالة خفيفة حقية بين بين وأخصل الباقون الفتح فيهما. { وَأَضَلُّ سَبِيلاً } فى الآخرة منه فى هذه الدار لزوال الاستعلال وفقد الآلة والمهلة فإِن الآخرة ليست دار عمل ولا تقبل فيها توبة. قال ابن إِسحاق وغيره المجتمع المشركون القريشيون فى مكة إِلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة إِلى الصباح، وقالوا له: أنت سيدنا ولكن أقبل على بعض أمرنا ونقبل على بعض أمرك. وقالوا يا محمد: إِنما جئت به لم يجئ به أحد من قومك ورفقوا به، وقالوا: كف عن شتم آلهتنا وذمها، انظر فى هذا الأَمر فإِن هذا لو كان حقاً لكان فلان أولى به منك، وفلان أحق به منك، فنزل قوله تعالى:
{ وَإِن } مخففة من الثقيلة { كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ } اللام للفرق بين النفى والإِثبات وكذا فى وإِن كادوا يستغفرونك { عَنِ الَّذِى أوْحَيْنَا } أى ليصرفونك عن متابعة القرآن أو الوحى الذى أوحينا { إِلَيْكَ } وكل من القرآن وسائر الوحى يتضمن التوحيد والأَحكام الشرعية { لِتَفْتَرِىَ } تكذب. { علَيْنَا غَيْرَهُ } من إِثبات الشركاء وعبادتها تعالى الله عن ذلك وهو أمرهم الذى أرادوا أن يقبل على بعضه، وقال سعيد ابن جبير ومجاهد: قالوا لا ندعك تستلم الحجر الأَسود حتى تمس أيضاً أوثاننا على معنى التشرع، فحدث نفسه ماذا على أن أفعل ذلك والله يعلم أنى لها كاره، فنزلت الآية وقيل إِنهم قالوا له: اجعل لنا آية رحمة، آية عذاب، وآية عذاب آية رحمة حتى نؤمن بك، فنزلت. وقال ابن عباس وغيره: نزلت فى شأْن ثقيف لما قالوا لا ندخل فى أمرك حتى تعطينا خصالا نفتخر بها على العرب لا نعش، بالبناء للمفعول والتشديد أى لا يؤخذ منا العش ولا نحشر بإِسكان الحاء والبناء للمفعول أى لا نجمع إِلى غزوة ولا ندعى إِليها ولا نحيى بالبناء للمفعول والتشديد، أى لا نؤمر بالركوع وقيل بالسجود يعنون أن تسقط عنهم الصلاة. وروى لا نحيى فى صلاتنا أى لا نركع أو لا نسجد وكل رب لنا فهو لنا وكل رب علينا فهو موضوع عنا وإِن تمتعنا باللات سنة نعبدها وروى أن تمتعنا باللات سنة من غير أن نعبدها وإِنما نريد أن نأْخذ ما يهدى لها ونكسرها بأَيدينا رأس الحول، وتحرم وادينا وهو وج كما حرمت مكة لا يعضد شجرنا نحب أن تسمع العرب أنك قد أعطيتنا ما لم تعط غيرنا فإِذا سأَلتك العرب لم فعلت ذلك. فقل: إِن الله أمرنى به. وفى رواية وإِن خشيت أن تقول العرب أعطيتهم ما لم تعطنا فقل: الله أمرنى بذلك وسكت فطمعوا، ونزلت الآية وروى
"أنه لما تم كلامهم وسكت جاءوا بكتابهم وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كاتباً فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا محمد - صلى الله عليه وسلم - من كتاب وسلم لثقيف لا يعشرون ولا يحشرون، فقالوا ولا يجيبون فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال للكاتب: اكتب ولا يجيبون، والكاتب ينظر إِلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقام عمر رضى الله عنه فسل سيفه وقال: أسعرتم قلب نبينا يا معشر ثقيف أسعر الله قلوبكم ناراً. فقالوا: لسنا نكلم لك، إِنما نكلم محمدا" . فنزلت قلت سيدنا محمد رسول الله أبعد من أن يكتب لهم لا يعشرون وأشد بعداً أن يكتب لهم لا يجيبون، وإِنما الذى صح أنه قال: لا خير فى دين ركوع فيه ولا سجود، وأما تكسير أصنامكم بأيدكم فذلكم، وأما الطاغية يعنى اللات فإِنى غير ممتعكم بها. { وَإِذَاً لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيِلاَ } الجواب للو محذوف أى وإِذاً لو أجبتهم إِلى ما سألوك لاتخذوك خليلاً، وهذا شارة إِلى أنك خارج عن ولايتى إِذا أجبتهم إِلى سؤالهم لأَن من كان ولياً لأَعداء الله لاتباعه إِياهم فيما لا يرضى الله يكون عدواً لله سبحانه وتعالى، وهذا توقيف وتذكير من الله سبحانه وتعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم - بنعمة التنجية عن فتنتهم كقوله أيضاً:
{ وَلَوْلاَ أن ثَبَّتْنَاكَ } أى ولولا تثبيتنا إِياك على الحق الموحى إِليك وذلك عصمة. { لَقَدْ كِدتَّ } قاربت { تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ } لقوة خدعهم وحيلهم { شَيْئاً قَلِيلاً } أى ركونا قليلا فشيئاً مفعول مطلق واللام فى قوله لقد كدت إِلخ هى اللام التى تقع فى جواب أولا وجملة قد وما بعدها جواب أولا فيفيد ذلك أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يركن ولم يقارب الركون لأَن مقاربته منفية بوجود التثبيت من حيث أن لولا حرف امتناع لوجود ولكن لا أحفظ شاهداً من كلام العرب على جواز كون جواب لولا مصدرا بقد فلعل جواب لولا محذوف أى لولا أن ثبتناك لفتنوك، فيكون لام لقد لام جواب قسم محذوف أى والله لقد كدت أو لام ابتداء على قول من أثبت دخولها على قدر فى غير خبر أن، وعلى ذلك يفيد الكلام أنه قد ركن ركوناً قليلا هو مجرد سكوته ملاطفة لهم لاب سلموا أو هو مجرد تردده ما يضرنى أو مست أوثانهم، وقد علم الله أنى كاره لها لأجد سبيلا إِلى سبيلا إِلى استلام الحجر أو نحو ذلك، وقال ابن الأَنبارى لقد كادوا أن يخبروا عندك أنك ركنت وهو مع كونه تعسفاً مردود بقوله إِذاً لأَذقناك الخ لأَنه لا يعاقب لأَخبار الناس إِلا أن يقال المعنى إِذا لو صدر منك الركون لأذقناك، وقال بعض المتكلمين عاتب الله نبيه عليه السلام قبل وقوع ما يوجب العتاب ليكون بذلك أشد انتهاء ومحافظة لشرائط المحبة، وهذه غاية العناية، وقيل فى هذا الركون أنه خطرة لا يمكن دفعها ولذا قال كدت وهى تعطى أنه لم يقع ركون أصلا لأَن المقاربة التى تضمنها كدت قليلة خطرة أتتأَكد فى النفس فيكون معنى إِذاً لأَذقناك إِذا لو تأَكدت خطرتك أو لو فتنوك الخ.