خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ أَحْصَىٰ لِمَا لَبِثُواْ أَمَداً
١٢
-الكهف

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ } أيقظناهم من النوم كما سنبعث الموتى.
{ لِنَعْلَمَ } الخ أى ليظهر علمنا فيزداد أهل الكهف إيمانا وكذا غيرهم من المؤمنين ويكون لطفا بهم وآية بينة على الكفار المنكرين للبعث من أهل زمانهم أو غيره أو ليتعلق علمنا بإحصاء المحصين أمدا للبثهم تعلقا حاليا مشاهديا مطابقا للتعلق الأول القديم فإنه سبحانه وتعالى عالم بأمد لبثهم وبما يقوله المحصون قبل وجود الخلق علما قديما لا أول له ولما خلق الخلق أصحاب الكهف لبثوا ذلك الأمد الذى سبق به العلم القديم بلا زيادة ولا نقصان.
واختلف المحصون كما سبق العلم القديم بأنهم يختلفون وأصاب من سبق العلم القديم بأنه يصيب وأخطأ من سبق العلم القديم بأنه يخطئ وهو تعالى عالم بوقوع اللبث والاختلاف والإصابة ومحال أن يع شئ ولا يعلم الله بوقوعه وقد علم كيف يقع قبل أن يقع ويظهر لى أن علمه تعالى فى كل شئ قسمان: قديم وحادث فالقديم علمه أنه سيقع بكيفية كذا ومنه زمان الوقوع والحادث علمه بوقوعه إذا وقع ولا يختلف عن الأول ولا يلزم النقص بذلك لأنه لا يترتب الجهل على إثبات الحادث لأنه على وفق القديم وهو عالم لم يزل ولن يزال ألا ترى أنك لو وصفت الله بأنه عالم بأن كذا قد وقع وهو لم يقع لكان خطأ ووصفه له تجهيل له تعالى وتقديس فلو صح قولك أن علمه بوقوع الواقع لما لفعل قديم ولو قيل: إن يقع لكنت قد وصفته بأَنه قد علم أن كذا وكذا قد وقع مع أنه لما يقع فيكون كذبا وجهلا تعالى الله وإن كنت قد أخطأت فأنا تائب إلى الله ومجدد إيمانى بقولى: لا إِله إلا الله محمد بن عبد الله بن عبد المطلب رسول الله وما جاء به حق من الله وإنه تعالى منزه عن كل نقص وأنه ليس كمثله شئ.
{ أَىُّ الحِزْبَيْنِ } الفريقين المختلفين من أصحاب الكهف أو من غيرهم. { أَحْصَى } فعل ماض فاعله مستتر عائد إلى أى الاستفهامية وهى مبتدأ وجملة الفعل والفاعل خبره وجملة المبتدأ والخبر فى محل نصب مفعول نعلم قامت مقام مفعولين إذ علق عنها بالاستفهام ومعنى أحصى ضبط وأصاب الحق فى العد.
{ لِمَا لَبِثُوا } ما مصدرية والواو لأصحاب الكهف أى للبثهم أو يتعلق بمحذوف حال من قوله: { أَمَداً } أى مدة أو بأحصى وأمدا مفعول أَحصى وقيل: اللام صلة للتأكيد وما اسم موصول مفعول لأحصى وأمدا تمييز ويجوز كون ما فى وجه تعليق اللام بلبثوا اسما موصولا.
وإذا قلنا إنها اسم موصول على القول الثانى فهى واقعة على مبهم هو فى الواقع زمان ولذلك فسر وميز بقوله أمدا لكن ذلك ضعيف لزيادة اللام فى مفعول الفعل مع تأَخره من الفعل فلا يحسن التخريج عليه.
وإذا قلنا إنها اسم وعلقنا اللام بأحصى وقلنا أمدا مفعول فما واقعة على اللبث أى أحصى للبث الذى لبثوه أمدا.
وقيل: أحصى اسم تفضيل وأمدا تمييز ولما لبثوا حال منه أو متعلق بأحصى ويرده أن اسم التفضيل إنما يصاغ من الثلاثى المجرد وأحصى رباعى بالزيادة يقال: أحصاه يحصيه فهو مُحْصىً وصوغه من غير الثلاثى المجرد شاذ فلا يخرج عليه غير القرآن مع إمكان غيره فكيف بالقرآن، كقولهم: هو أَحْدَى من الجرب وأحصى للمال وأفلس من ابن المذلق وهو رجل معروف هو وأجداده بالإفلاس وكقولهم هو أعطاهم للدراهم وأولاهم للمعروف وهذا المكان أقفر من غيره وهذا الكلام أخصر من غيره وهذا من الخماسى بالزيادة وفيه شذوذ آخر وهو أنه من المبنى للمفعول.
وقيل: يجوز بناء اسم التفضيل من الرباعى المبدوء بهمزة زائدة قياسا مطلقا وقيل: إن كانت لغير التعدية كأنفر المكان وقد يجاب بأنه قد ورد الثلاثى المجرد من الإحصاء فليكن اسم التفضيل منه ولكن يبقى إشكال فى جعل أمدا تمييز لأن الأمد ليس محصيا بل محصى وتمييز اسم التفضيل أنه ما يكون فاعلا فى المعنى.
وقيل: أحصى اسم تفضيل وأمدا مفعول لمحذوف أى يحصى لما لبثوا أمدا ومن ذلك قوله:

فلم أر مثل الحى حيا مصبحا ولا مثلنا يوم التقينا فوارسا
أكر وأحمى للحقيقة منهمُووأضرب منا بالسيوف القوانسا

أى يضربون القوانس ودل عليه اضرب. والقونس: أعلى بيضة للقال وما بين أدنى الفرس وإنما لم يجعلوا أمدا وقوانس مفعولا لاسم التفضيل لأن اسم التفضيل لا ينصب المفعول خلافا لبعض النحاة وفى تخريج الآية على أن أحصى اسم تفضيل وأمدا مفعول لمحذوف تكلف مستغنى عنه بجعل أحصى فعلا ماضيا وأمدا مفعولا به له.