خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَكَذٰلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَآءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَم لَبِثْتُمْ قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُواْ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَٱبْعَثُواْ أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَـٰذِهِ إِلَىٰ ٱلْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَآ أَزْكَىٰ طَعَاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلاَ يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً
١٩
-الكهف

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وَكذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ } أى بعثناهم من نومهم كما أنمناهم تلك الإنامة دلالة على كمال قدرتنا { لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ } أى ليسأل بعضهم بعضا عن حالهم ومدة لبثهم فيعرفهم مدة اللبث الذى أرسلوه بالورِق إلى المدينة فيزدادوا يقينا وإيمانا بالبعث وكمال القدرة ويشكروا نعمة الله.
{ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ } هو كبيرهم فيما قيل واسمه مكشلينا. وقيل: كمسلمينا.
{ كَمْ لَبِثْتُمْ } فى نومكم كم هنا ظرف زمان منزل منزلة المفعول به وهى للاستفهام متعلق بلبثم أى كم ساعة أَو نحو ذلك قيل: إنهم استكثروا نومهم يتساءلوا عن مدته وقيل: راعهم ما فاتهم من الصلاة فقال ذلك.
{ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ } بناء على غالب ظنهم لأن النائم لا يدرى كم نام إلا بدليل يراه وفى ذلك دليل على جواز الاجتهاد والقول بالظن الغالب وأنه لا يكون كذبا وإن جاز أن يكون خطأ قاله الزمخشرى ولما لم يتحققوا مدة اللبث ردوا العلم إلى الله.
{ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ } منكم لأنكم ولو علمتم لكن بظن أو أعلم بمعنى علم أى ربكم عالم دونكم.
{ بِمَا لَبِثْتمْ } ما مصدرية أى بلبثكم ويقدر مضاف أى بمقدار لبثكم أو مدة لبثكم أو اسم أى بالزمان الذى لبثتموه وإنما كان العائد الهاء المحذوفة العائدة للزمان لأنها نُزِّلت منزلة المفعول به ولو عادت للزمان ولذلك ساغ حذفها.
ويجوز أن يكون لبثا يوما أو بعض يوم قول بعض وربكم أعلم بما لبثتم قول آخرين منكرين عليهم الدخول فيما لا علم به لا على سبيل التحريم بل على سبيل التنزه لعدم موجب الدخول فيه.
وقد روى أن كبيرهم المذكور سمع الاختلاف بينهم فقال: دعوا الاختلاف ربكم أعلم بما لبثتم. وقيل: دخلوا الكهف غُدوة فانتهوا بعد الزوال فظنوا أنهم فى يومهم وهو قولهم: أَو بعض يوم أو أنهم فى اليوم بعده وهو قولهم: لبثنا يوما فلم يذكروا بعض الذى بعده لأن أو للشك كما هو المتبادر.
ولك أن تجعل أو بمعنى بل أو للتنويع باعتبار الكل والبعض فيكونون قد ذكروا بعض الذى بعده ومذهب سيبويه أنه لا تأتى بمعنى بل إلا إن أعيد الفاعل وتقدم نفى أو نهى.
ويجوز كونها بمعنى الواو فيكونون قد ذكروه ولما نظروا طول أظفارهم وأشعارهم قالوا: ربكم أعلم بما لبثتم وقيل: قالوا لبثنا يوما فنظروا الشمس بقى منها بقية بأَن خرجوا إلى موضع ترى منه فقالوا: أو بعض يوم ولما نظروا طول أظفارهم وشعورهم علموا أنهم لبثوا أكثر من يوم فقالوا: ربكم أعلم بما لبثتم وذلك أظهر من أن يقال: علموا بإلهام أن المدة متطاولة وأن مقدارها مبهم لا يعلمه إلا الله ثم أخذوا بعد التحاور فيما يهمهم فقالوا:
{ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ } فبعثوا تمليخا فقد بان لك وجه تفريع هذا على قولهم: ربكم أعلم بما لبثتم فكأنهم قالوا: دعوا الكلام فيما اختص الله بعلمه فإنكم لا تتحصلون منه على شئ وخذوا فيما يهمكم فابعثوا أحدكم.
{ بِوَرِقِكُمْ } فضتكم وهى دراهم مضروبة ويطلق أيضا على الفضة غير مضروبة والمراد هنا الأول والله أعلم.
وقرأ أبو بكر وحمزة وأبو عمرو ووجّ عن يعقوب بإسكان الراء.
وقرأه بعضهم بكسر الواو وإسكان الراء وليس من السبعة ولا من العشرة وكذا قراءة بعضهم ونسبت لابن محيصن بكسر الواو وإسكان الراء وإبدال القاف كافا وإدغام الكاف فى الكاف وهو غير جائز لالتقاء الساكنين على غير حدة وقراءة بعضهم بفتح الواو وكسر الراء وإدغام القاف بعد الإبدال وكونها به قراءة خارجة عن السبعة والعشرة هو الذى خفظت وهو ظاهر قول الإمام أبى عمرو الدانى أبو عمر ويعنى ابن العلا وأبو بكر وحمزة بورقكم بإسكان الراء والباقون بكسرها فظاهر قول القاضى إذ قال: إنه قرئ كذلك ولم ينسبه لواحد من العشرة وعادته أنه يصرح باسم القارئ إذا كان منهم. وقال الزمخشرى: إنها قراءة ابن كثير.
{ هذِهِ } بدل أو بيان أو نعت وجاز تأنيث الورِق لأنه فضة { إِلَى الْمَدِينَةِ } طرسوس بفتح الراء وتسمى قبل الإسلام أفسوس بالفاء أو بالقاف وليست مصاحبتهم لهذه الورق منافيه للتوكل لأنها حفظ للمال وتضييع المال إسراف محرم وإن كانت بنية فالتزود أيضا غير مناف للتوكل لأنه عمل الجارحة والتوكل إنا هو أمر قلبى ويتعين أنها تزوّد إن قيل: إنها من أموال آبائهم. اشتد شوق عالم فقير إلى الحج فكانت أغنياء بلده كلما أراد جماعة منهم الحج أتوه وعرضوا عليه ما يحتج به فيرده عليهم فإذا تفرقوا عنه قال: ما عندى لهذا السفر إلا شيئان مثل الهِميان والتوكل على الرحمن. والهميان: وعاء الدراهم يعنى شد الهِميان من كفافه.
وسئلت عائشة عن مُحْرِم يشد عليه هِميانَه فقالت: أوثق عليك نفقتك بل من خرج بلا زاد طامعا فى الناس متوكل عليهم ومن خرج بلا زاد منفردا أو كان لا يقبل عطاء وهو غير متعود لأكل نحو الحشيش إن مات بذلك فقد قتل نفسه.
{ فلْيَنْظُرْ أَيُّهَا } يعنى أى مواضعها أو أى أسواقها هذا ما أقول وقال غيرى: أى أطعمتها ولا يضعفه التمييز بطعاما بعد لأن لفظ الأطعمة غير مذكور بل لو ذكر كان كقوله عز وعلا:
{ { إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا } وقال غيرى أيضا أى أهلها وعلى كل فأى مبتدأ استفهامية وخبرها اسم التفضيل بعدها والجملة مفعول ينظر علق على الجملة بالاستفهام لأنه من النظر بمعنى العلم والتدبر فهو قلبى بل يجوز هذا أيضا فى فعل البصر وهو وجه ممكن هنا ولو اشتهر أن التعليق يختص بفعل القلب وعلى الأول فالمفعول هنا مقيد بالجار لأنه يقال: نظرت فيه. قال ابن هشام: وزعم ابن عصفور أنه لا يعلق فعل غير علم وظن حتى يضَّمن معناهما وعلى هذا فتكون الجملة سادّة مسد المفعولين.
{ أَزْكَى طَعاماً } أطهر وأبعد عن النجس والحرام والريبة وقد قيل: أمروه أن يطلب ذبيحة مؤمن لا ذبيحة من يذبح على الأصنام على أن فى المدينة مؤمنين يخفون إيمانهم وقيل: أجود طعاما وأفضل وقيل: أكثر وأرخص.
{ فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ } تتقوتون به والهاء عائدة إلى أى.
{ وَلْيَتَلَطَّفْ } يكتسب اللطف وهو الرفق ما قدر فى طريقه إلى المدينة وفيها وفى كلامه حتى لا يعرفه أحد ثم صرحوا له لأن المراد بالتلطف أن لا يُعْلِم بهم أحدا كما قال:
{ وَلاَ يُشْعِرَنَّ } يعلمن { بِكُمْ أَحَداً } من الكفار أى لا يفعل ولا يقول ما يؤدى إلى أن يعلم بنا أحد فإنهم لا يشكّون أن يتعمد ويقصد إشعار أحدهم فعبر بالإشعار عن سببه.
وقيل: يجوز أن يكون معنى التلطف الحذر فى المعاملة لئلا يغبن وفيه عندى ضعف لأن القدر الواجب من القيام على النفس فى المبايعة لا يخلو عند رسولهم أيا كان منهم والتأكيد فى ذلك مع علمهم به حرص على الدنيا ورغبة اللهم إلا إن كانوا لا يعتادون المبايعة فحذروا من يرسلونه منهم أن يغبن.