خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ وَٱذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَىٰ أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَـٰذَا رَشَداً
٢٤
-الكهف

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ إلاّ أَنْ يَشَاءَ اللهُ } والمراد الاستثناء بهذا المعنى بأَى لفظ ولو بغير إلا أو بغير لفظ المشيئة أو بغير لفظ الجلالة من أسماء الله أو بغير إلا ونحوها بل بكسر الهمزة استثناء من النهى وهو منقطع وأن مصدرية ناصبة أى إلا مشيئة الله ويجوز كونه متصلا مفرغا وفيه أوجه:
الأول: أن يقدر الجار ويعلق بحال محذوفة أى متلفظا بمشيئة الله أو ملتبسا بمشيئة الله ونحو ذلك ومعنى التلفظ بها والاقتباس بها أن يقول: إن شاء الله.
الثانى: أن يجعل المصدر مفعولا لحال محذوفة أى إلا ذاكرا مشيئة الله أو إلا قائلا مشيئة الله وإنما نصب القول المفرد لأن هذا المفرد كناية عن الجملة مثل قولك: إن شاء الله.
الثالث: أن يجعل المصدر نائبا عن ظرف الزمان أى لا تقولن لشئ إنى فاعل ذلك غدا إلا وقت مشيئة الله بأن يقول لك: قل إنى أفعله غدا أو يخبرك بأنك فاعله غدا هذا مراد الزمخشرى بقوله: ولا تقولن ذلك القول إلا أن يشاء أن تقوله بأَن يأذن لك فيه. وفهم ابن هشام أن معناه إلا إن قضى الله أن تقوله وقدر قوله فرد عليه بأن ذلك معلوم فى كل أمر ونهى وبأنه يقتضى النهى عن قوله: إنى فاعل ذلك غدا مطلقا وليس كما فهم فرده غير ثابت.
وردّ أيضا بالرأى الأخير على قول الزمخشرى: إن هناك وجها هو أن يكون إن شاء الله فى معنى كلمة تأَبد كأنه قيل ولا تقوله أبدا كقوله: وما كان لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله؛ لأن عودهم فى الشرك لا يشاؤه أبدا وبه رد أيضا على من قال: إن الاستثناء منقطع وقد قلت به من رأى وأقول رده بذلك لا يصح لأن المعنى على التأبيد أو الانقطاع لا تقل مجرد إنى فاعل ذلك غدا أبدا ولكن مشيئته هى الواقعة ولا شك أن قوله ذلك مجردا عن الاستثناء لا يجوز أبدا.
وذكر عن السهيلى أن الاستثناء لا يتعلق بقوله فاعل إذ لم ينه عن أن يصل إلا أن يشاء الله بقوله ذلك ولا بالنهى لأنك إذا قلت أنت منهى عن أن تقول إلا أن يشاء الله فلست بمنهى فقد سلطته عن أن يقوم ويقول شاء الله ذلك ولا وجه لقولك أنت منهى ولا وجه لقولك نهيت عن أن تقول: إنى فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله فعله ولا لقولك نهيت عن أن تقول إنى فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله عدم فعله فالأول استثناء لا حاجة إليه والثانى مأمور به لا منهى عنه وأُوِّل ذلك أن الأصل إلا قائلا أن يشاء الله وحذف القول كثير قال: فقد تضمن كلامه حذف أداة الاستثناء والمستثنى جميعا والصواب أن الاستثناء مفرغ وأن المستثنى مصدر أو حال أى إلا قولا مصحوبا بأن يشاء الله أو إلا ملتبساً بأن يشاء الله وقد علم أنه لا يكون القول مصحوبا بذلك إلا مع حرف الاستثناء فطوى ذكره لذلك وعليهما فالباء محذوفة من أن. وقوله طوى ذكره أى من غير تقديره فى الكلام ليغاير كلام السهلى.
{ وَاذْكُرْ رَبَّكَ } أى مشيئة ربك وقل إن شاء الله.
{ إذَا نَسِيتَ } الاستثناء عند الكلام ثم تذكرت أو نبهك أحد وقد روى
"أنه صلى الله عليه وسلم لما قال لسائليه عن أصحاب الكهف والروح وذى القرنين: أخبركم غدا ونزل: ولا تقولن لشئ الخ قال: إن شاء الله" قال ابن عباس: ينفع الاستثناء ولو بعد سنة ما لم يحنث رواه الطبرانى وكذا عن سعيد بن جبير.
وقال الحسن وطاووس: له الاستثناء ما دام فى مجلسه وعن عطاء مقدار حلب ناقة غزيرة وقال الجمهور وأبو حنيفة لا يفيد الاستثناء إلا إن كان متصلا باليمين أو مفصولا بمانع كعطاس وسعلة وتثاؤب ولو كان كما قال غيرهم لم يتقرر إقرار ولا طلاق ولا عتاق ولم يعلم صدق ولا كذب.
وحكى أنه بلغ المنصورَ أن أبا حنيفة خالف ابن عباس واستحضره لينكر عليه فقال أبو حنيفة: هذا يرجع عليك لأنك تأخذ البيعة بالأيمان أفترضى أن يخرجوا من عندك فيستثنوا فيخرجوا عليك فاستحسن كلامه ورضى عنه.
وقيل: يفيد الاستثناء ما لم يتكلم وعن ابن عمر عنه صلى الله عليه وسلم: إذا استثنى فله نيتاه ولا يفيد الاستثناء بالقلب وحده.
وقيل: المعنى واذكر ربك بالتسبيح والاستغفار إذا نسيت كلمة الاستثناء حثًّا فى البعث على الاهتمام بالاستثناء.
وقيل: اذكره إذا غضبت فنسيت ذكره ثم تذكرت أو نُبهت قال وهب: ذكر الله جل وعلا فى التوراة والإنجيل: يا ابن آدم اذكرنى حين تغضب أذكرك حين أغضب.
وقيل: اذكره إذا اعتراك النسيان ليذكرك المنسى. وقيل: ذكره هو أداء الصلاة المنسية إذا تذكرها كما ورد فى الحديث:
"من نام عن صلاة أو نسيها ثم ذكرها فذلك وقتها" .
وقيل: اذكر ربك وعقابه إذا تركت بعض ما أمرك به يبعثك الذكر على التدارك وهذا يصرف لغيره صلى الله عليه وسلم ولو كان الخطاب له ويجوز أن يكون لمن يمكن منه الترك.
{ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ } ربى بإثبات الياء بعد النون وصلا فى قراءة نافع وأبى عمرو وأثبتها ابن كثير وصلا ووقفا والمعنى أن يدلنى ويرشدنى.
{ رَبِّى لأَِقْرَبَ مِنْ هذَا } أى من أصحاب الكهف. { رَشَداً } علماً ودلالة على نبوتى ورسالتى. وهداه الله سبحانه لأعظم من خبر أصحاب الكهف كقصص الأنبياء المتباعدة أيامهم وأخبار الغيب والحوادث المستقبلة إلى قيام الساعة وسائر الحجج والبراهين فأفحم معانديه إفحاما عاما سألوه عن أصحاب الكهف والروح وذى القرنين فأجاب بالحق مع ما سبق له من المعجزات وزاد لهم: إنى سيكون لى ما هو أعظم برهانا من ذلك وأقرب منه إلى ما أقوله لكم من أنى نبى مرسل وعسى من الله واجبة ولما أمر نبيه أن يقولها علمنا أن ذلك وعد له والله سبحانه لا يخلف الوعد والجملة مستأنفة معترضة فى قصة أصحاب الكهف أو معطوفة على اذكر عطف قصة على أخرى.
ويجوز أن يكون قوله وقل عسى الخ متصلا بقوله: واذكر ربك إذا نسيت فى المعنى وعطفا عليه أى إذا نسيت شيئا فاذكر ربك وقل عسى أن يهدينى لشئ آخر خير مما نسيت وأقرب نفعا منه ولعل النسيان خيرة وقوله عسى ربى زيادة على الذكر الذى أمر به ويحتمل أن يكون إياه.