خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَقُلِ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٍ كَٱلْمُهْلِ يَشْوِي ٱلْوجُوهَ بِئْسَ ٱلشَّرَابُ وَسَآءَتْ مُرْتَفَقاً
٢٩
-الكهف

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وَقُلِ الْحقُّ } مبتدأ { مِنْ رَبِّكُمْ } خبر أى الحق ثابت من الله أو الخبر كون خاص أى آتٍ من ربكم لا ثابت ولا آت من جهة أهوائكم فالحق هو ما جاء عن ربكم لا غير ويجوز كون الحق فاعلا لمحذوف أى جاء الحق من ربكم فيتعلق الجار بجاء المحذوف أو كون الحق خبراً لمحذوف أى القرآن الحق أو ما أوحى إليك هو الحق أو هذا هو الحق فتعلق بمحذوف حال من الخير.
{ فَمَنْ شَاءَ } الإيمان. { فَلْيُؤْمِنْ } ولا يشترط طرد المؤمنين بل يحسن له أن يوافقهم ويعينهم لأمر الدين والدنيا.
{ وَمَنْ شَاءَ } الكفر لشرط طرد المؤمنين. { فَلْيَكْفُرْ } فإِنى لا أطردهم لا أبالى بإيمان مؤمن ولا كفر كافر فإن النفع أو الضر عائد إلى صاحبه فالآية تتضمن التهديد وزيادة ولا نسخ فى ذلك.
وزعموا عن قتادة والسدى أنه منسوخ بقوله تعالى:
{ { وما تشاءون إلا أن يشاء الله } ولا دليل فى الآية على استقلال العبد بفعله لأنه ولو علق الإيمان والكفر على مشيئة العبد لكن فعله خلق من الله بل مشيئته أيضا خلق من الله والاكتساب من المخلوق.
{ إنَّا أَعْتَدْنَا } تحقيق هذا الفعل أن همزته للتعدية وفاؤه هو الحرف بعد الهمزة وعينه هو التاء فهو أصل وثلاثيه عتد أى حضر فيقال: أعتدته بمعنى أحضرته وهيّأته فالمعنى إنا أحضرنا وهيأْنا. { لِلظَّالِمِينَ } المشركين والمنافقين { نَاراً } أخروية.
{ أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا } فسطاطها شبه ما يحيط بهم من النار وكان عليهم كالجدار بالفسطاط المضروب كبيوت الشعر وغيره فسماه باسم الفسطاط بجامع إحاطة كل بما فى داخله وذلك مقتضى قول ابن عباس. أو شبَّه ما يحيط بهم من حيطان جهنم من حديد أو حجر أو مما شاء الله وعمد ممددة بالفسطاط فسماه باسمه وذلك بعد قوله:
{ { اخسئوا فيها ولا تكلمون } }. وقيل: السرادق: الحجرة التى تكون حول الفسطاط. وقيل: دخانها وذلك أيضا على التشبيه. روى عن أبى سعيد الخدرى عن النبى صلى الله عليه وسلم: "سرادق النار أربعة جدر كثف كل جدار أربعون سنة" أخرجه الترمذى وذلك كله بعد الحشر ودخول النار ولتحقق وقوع ذلك بعد لا محالة صيره بمنزلة الواقع فقال: أَحاط ولم يقل يحيط أو هو مستعمل بمعنى يحيط.
وقيل: المراد بالسرادق دخان يحيط بهم فى الموقف وقيل: عنق من النار يخرج ويحيط بهم فى الموقف فيجرهم إليهم وذلك أيضا مستقبل بمنزلة الواقع عافانا الله بمنة وكرمه.
{ وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا } يطلبوا الغوث بماء لشدة العطش. { يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ } أى كدُرْدِىّ الزيت فى الغلظ قاله ابن عباس رضى الله عنهما. { يَشْوِى الْوُجُوهَ } إذا قرب إليها لشدة الحرارة أى يحرق الوجوه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"المهل: عكر الزيت أى دُرْديه. فإذا قرب إليه سقطت فروة وجهه أى جلدة وجهه" أخرجه الترمذى عن أبى سعيد.
وقيل: المهل: المذاب من نحو رصاص ونحاس وفضة. أتى ابن مسعود بفضة وذهب كثيرين فأمر فأذيبا حتى أزيدا وماعا أى صار مائعين كما قال لغلامه. ادع من بحضرتنا من أهل الكوفة فدعا رهطا فقال لهم: أترون هذا؟
قالوا: نعم قال: ما رأينا فى الدنيا شبهاً للمهل أدنى من هذا الذهب وهذه الفضة إذا أذيبا حتى أزبدا وماعا. وقال مجاهد: المهل: القيح والدم وإن قلت: كيف قال: يغاثوا ولا نفع لهم فى ماء كالمهل يشوى الوجوه قلت ذلك تهكم كقوله:

نَقْرِيهمُو لَهذَميّاتٍ نَقُدُّ بها ما كان خاط عليهم كلُّ زَرَّادِ

فإن القرْى وهو الضيافة لا يكون باللهذميات وهو الأسنّة القاطعة وقوله تعالى: { { فبشرهم بعذاب أليم } على أحد الأوجه فيه وقول بشر بن أبى خازم الأسدى:

غضبتْ تميم أن يقتل عامر يوم النسار فأعتبت بالصيلم

أى أزيل عتابهم وأرضوا بالسيف أو الداعية والأمر النظم نزّل الداهية أو السيف بالعتاب الجارى بين الأحبة وجملة: يشوى الوجوه نعت ثان لماء والأول هو قوله كالمهل أو حال من ضمير الماء المستتر فى قوله كالمهل من المهل.
{ بِئْسَ الشَّرَابُ } المخصوص بالذم محذوف أى ذلك الماء أو هو { وَسَاءَتْ } أَى النار. { مُرْتَفَقاً } أى موضع ارتفاق أى نزول فكأنه قيل: ساءت منزلا كما قال ابن عباس وقيل: موضع اجتماع وقيل: المرتفق ما يتكئون عليه أى ساء موضع الاتكاء فيها.
وأصل الارتفاق نصب المرفق تحت الخد والمرفق ما يتكأ عليه وذلك تهكم بهم لأنه لا ارتفاق لأهل النار أو استعارة لمواضعهم فى النار وهو اسم مكان ويجوز أن يكون مصدراً ميميا أو نزولا أو اجتماعا أو اتكاء ويجوز كونه مصدراً ميميماً بمعنى الأصحاب ونصبه على الأوجه كلها نصب تميز الذى هو فاعل فى المعنى وهذه الأوجه كلها ممكنة فى قوله حسنت مرتفقا وعبر هنا بمرتفقا مشاكلة لقوله بعد:
{ { وحسنت مرتفقا } إذا فسرناهما بالمتكأ.