خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَٰهُ لاۤ أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ ٱلْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً
٦٠
-الكهف

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وَإذْ } واذكر إذ { قَالَ مُوسَى } هو ابن عمران أن أخو هارون نبى بنى إسرائيل صاحب التوارة على نبينا وعليهما الصلاة والسلام.
روى الحسن بن حماد عن سعيد بن جبير أنه جلس عند ابن عباس وعنده نفر من أهل الكتاب فقال بعضهم: إن نوفل يزعم عن أبيه كعب أن موسى الذى طلب العلم إنما هو موسى بن ميشا من ولد يوسف بن يعقوب تنبأ قبل موسى ابن عمران قال ابن عباس: كذب حدثنى أبىّ بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما أنه موسى بنى إسرائيل أخو هارون انتهى بالمعنى.
وذكر البخارى ومسلم عن سعيد بن جبير قلت لابن عباس: إن نوفل البكالى يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس هو موسى أخا هارون فقال: كذب عدو الله حدثنا أبىّ بن كعب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنه موسى أخو هارون انتهى بالمعنى وهو الحق. ويدل له أن الله عز وجل لم يذكر فى القرآن موسى إلا أراد به أخا هارون صاحب التوراة ولو أراد به هنا غيره لميزه.
وفى رواية: إن سعيد بن جبير قال لابن عباس: إن نوفل ابن امرأة كعب يزعم أن الخضر ليس بصاحب موسى بن عمران بل هو موسى بن ميشا فقال: كذب عدو الله انتهى.
قيل: سبب قول من قال: إنه ليس موسى بن عمران أن موسى بن عمران أعلم أهل زمانه وأن النبى يجب أن يكون أعلم أهل زمانه وإمامهم المرجوع إليه فى أبواب الدين ونقول: لا بدع فى أن يأخذ نبى عن نبى وإنما الذى لا يتصور هو أن يأخذ عن غير نبى ما هو من أمر الدين.
وإن قيل: إن الخضر ليس نبيًّا كما هو مذهب أكثر أهل العلم لم يرد علينا لأن الله سبحانه هو الذى أمره بالاجتماع مع الخضر ووصفه له بالعلم وأوحى إليه أنه أعلم منك.
وأيضاً علم الخضر علم الباطن وعلم موسى علم الظاهر فلم يتخذ فلم يمتنع أن يكون واحد من الأمة أعلم من نبيها فى غير العلم المتعبد به نبيها ثم إن الخضر إن كان من بنى إسرائيل فهو من أمة موسى إذا قلنا بقول الأكثر: إنه غير نبى ولا يكون أحد من الأمة أفضل من نبيها ولو اختص بشئ عنه وإن لم يكن من بنى إسرائيل فقد قال الله لبنى إسرائيل:
{ { وأنى فضلتكم على العالمين } أى عالمى زمانكم.
{ لِفَتَاهُ } يوشع بن لون بن أفراثيم بن يوسف على الأصح وهو ولى عهد موسى بعد موته وإنما سماء فتى له لأنه كان يتبعه يخدمه ويأخذ منه العلم.
وقيل: فتاة هو أخو يوشع.
وقيل: فتاه: عبده. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" ليقل أحدكم فتاى وفتاتى ولا يقل: عبدى وأمتى" .
ويدل للأول ما وراه البخارى ومسلم عن سعيد بن جبير قلت لابن عباس: إن نوفا البسكالى يزعم أن موسى الخضر ليس موسى بنى إسرائيل فقال ابن عباس: كذب عدو الله "حدثنى أبىّ بن كعب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن موسى قام خطيبا فى بنى إسرائيل فسئل: أى الناس أعلم؟ فقال: أنا. فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه أى إذ لم يقل: الله أعلم أكان أحد أعلم منى أم لا فأوحى الله إليه: إن لى عبداً بمجمع البحرين هو أعلم منك.
قال موسى: يا رب فكيف لى به؟
فقال: تأخذ معك حوتا فتجعله فى مكتل وهو الزنبيل. وقيل: الزنبيل: الذى يسع خمسة صاعا. وأقول: هو متاع يعمل من الخوص ونحوه يحمل فيه التراب ونحوه"
.
وروى: تجعله فى متاعك فحيثما فقدت الحوت فهو ثَم فأخذ الحوت فجعله فى مكتمل فانطلق ومعه فتاه يوشع بن نون ففسر الفتى بيوشع.
وروى الحسن بن حماد عن سعيد بن جبير: جلست عند ابن عباس وعنده نفر من أهل الكتاب. فقال بعضهم: يا ابن عباس إن نوفل بن كعب يزعم عن كعب أن موسى النبى الذى طلب العلم إنما هو موسى بن ميشا. قال ابن عباس: كذب
"حدثنى أبىّ بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما أن موسى بنى إسرائيل سأل ربه. قال: يا رب إن كان فى عبادك أحد هو أعلم منى فدلنى عليه فقال: نعم فى عبادى من هو أعلم منك وهو الخضر فأذن له فى لقائه" .
وروى هارون بن عبيدة عن أبيه عن ابن عباس قال: سأل موسى ربه قال: يا رب أى عبادك أحب إليك؟
قال: الذى يذكرنى ولا ينسانى.
قال: فأى عبادك أقضى؟
قال: الذى يقضى الحق ولا يتبع الهوى.
قال: فأى عبادك أعلم؟
قال: الذى يبتغى علم الناس إلى علمه عسى أن يصيب كلمة تهديه إلى هدى أو ترده عن ردى.
فقال: فهل فى الأرض أعلم منى؟
قال:نعم.
قال: يا رب من هو؟
قال: الخضر.
قال: فأين أطلبه؟
قال: أطلبه على الساحل عند الصخرة التى ينقلب عندها الحوت حيَّاً فتزوَّد سمكا مملحا وخبزاً تأخذ حوتا فى مكتل فحيث فقدنه فهو ثَم.
وروى عن العوفى عن ابن عباس: لما ظهر موسى وقومه على مصر أنزل قومه مصر فأنزل الله سبحانه عليه أن ذكِّرهم بأيام الله فخطب قومه وذكر ما آتاهم الله من الخير والنعمة إذ نجاهم من عدوهم واستخلفهم فى الأرض وقال: كلم الله نبيكم تكليما واصطفاه لنفسه وألقى عليه محبة منه وآتاكم من كل ما سألتموه فنبيكم نبى أهل الأرض وأنتم تقرأون التوراة فلم يترك نعمة أنعم الله عليهم بها إلا ذكرها.
فقال له رجل من بنى إسرائيل: قد عرفنا الذى تقول فهل على وجه الأرض أعلم منك؟
قال: لا. فعاب الله عليه إذ لم يرد العلم إلى الله فبعث الله إليه جبريل عليه السلام فقال له: يا موسى يقول الله لك: يا موسى ما يدريك أين أضع علمى؟ إن لى عبدا بمجمع البحرين أعلم منك.
فسأل موسى الله أن يريه إياه فأوحى الله إليه: أن ائت البحر فإنك تجد على شاطئ البحر حوتا فخذه وادفعه إلى فتاك ثم الزم شاطئ البحر فإذا نسيت الحوت وذهب منك ثَم تجد العبد الصالح فذهب فأخذ الحوت وملحه ودفعه لفتاه ولزما شاطئ البحر يمشيان يوماً وليلة.
وروى أنه لما خطبهم وذكَّرهم بالنعم وقع فى قلبه أنه لا أعلم منه. فعاب الله عز وجل عليه فكان ذلك.
وروى: أنه لما فرغ من الخطبة مضى فاتبعه رجل فقال: هل تعلم أحدا أعلم منك؟ فقال: لا. فعاب الله عليه وقال: عبدى الخضر أعلم منك فأَذن له فى لقائه.
وعن أبىّ بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" ذَكَّر موسى الناس يوما حتى فاضت العيون ورقَّت القلوب ثم ولّى فأدركه رجل فقال: يا رسول الله هل فى الأرض أعلم منك؟
قال: لا. فعاب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه سبحانه وتعالى وقال: بلى.
قال موسى: أى ربى أين هو؟
قال: بمجمع البحرين خذ حوتا ميتا فحيث ينفخ فيه الروح فهو ثَم"
.
وفى رواية: "تزوَّد حوتا مالحا فإنه حيث تفقد الحوت ففعل ذلك" . وقال لفتاه كما قال الله:
{ لاَ أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ } خبر أَبرح محذوف أى لا أبرح أسير أو لا أبرح سائراً لدلالة حاله وهو السفر عليه ولدلالة حتى فإنها تستدعى المغيّا.
ويجوز أن يكون من برح الذى لا خبر له. والأول معناه لا أزال أفعل كذا والثانى معناه لا أزول عن السير والطلب ولا أفارقهما.
ويجوز عن الوجهين أن يقدر مضاف أى لا يبرح مسيرى موجودا أو عن الوجوه فكأن الفعل بياء الغيبة لأن المسير ظاهر والظاهر من قبيل الغيبة ولما حذف وناب عنهُ المضاف وهو ياء المتكلم كان الفعل بهمزة التكلم.
{ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ } موضع الجمع بين البحرين أى الموضع الذى جمع الله فيه بين البحرين هو أيضاً الموضع الذى أراد أن يجتمع فيه موسى والخضر ومجمع اسم مكان على القياس.
وقرئ بكسر الميم الثانية على خلاف القياس كالمشرق والمطلع بكسر الراء واللام. والبحران: بحر فارس والروم مما يلى المشرق قاله قتادة وهو المشهور.
وقال محمد بن كعب: بحر طنجة. ويبحث بأنه لا بحر يومئذ عند طنجة وإنما كان عندها فى زمان ذى القرنين بعد ذلك. أخرجه إليها ذو القرنين من بحر الشام ليفصل به بين أهل الأندلس وأهل السوس وكانوا يضرون أهل الأندلس إلا إن صح أن مخرجه هو رجل يسمى ذا القرنين كان فى زمان إبراهيم لا ذو القرنين المتأخر. وعليه فلعله سمى الموضع مجمع البحرين لأنه سمى ما يلى السدين اللذين بناهما ذو القرنين هناك مما يلى الجزائر بحرا وما يليهما مما يلى السوس بحرا ولكن أحد السدين احتمله الماء والآخر باق إلى الآن فيما أظن.
وذكر القزوينى أن فى آخر الأندلس مجمع البحرين الذى ذكر الله سبحانه فى القرآن وأن عرض مجمع البحرين ثلاثة فراسخ وطوله خمسة وعشرون فرسخاً اهـ وقلبى مائل إلى هذا وإلى الفضائل المنسوبة إلى الأندلس كلها.
وقيل: بحر أفريقية: ونسب هذا القول لابّى بن كعب.
وقيل: البحران: موسى أخو هارون وموس الخضر فموسى أخو هارون بحر العلم الظاهر وموسى الخضر بحر العلم الباطن فكأنه قال: لا أبرح حتى أبلغ موضعاً نجتمع فيه أنا والخضر. وعندى أن هذا وأضرابه لا يجوز القول به وأراه باطلا.
{ أَوْ أَمْضِىَ } أسير أو أثبت فى السير ولا أنفك عنه والعطف على أبلغ أو على مجمع أى أو أبلغ مضىّ حقب. { حُقُباً } ظرف أى زمانا طويلا فإذا مضيت حقباً ولم أجد المطلوب رجعت.
وقال ابن عمر: الحقب: ثمانون سنة.
وقال مجاهد: سبعون.
وقيل: سنة.
وقيل: مائة وهو مفرد.