خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْماً لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً
٩٣
قَالُواْ يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَىٰ أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً
٩٤
-الكهف

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ حَتَّى إذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ } بين الجبلين اللذين خلقناهما سدا ليأجوج ومأجوج والشبيهين بالسد الذى يبنى حاجزاً للشئ أو اللذين تجد يا محمد اليوم سدة بناها ذو القرنين بينهما لو رأيتهما. وعلى كل حال هما جبلان فى آخر الشمال فى منقطع أرض الترك منيعان من ورائهما يأجوج ومأجوج وقد افتخر ملك تلك الجهة المتصلة بهما على ملك قسطنطينية بأن ملكه وصل سد يأجوج ومأجوج حين قاتل الترك الموحّدون المالكون للقسطنطينية هؤلاء الترك المشركين المدعين أن ملكهم اتصل بالسدين واستعان الترك الموحدون بعساكر العرب وغيرهم وبروم المغرب من الفرنسيس وغيرهم وذلك فى حين بلوغى فى تفسيرى هذا سورة الأعراف وتسمى هؤلاء الترك الكفرة بالمسك وهو بلغتهم الذباب لكثرتهم.
وذكر بعضهم أن الجبل الذى فيه السد يلى الروم من جانبه الغربى وأن طوله سبع مائة فرسخ وينتهى إلى بحر الظلمات.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحفص بين السدين بفتح السين والمعنى واحد وهما لغتان. وقيل السد بالضم: لما خلقه الله وبالفتح لما عمله الناس لأنه فى الأصل مصدر سمى به حدث يحدثه الناس. وقيل بالعكس.
وقيل فى المضموم: إنه بمعنى مفعول أى مما فعله الله. وقيل: السدان: جبلا أرمنية وأذربيجان والصحيح الأول وبين فى الآية مفعول به لبلغ. ووقع فاعلا لتقطَّع فى قراءة بعض
{ { لقد تقطع بينكم } }. برفع بين ووقع مضافاً إليه فى قوله: { فراق بينى وبينك } وهو من الظروف المتصرفة لذلك يقال: ولا دليل فى ذلك لجواز أن يكون بمعنى الوصل فى { { لقد تقطع بينكم } وفى { فراق بينى وبينك } وفى الآية أيضاً على حذف المضاف أى بلغ موضع وصل السدين أى حيث وصل بينهما أو بمعنى الفصل كذلك أى موضع الفصل بينهما قبل أن يوصل سدا بآخر.
ويحكى أن الواثق بالله بعث بعض من يثق به من أتباعه ليعاينوا السدين فخرجوا حتى وصلوا إليه وشاهدوه فوصفوا أنه بناء من لَبِن حديد مسدود بالنحاس المذاب وعليه باب مقفل.
والذى حفظت قديماً أن سلاما الترجمان كان عارفاً بألسنة كثيرة حتى قيل: إنه يعرف أربعين لغة ويجارى فيها ويقول: إنهُ رأى هذا السد عياناً بعثه الواثق من خلفاء بنى العباس ليتحققه.
فرجع إليه بعد سنتين وأربعة أشهر فأخبر أنه سار ومن معه حتى وصلوا إلى صاحب السرير بكتاب الواثق فأكرمهم وأنفذ معهم أدلاّء.
فمضوا حتى دخلوا فى تخوم سحرة وساروا إلى أرض ممتدة طويلة كريهة الرائحة فقطعوها فى عشرة أيام وكان معه شئ يشمونه لأن رائحتها تأخذ على القلب وخرجوا منها إلى أرض خراب لا حسيس بها ولا أنيس مسيرة شهر.
وخرجوا إلى حصون بالقرب من جبل السد أهلها يتكلمون بالعربية والفارسية وهناك مدينة عظيمة اسم ملكها خابان أنكس.
فسألونا عن حالنا فأخبرناهم أن أمير المؤمنين الخليفة أرسلنا لنرى السد عياناً ونرجع إليه بصفته فتعجب هو ومن عنده منا ومن قولنا: أمير المؤمنين الخليفة وبين المدينة والسد فرسخان.
وسار معنا ناس منهم فرأينا طول السد على الأرض مائة ذراع وخمسين ذراعاً وفيه باب حديد طوله إلى جهة السماء مائة وخمسون ذراعا له عضادتان كل عضادة خمس وعشرون وارتفاعها مائة وخمسون وبأعلاها دورند من حديد طوله مائة ذراع وخمسون ذراعاً وهي القبة العليا وفوقه شرافتان من حديد فى طرف كل شرافة قرنان من حديد مائلان إلى الشرافة الأخرى كل ذلك من لَبِن حديد مغيب فى نحاس مذاب والبابان مرصعان مغلقان عرض لك مصراع خمسون ذراعا وعلى الباب قفل حديد طوله سبعة أذرع وغلظه ذراع ونصف وارتفاع القفل من الأرض أربعون ذراعا وفوق القفل بخمسة أذرع معلق تعلق به مفتاح وطول المفتاح ذراع ونصف وله اثنتا عشرة سِنّة من حديد والعتبة السفلى سمكها عشرة أذرع وكل تلك الأذرع بالرشاشى ورئيس تلك الحصون يركب فى كل جمعة فى موكب عظيم حتى يأتى الباب وبأيديهم مرزبّات من حديد يضربونه فيسمعون دويا من خلق الباب كالرعد فيعلمون أن هناك حفظة.
وقرب السد حصن طوله عشرة فى عشرة وبجانب الباب حصنان كل منهما مائة ذراع بينهما عين ماء عذب وفى أحدهما بقية من آلات البناء وهى قدور حديد أكبر من قدور الصابون وهناك بقايا من لَبِن الحديد لزق بعضها ببعض من الصدأ طول كل لبنة ذراع ونصف عرض ذراع وارتفاع شبرين وأما الباب والقفل والدورند فكأنها فُرغ منها الآن غير صَدِئة دُهنت بأَدهان الحكمة.
قال سلام الترجمان: سألت مَن هناك؟ هل رأيتم قط أحدا منهم.
فأخبروا: أنهم رأوا عددا كثيرا فوق شرافات الباب فهبت ريح عاصف فرمت ثلاثة طول واحد منهم دون ثلاثة أشبار ولهم مخالب موضع الأظفار ذو أنياب وأضراس كالسباع وإذا أكلوا بها يسمع لأكلهم حركة قوية ولكل واحد منهم أذنان عظيمتان يفترش واحد ويلتحف بالآخرى.
فكتب سلام الترجمان هذه الصفات كلها فى كتاب ورجع إلى الواثق بالله تعالى.
ويمسى الجبل المحيط بهم قرنان وهو كالحائط لا يصعد إليه وعليه ثلوج أبدا وضباب لا يزول أبدا صيفا ولا شتاء والله أعلم.
{ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْماً لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ } يفهمون { قَوْلاَ }.
وقرأ حمزة والكسائى بضم الياء وكسر القاف من أفقهه فالمفعول الأول محذوف أى لا يفقهون أحدا قولا.
قال ابن عباس: لا يفقهون كلام أحد ولا يفهم الناس كلامهم. قيل: هم الترك. والمشهور أن الترك قوم من يأجوج ومأجوج كانوا حين بناء السد خارجين عن الجبلين يغيرون فسموا الترك لأنهم تُركوا وراء السدين والمراد لا يكادون يفقهون قولا إلا بجهد ومشقة من إشارة ونحوها كما يفهم الأخرس أو إلا بترجمان لقوله عز وجل: { قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ } الخ فأَثبت لهم القول. وفى مصحف ابن مسعود: "قال الذين من دونهم" أى من دون ذلك القوم: { إنْ يَأْجُوجَ وَمأجُوجَ } وقرأ عاصم بهمزهما هنا وفى الأنبياء وهما عجميان فالمنع من الصرف للعجمة والعلمية على القبيلتين.
وقيل: عربيان من أج الظليم إذا أسرع أو من أجت النار إذا اشتعلت واتقدت.
وقيل: أجيج النار: ضوؤها ونورها شبهوا بها لكثرتهم أو بالظلم لسرعتهم فى الأشياء وعلى أنهما عربيان من تلك الصيغ فأصلهما الهمزة كما قرأ عاصم وعليه فمنع صرفهما للعلمية على القبيلتين والتأنيث وقرئ ياجوج وماجوج.
{ مُفْسِدُونَ فِى الأَرضِ } يخرجون أيام الربيع إلى الأرض التى دون السدين فلا يدعون فيها شيئاً أخضر إلا أكلوه ولا يابسا إلا حملوه وأدخلوه أرضهم فلقوا منهم أذىً شديدا.
وقيل: يأكلون الناس ويقتلونهم.
وقيل: أرادوا أنهم إن خرجوا أفسدوا. قال مقاتل: هم ولد يافث بن نوح عليه السلام.
وقيل: إن آدم نام فاحتلم فالتصقت نطقته بالتراب فتولد منه هذا الحيوان فهم إخوة الناس من أبيهم كذا روى عن كعب الأحبار وليس بحديث. ويرده أن الأنبياء لا تحتلم وأن رؤياهم حق ووحى والاحتلام أمر باطل من الشيطان.
وفى الحديث:
"يأجوج ومأْجوج أمة عظيمة لا يموت أحدهم حتى يرى من صلبه ألف نسمة وهم اصناف منهم ما طوله عشرون ذراعاً وما طوله ذراع وأقل وأكثر" .
وعن علىّ أن لهم مخالب الطير وأنياب السباع وتداعى الحمام وتسافد البهائم ولهم شعور تقيهم الحر والبرد وإذا مشوا فى الأرض كان أولهم بالشام وآخرهم بخراسان يشربون مياه المشرق إلى بحيرة طبرية ويمنعهم الله عز وجل عن دخول مكة والمدينة وبيت المقدس ويأْكلون كل شئ يمرون به ومن مات منهم أكلوه.
ويقال: إن صنفا منهم له أذنان فهو يلتحف إحدهما ويفترش الأخرى.
"وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل بلغتهم الدعوة؟ فقال صلى الله عليه دعوتُهم ليلة أسرى بى فلم يجيبوا فهم خلق للنار. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا كان يوم القيامة قال الله عز وجل: يا آدم أرسل بعث النار فيقول: يا رب وما بعث النار؟
فيقول الله تعالى: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار وواحد إلى الجنة فاشتد الأمر على المسلمين.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبشروا فإن يأْجوج ومأْجوج وسائر الكفار ألف إلا واحدا والواحد من المسلمين إلى الجنة"
.
وذكر أصحاب التواريخ ان أولاد نوح عليه السلام ثلاثة: سام وحام ويافث فسام أبو العرب والعجم والروم وحام أبو الحبشة والزنج والنوبة ويافث أبو الترك والبربر والخزر والصقالبة ويأْجوج ومأْجوج.
قال ابن عباس: أولاد آدم عشرة أجزاء تسعة يأْجوج ومأْجوج وجزء سائر الناس.
وروى حذيفة مرفوعا عن النبى صلى الله عليه وسلم أن يأجوج ومأجوج أمة كل أمة أربعة آلاف أمة لا يموت الرجل منهم حتى ينظر ألف ذكر من صلبه كلهم قد حملوا السلاح.
قال: هم ثلاثة أصناف كالأرز شجرة بالشام طوله مائة وعشرون ذراعا وصنف منهم طوله وعرضه سواء مائة وعشرون لا تقوم لهم جبل ولا حديد وصف يلتحف أحدهم أذنه ويفترش الأخرى لا يمرون بفيل ولا وحش ولا خنزير إلا أكلوه ومن مات منهم أكلوه.
قال علىّ: منهم من طوله شبر ومنهم من هو مفرط فى الطول.
وقيل: يأجوج من الترك ومأْجوج من الجبل والديلم.
وذكر بعضهم أن الدنيا كلها أربعة وعشرون ألف فرسخ اثنا عشر ألف فرسخ للسودان والهند وثمانية آلاف ليأْجوج ومأْجوج وثلاثة آلاف للروم وألف للعرب.
وذكر بعضهم أن يأْجوج ومأْجوج أخوان شقيقان من ذرية يافث ابن نوح.
وعن كعب: هم ثلاثة أصناف: صنف كالنخل الطوال نساؤهم منهم، وصنف كالأرز، وصنف أربعة أذرع طولا وأربعة عرضا، وصنف يفترشون آذانهم ويلتحفون الآخرى لهم كخراطيم الكلاب.
وقيل: هم مائة ألف أمة لا تشبه أمة أخرى.
وقال قتادة: هم اثنتان وعشرون قبيلة فساد ذو القرنين على إحدى وعشرين قبيلة وكانت قبيلة منهم غازية وهم الأتراك.
وقال الأوزاعى وعطية بن حسان: أمتان كل أمة أربع مائة ألف ا هـ. قال عطية: لا يشبه أحد أحدا ولهم فى أرضهم ما يشتهون من ماء وشجر ونساء ذكره ابن عمر لسائله: ما طعامهم؟ وسأله ذلك السائل: أهم كالبشر؟ فقال: ما أجد أحدا من ولد آدم بأعظم منهم ولا أطول ولا يموت الميت منهم حتى يولد له ألف ولد فصاعدا.
وعن عمرو بن العاص: أن يأجوج ومأجوج ذَرْءُ جهنم ليس فيهم صديق وهم ثلاثة أصناف: على طول الشبر وعلى طول الشبرين وثلث عرضه وطوله سواء.
وعن الأوزاعى: أن الأرض سبعة أجزاء: ستة يأجوج ومأجوج وجزء سائر الخلق.
ويروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"يأجوج أمه لها أربع مائة أمير وكذا مأجوج لا يموت أحدهم حتى ينظر إلى ألف فارس من ولده ليس لله خلق ينمو كنمائهم فى العام الواحد ولا كثر ككثرتهم يتداعون تداعى الحمام ويعوون عوى الذنب ومنهم من له قرنان وذَنَب وأنياب بارزة يأكلون اللحومِ نيئة ويأكلون مشائم نسائهم" .
وحكى أن فيهم طائفة لكل منهم أربعة أَعين: عينان فى رأسه وعينان فى صدره، ومنهم من له رجل واحدة، ومنهم طائفة لا تأكل إلا لحوم الناس ولا تشرب إلا الدماء.
قيل لا خلاف أن يأجوج ومأْجوج بين المشرق والشمال والواضح عندى أنهم فى الشمال بالنسبة إلى قسطنطينية ولكن الجبل المحيط بهم مما يلى المغرب يصل إلى خلف بحر الظلمة الذى فى آخر الأندلس فى شماله وأظنهم عامرى ذلك إلى ما وراء الأندلس والجبل المحيط بهم مما يلى المشرق متصل إلى حدود الصين وأظن ما وراءه معمورا إلى ذلك بهم. فعن مكحول أن المسكون من الأرض مسيرة مائة عام ثمانون منها يأجوج ومأْجوج وعشرة للسودان وعشرة لبقية الأمم وليس وراءهم إلا البحر المحيط.
وقيل: خلفهم ثلاث أمم: نسل وتاويل وتدريس. وعن الزهرى أن هذه الثلاثة من يأْجوج ومأْجوج.
وذكر بعض أن يأْجوج ومأْجوج يُرزقون المن من السحاب فى أيام الربيع فى كل عام فإذا تأَخر عن وقته المعهود استمطروه كما يستسقى الغيث.
وروى أَنه إذا طفت دابة من دواب البحر ألقاها الله إليهم، ولهم نهر لا يعرف له قعر، وإذا تقاتلوا وأسر بعضهم بعضاً طرحوا الأسارى فيه فيرون طيورا تخرج من الكهوف فى جانب الوادى تخطفهم قبل أن يصلوا إلى الماء وتأكلهم فى الكهوف، وأرضهم ذات أشجار ومياه وخصب وثلج وَبَرد على الدوام، وأكثرهم إفساداً قصار القدود الذين لا يجاوزون ثلاثة أشبار الذين وجوههم مستديرة جدا.
{ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً } أجرة نخرجها لك من أموالنا. وقرأ حمزة والكسائى هنا وفى { قد أفلح } خراجا والمعنى عندهما واحد.
والذى حفظت قديماً أن الخراج ما كان للسلطان على رعيته راتباً على الأموال أو نوع منها كالأرض أو على الأنفس ثم رأيت القاضى أشار إليه قولا وأن الخرج بالإسكان مصدر على هذا القول.
{ عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً } يحجزهم عنا وقرأ حمزة والكسائى وابن كثير وأبو عمرو وحفص بفتح السين.