خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قَالَ هَـٰذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّآءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً
٩٨
-الكهف

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ قَالَ هذَا } أى السد أو الإقدار على تسويته. { رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّى } نعمة منه تبارك وتعالى على عباده لأنه حاجز لهم عن عباده الآخرين.
{ فَإذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّى } أى ميقاته الذى وقّته لخروجهم وهو قريب من قيام الساعة جداً. وقيل: وعده قيامها والمراد بمجيئه على هذا قرب قيامها جداً لأنهم يخرجون قبل قيامها.
{ جَعَلَهُ دَكَّاءَ } مصدر بمعنى مفعول مدكوكا أى مبسوطا على الأرض ولك ما انبسط على الأرض بعد ارتفاع فقد اندك.
وقرأ الكوفيون دكاء بالمد والهمزة من غير تنوين فهو وصف أى أرضا مستوية.
وعلى القراءتين فالظاهر أن السد كله يجعل يومئذ دكا لعلهم يفتحون كله أو يفتحون بعضه ويزيد الله الباقى أو المراد يجعله دكا جعل موضع فتحهم دكاء بأن يبقيه كما فتحوه ويزيدوا بقيته من غد يومهم.
{ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّى } أى الوعد المذكور لأنه تكرار معرفة أو وعده مطلقا.
{ حقا } ثابتا يقع لا محالة: وهذا من كلام ذى القرنين ويجوز من كلام سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وقد خوطب بقوله تعالى: { قل سأَتلوا } قال أبو هريرة:
"قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وعقد بيده عقدة التسعين" ومعنى عقدة التسعين أن يجعل طرف السبابة فى وسط الإبهام من باطنها فتدوران كالحلقة.
وروى قتادة عن أَبى رافع عن أبى هريرة مرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
"أن يأجوج ومأجوج يحفرونه كل يوم حتى يكاد يرون شعاع الشمس فيقول الذى عليهم: ارجعوا فستخرقونه غداً فيجدونه غداً قد أعاده الله كما كان حتى إذا بلغت مدتهم قال: ارجعوا فستخرقونه غداً إن شاء الله فيعودون إليه من الغد فيجدونه كما تركوه فيخرقونه فيخرجون إلى الناس فيتبعون المياه فيتحصن الناس منهم فى حصونهم فيرمون بسهامهم إلى السماء فترجع وفيها دم تقطر به فيقولون: قهرنا أهل الأرض وغلبنا أهل السماء فيزدادون قسوة" .
وخرَّج الترمذى أنهم إذا وصلوا جبل بيت المقدس قالوا: لقد قتلنا من فى الأرض فهلم نقتل من فى السماء فيرمون بنشابهم إلى جهة السماء فترجع محمرة دما فيبعث الله عز وجل عليهم نغَفا فى رقابهم فيموتون.
قال: فوالذى نفسى بيده إن دواب الأرض لتسمن وتَشْكَر من لحومهم شكراً. أَخرجه الترمذى. والنغف: دود يكون فى أنوف الإبل والغنم وهو من أضعف خلق الله عز وجل يقهرهم به.
وقيل: يرسل عليهم طيرا كالنبق أو كأذيال الخيل. وشكرت الشاةُ: امتلأ ضرعها لبناً.
والمراد أن دواب الأرض تسمن ويكثر لحمها. روى أنهم يشربون ماء المشرق وبحيرة طبرية ودجلة والفرات فيمر آخرهم فيقول: لقد كان فى هذه الأماكن ماء ويحضر نبى الله عيسى وأصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيرا من مائة دينار لأحدكم اليوم فيرغبون إلى الله تعالى فيرسل على يأجوج ومأجوج النغف فى رقابهم فيصبحون فَرْسَى كموت نفس واحدة ثم يهبط نبى الله عيسى وأصحابه إلى الأرض فلا يجدون موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم فيرغبون إلى الله عز وجل فيرسل طيراً كأعناق البُخْت فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله.
وروى: فى البحر.
وروى الترمذى: فتطرحهم بالمهبل يعنى البحر عند مطلع الشمس وليسوا يشربون ماء البحر المالح.
ثم يرسل الله تعالى مطرا لا يكن منه بيت يغسل الأرض كالزلقة ثم يقال للأرض: إيتى رزقك وردى بركتك فيومئذ يأكل العصبة من الرمانة ويستظلون بقشرها وتكون البركة حتى إن اللَّقِحة من الإبل لتكفى القبيلة واللقِحة من البر لتكفى ما دون القبيلة واللَّقِحة من الغنم لتكفى الفخذ من الناس فبينما هم كذلك أن بعث الله ريحاً طيبة فتأخذهم تحت آباطهم ويقبض الله تعالى روح كل مؤمن وكل مسلم ويبقى شرار الناس يتهارجون فيها تهارج الحُمُر فعليهم تقوم الساعة. قال كعب: إذا خرجوا فر الناس منهم فى البرية والجبال.
وروى
"أن المسلمين يبعثون جيشاً ينظرون حال يأجوج ومأجود وهم موتى حينئذ فلا يصلون إليهم ولا يرجعون إلى أصحابهم حتى يبعث الله إليهم ريحاً طيبة يمانية من تحت العرش فتقبض روح كل مؤمن.
قال صلى الله عليه وسلم: ثم لا أجد مثل الساعة إلا كرجل أنتج مُهراً فهو ينظر متى يركبه قيل: هم قبيلتان لا تنحصران ولا تتركان قطرة ماء إذا خرجتا إلا شربتاه ولا خضراء إلا قلعتاها يمر أوائلهم على بحيرة طبرية ويشربون ماءها ويأتى مَن بَعْدَهم فيقولون: كان هنا ماء فيلحسون الطين الذى بقى يتسافدون على الطرقات كالحمير وينزل جبريل على عيسى بن مريم عليه السلام ويقول له: أحرز عبادى"
.
وفى رواية: "حرِّز" .
وفى رواية: "حوِّز إلى جبل الطور فإنى قد أخرجت عبادا لا يطيق أحد قتالهم ولم يكن معه فى ذلك الوقت من المؤمنين إلا اثنا عشر أماً وأربعة آلاف امرأة ثمانة آلاف رجل فينحاز بهم إلى جبل الطور ويرسل الله عز وجل عليهم طيرا كالنبق أو كأذيال الخيل فتدخل تحت آباطهم وخلف آذانهم ويهلكون بها ويمكث المسلمون يطبخون من قسيهم ورماحهم سبع سنين" .
وعن أبى سعيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَيُحَجَّنّ البيت وليعتمرنّ بعد خروج يأجوج ومأجوج" رواه البخارى.
وذكره الشيخ هود بلا ذكر لرواية: ولا يدخل مكة والمدينة وبيت المقدس يأجوج ومأجوج والدجال.
وذكر بعضهم أنهم يمكثون فى الأرض سبع سنين وأن أول مقدمتهم بالشام وساقتهم ببلخ.
وأن فى التوراة أنهم يخرجون أيام المسيح ويقولون: بنو إسرائيل أصحاب أموال وأوانٍ كثيرة فينهبون نصفهم فيرسل الله عليهم صيحة فيموتون فيستغنى بنو إسرائيل بروثهم عن الحطب سبع سنين كذا قيل وفيه أن روثهم حرام فإنما ينتفع به الفسقة وإذا قتلهم الله أيقنت الأرض بوَدكهم ولحومهم وشحومهم.
وذكر القرطبى عن كعب أن الله سبحانه وتعالى يرسل السماء أربعين يوما فتنبت الأرض حتى إن الرمانة لتشبع السكن.
قيل لكعب: ما السكن؟
قال: أهل البيت.
وأخرج ابن ماجة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله عز وجل يبعث عليهم دواب كنغف الجراد فتأخذ بأعناقهم فيموتون موت الجراد يركب بعضهم بعضا فيصبح المسلمون لا يسمعون لهم حسا فيقولون: مَن رجلٌ يشترى نفسه وينظر ما فعلوا فينزل إليهم رجل قد وطن نفسه على أن يقتلوه فيجدهم موتى فينادى: ألا أبشروا فقد هلك عدوكم.
فيخرج الناس ويخلون سبيل مواشيهم فما يكون لها رَعىٌ إلا لحومُهم وتَشْكر عليها كأحسن ما شكرت من نبات أصابته قط.
وأخرج ابن ماجة وأبو بكر بن أبى شيبة - واللفظ لابن ماجة - عن ابن مسعود رضى الله عنه قال: لما كانت ليلة أُسْرِىَ برسول الله صلى الله عليه وسلم لقى إبراهيمَ وموسى وعيسى عليهم السلام فتذاكروا الساعة فبدأوا بإبراهيم فسألوه عنها فلم يكن عنده منها علم ثم سألوا موسى فلم يكن عنده منها علم فردوا الحديث إلى عيسى قال: قد عُهد إلىَّ فيما دون وجْبتها وأما وجبتها فلا يعلمها إلا الله فذكر خروج الدجال قال: فأنزل فأَقتله فيرجع الناس إلى بلادهم فيستقبلهم يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون فلا يمرون بماء إلا شربوه ولا شئ إلا أفسدوه فيجأرون إلى الله فأدعو الله أن يميتهم فتنتن الأرض من ريحهم فيجأرون إلى الله فأدعو الله فيرسل السماء بالماء فتحملهم فتلقيهم فى البحر ثم تُنسف الجبال وتُمد الأرض مد الأديم فُعهِد إلىّ إذا كان كذلك انت الساعة كالحمل لا يدرى أهلها متى تَفْجؤُهم بولادتها.
وقال ابن أبى شيبة: ليلا أو نهارا.
قال العوام: ورجه تصديق ذلك فى كتاب الله تعالى:
{ حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون } أراد ابن أبى شيبة: { واقترب الوعد الحق } ا هـ ويأكلون الحيات والعقارب وكل ذى روح.