خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ وٱتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ خَيْرٌ لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ
١٠٣
-البقرة

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وَلَوْ اَنَّهُمْ آمَنُوا }: أى ولو ثبت أن اليهود آمنوا برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ والقرآن.
{ وَاتَّقَوْا }: أى تركوا المعاصى من السحر واليهودية المحرمة وغيرهما تركا شبيها بترك ما يهرب منه خوفا من إهلاكه، وإنما قلت هذا لما تقرر عندى أن المتقى هو من يترك المعصية كما يترك السم خائفا منه مقشعرا منه. فدرجة التقوى عندى فوق درجة ترك المعصية، لأنها قد تترك لا بهذه الكيفية.
{ لَمَثُوبَةٌ }: ثواب، وقرئ لمثوبة بإسكان الثاء وفتح الواو كما يقال مشورة بضم الميم وإسكان الواو، ومشورة بإسكانها وفتح الباء وذلك الثواب الجنة.
{ مِّنْ عِنْدِ اللهِ خَيْرٌ }: مثوبة مبتدأ، واللام مبتدأ وخبر خبره، والجملة جواب لو بناء على أنه يجوز أن يكون جملة اسمية، قال ابن هشام: قيل وقد يكون جملة اسمية مقروناً بالفاء أو باللام، كقوله سبحانهُ: { ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير } وقيل هو جواب لقسم مقدر. وقول الشاعر:

قالت سلامة لم يكن لك عادة أن تترك الأعداء حتى تعزرا
لو كان قتلى يا سلام فراحة لكن فررت مخالفة أن أوسرا

وعلى أن الجواب هو الجملة الاسمية، فهى منقولة من الجملة الفعلية، لتدل على ثبوت المثوبة وتجعل خيرية ركنا فى الإسناد، فتكون أكيدة والأصل لا يثبوا مثوبة من عند الله خير، فجعل مثوبة مبتدأ بعد أن كان مفعولا به وخيراً خبره بعد أن كان نعتا لمثوبة. وإذ قلنا إن الجواب محذوف وهو الصحيح فتقديره لأثيبوا بالجنة وتكون اللام فى لمثوبة لام الابتداء عندى لا كما قيل إنها فى جواب قسم محذوف، أى والله لمثوبة لعدم الدليل على القسم، ونكرت المثوبة وأبهمت مع أنها الجنة للتعظيم والتفخيم، ولو قيل للمثوبة أو لمثوبة الله لكان الكلام غير دال على ذلك،
ويجوز أن يكون التنكير للتبعيض، أى لشئ من الثواب خير، وحذفت من التفضيلية ومجرورها صوناً لمثوبة الله من أن يذكر معها فى مقام المقابلة والنسبة بأن التفاضل السحر أو نحوه فإن التقدير لمثوبة من عند الله خير من السحر، أو مما شروا به أنفسهم، وإنما ساغ التفضيل لأن السحر فيه منفعة لهم فى زعمهم، فأخبر أن منفعة الإيمان والتقوى أفضل منها، فلا تحتاج إلى ما قيل إن خيرا خارج عن التفضيل أو كلمة بمعنى شئ مرغوب فيه، ومن عند الله نعت مثوبة، وسمى الجزاء ثوابا لأن المحسن يثوب إليه أى يرجع إليه، فإن لفظ ثاب بمثلثة يكون بمعنى رجع، كما يكون تاب بمثناة بمعنى رجع، ويجوز أن تكون أو للتمنى إما مصروفا إلى الخلق بمعنى أن ينظر لهم الصلاح يتنمى لهم أن يؤمنوا ويتقوا، أو أنهم لو عقلوا لتمنوا أن لم يصدر منهم الكفر، أو أنهم يتمنون ذلك إذا عاينوا الموت أو فى يوم القيامة، وإما مجازاً عن اختيار الله ـ عز وجل ـ لهم الإيمان والاتقاء. ولو التى للتمنى لا جواب لها، فاللام بعدها للابتداء.
{ لَو كّانُوا يَعْلَمُونَ }: أن ثواب الله خير، وجواب لو هذه محذوف أى لو كانوا يعلمون لمثوبة من عند الله خير عندهم أو لظهر لهم أنها خير، ويجوز كونها للتمنى لا جواب لها، وعلى كل حال فهى نافية للعلم عنهم، إما على الشرطية فلأن الامتناع نفى وإما على التمنية فلأن تمنى الشئ فرع عدمه، فهم جاهلون لترك التدبر، أو لترك العمل فإن من تركه جاهل ولو كان عالما، ويجوز أن يراد لو كانوا يعلمون علما نافعا وكذا فى مثله.