خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ
١٠٧
-البقرة

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ ألَمْ تَعْلَمْ }: الخطاب لكل من يصلح لأن يعلم، كما تدل له صيغة الجماعة فى قوله: { وما لكم من دون الله... } إلخ والنبى صلى الله عليه وسلم داخل فى الخطابين غير داخل فى الخطاب الثالث الذى هو قوله: { أم تريدون } وما بعده. ويحتمل أن يكون الخطاب فى قوله: { ألم تعلم } للنبى صلى الله عليه وسلم لفظاً. والمراد هو وأمته بدليل صيغة الجماعة، بعد. ولكنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ خص به لفظا لأنهُ أعلمهم، ومنشئ علمه، ويجوز أن يكون الخطاب فى { ألم تعلم } له وحده، صلى الله عليه وسلم ـ وفى { وما لكم } لأمته، أو له ولها، وكذا الوجوه فى قوله: { ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير } والاستفهام فيها للتقرير أو التوبيخ، وجعل ابن هشام الخطاب لمنكر النسخ، قال اعتذر عن الزمخشرى فى جعله الاستفهام للتقرير بأن مراده التقرير بما عدا النفى، لا التقرير بالنفى، والأولى أن تحمل الآية على الإنكار التوبيخى أو الإبطالى، أى ألم تعلم أيها المنكرِ للنسخ؟ انتهى.
{ أنّ اللهَ له مُلْكُ السَّمٰواتِ والأرْضِ }: فله التصرف فيهن، وفى كل ما فيهن بما يشاء من زيادة ونقص وتبديل، وأمر ونهى ونسخ. وأحكام وإرسال من يشاء من بنى آدم والملائكة، وإنزال ما يشاء. ففى ذلك رد على اليهود فى إنكار النسخ، والقرآن والإنجيل ومحمد وعيسى ـ صلى الله عليهما وسلم ـ يقال لزيد ملك هذا الدار، إذا ملكها وملك ما فيها، وحقيق على من علم أن مولاه قادر على كل شئ قدير، وأن له ملك السماوات والأرض أن يقطع رجاء عن غيره تعالى، وإن كل ما يأتيه على يد مخلوق فرسالة من الله المالك إليه.
وإن قلت: هل يتصف الله بالقدرة على الصفات الفعلية والذاتية والمحال؟ قلت: يتصف بالقدرة على الصفات الفعلية بلا إشكال، ويتصف بالقدرة على الصفات الذاتية على معنى اتصافه بوجودها بلا أول ولا نهاية، لا على معنى فقدها والقدرة على إيجادها لمنافاة ذلك قدمها، ولا يتصف بالقدرة على المحال فى حقه، لأن اتصافه بها يستلزم جوازه فى حقه تعالى، ولأن لفظ شئ لا يشمل المحال وهو يقول:
{ { والله على كل شئ قدير } ويدل كونه مالك السماوات والأرض على كونه قديراً على كل شئ، ولذا لم يعطف هذه الجملة على الجملة قبلها.
{ وَمَا لَكُم مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِىٍّ ولا نَصِيرٍ }: الخطاب للأمة مؤمنها وكافرها أو معه، صلى الله عليه وسلم، بمعنى أن وجه الله إليكم العقاب لم يكن لكم عنه ولى ولا نصير تجدونه غير الله الذى وجهه إليكم، وليس هذا أعظم من قوله عز وعلا:
{ { لئن أشركت ليحبطن عملك } أو للكفار وحدهم، بمعنى أنهُ لاولى لهم ولا نصير ينجيهم من العقاب إذا وجهه إليهم أو للمؤمنين، أو معه ـ صلى الله عليه وسلم ـ بمعنى أنه تعالى هو الذى يملك أموركم ويجريها على مصالحكم من تقويه ونصر على أعدائكم وغيرها، ومعنى الولى الذى يلى الإنسان لقربه إليهِ بالنسب، أو لكونه صديقاً له، وقيل الولى هو القيم بالأمور وهو والى البلدة ونحوها، وقيل الولى قريب النسب، ومعنى النصير الذى يمنع من المضرة، فبين الولى والنصير عموم من وجه وخصوص من وجه،فإن الولى قد يضعف عن النصر وقد ينصر سواءً بمعنى قريب النسب أو الصديق، فهذا عمومه ولا يكون إلا قريباً أو صديقاً، والولاء لحمة كلحمة النسب، أى قرابة النسب وهذا خصوصه، والنصر يكون قريباً أو صديقاً أو أجنبياً غير صديق لا ذا ولاء، وهذا عمومه ولا يكون إلا ناصراً سواء تأثر نضره أو لم يتأثر، وهذا خصوصه.