خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ
١٤٧
-البقرة

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ الحقُّ مِنْ ربِّك }: مبتدأ وخبره جملة مستأنفة، وأل فيه للحقيقة أو للجنس، أى أن الحق ثابت من ربك، أو آت من ربك، مثل ما أوحى إليك وإلى الأنبياء قبلك، فما لم يكن من ربك ليس حقا كالذى عليه اليهود والنصارى من الباطل، ويجوز أن تكون أل للعهد، فيكون الحق هو المذكور وقوله: { يكْتُمون الحقَّ } أى أن أمر الرسول من ربك ولو جحدوه وكتموه أو الحق الذى كتموه، الذى هو الحق مطلقا، لأنهم قد كتموا حقوقا أخر فى شأن غيره، صلى الله عليه وسلم، ويجوز أن يكون الحق خبراً لمحذوف، أى هو الحقن ومن ربك خبر ثان أو حال من الحق، وقرأ على بنصب الحق فيكونا مفعولين أو لا ليعلمون، ومن ربك مفعول ثان أو الحق مفعول ليعلمون، ومن ربك حال من الحق، على أن العلم بمعنى العرفان، أو الحق مفعول ثان، ومن ربك حال منه، والأول محذوف، أى يعلمونه الحق، أو مفعولان محذوفان كما مر، أو يقدر له مفعول واحد بمعنى العرفان، والحق بدل من الحق، أو مفعول لازم، وأل فى هذه الأوجه للحقيقة أو للجنس أو للعهد كذلك، وإذا كانت أل للعهد فهو من وضع الظاهر موضع المضمر ولا سيما إذا جعلناه مفعولا ليعلمونه.
{ فَلاَ تَكونَنَّ منَ الممْتَرِينَ }: خطاب لهُ، صلى الله عليه وسلم، لفظا، والمراد أمه لأنه، صلى الله عليه وسلم، لا يتوقع منه الامتراء، وتقدم الكلام فى مثل هذا، وعلى كل حال فليس الامتراء بالاختيار، بل هو ضرورى، ولكن نهى عنه لفظا، والمراد الكناية عن أن أمرك يا محمد متحقق لا يشوبه شك، فجملة لا تكون من الممترين طلب لفظا ووضعا، واستعملت مجازاً فى الإخبار عن تحقق الأمر، أو فى الأمة باكتساب المعارف المبطلة للشك، فإن اكتسابها سبب لعدم الكون من الممترين، أو فى النهى عن فعل ما هو من أفعال الممترين، وهذه المجازات أبلغ من الحقيقة التى هى قولك إن أمرك يا محمد متحقق، أو اكتسبوا المعارف أو لا تفعلوا بمقتضى الجهل، لأن المعنى إن لم تحققوا الأمر، أو إن لم تكتسبوا المعارف، أو فعلتم ما خالف الحق، فأنتم من الممترين، فإن هذا زجر عن ذلك بإيقاعه فى جملة الممترين، وما يوقع الزجر به مخوف، ولأن النهى عن الكون على الامتراء أبلغ من النهى عن نفس الامتراء، مثل قولك لا تمتر، لأن النهى عن الكون على صفة يدل على عموم الأكوان المستقبلة بالنص، والنهى عن نفس الصفة يدل على عموم الأكوان المستقبلة بالالتزام، ودلالة النص أظهر، والممترى الشاك، فالمعنى لا تكونن من الشاكين فى أن الحق مطلقا، أو الحق الذى أنت عليه هو من ربك، أو لا تكونن من الشاكين فى كتمانهم الحق، أو فى رسالتك، وسمى الجدال مراء لأن كلا يوقع الآخر فى الشك، أو يشك فى قول الآخر، أو لأن كلا يجمع ما عند الآخر.