خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلْخَوْفِ وَٱلْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ ٱلأَمَوَالِ وَٱلأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ ٱلصَّابِرِينَ
١٥٥
-البقرة

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ ولَنبلونَّكُم }: أى والله لنوقعنكم فى البلاء إيقاعاً مثل إيقاع الإنسان أحداً فى شئ مكروه، ليعلم كيف حاله فى ذلك الشئ، ووجه الشبه ظهور حاله خارجاً بذلك الإيقاع، ولو اختلفنا بأن الله، عز وجل، لا يخفى عنه شئ قبل وجوده، فهو عليم بكل شئ بلا أول، فبإيقاع الله الإنسان فى البلاء يظهر فى الخارج صبره واستسلامه للقضاء، وعدهما ومن كان يعصى عند البلاء تحرجا وضيقا به فهو غير صابر ولا مستسلم.
{ بِشَئ }: التنكير للتحقير، أى بشئ قليل هين، بالنسبة لأن كل ما أصاب الإنسان من الأمور العظام الغلاظ فهى هيئة بالنسبة إلى ما كفى الله عنه مما هو أعظم، وقليلة بالنسبة إلى الأمور الكثيرة التى لا تحصى، وقد كفاها الله عنه، فكل ما أصابه فهو قليل هين بالنسبة إلى عذاب الآخرة الذى يصيب الكافر، وبالنسبة إلى ما أعده الله الرحمن الرحيم له عليه من الثواب، وقليل هين بالنسبة إلى سلامة دينه، ففى التعبير بما يدل على التحقير تخفيف عليهم، ودعاء لهم إلى الصبر، إيذان بأن رحمته لم تفارقهم إذ لم يصبهم بما هو أعظم، وإنما أخبرهم بأنه يبلوهم ليوطنوا أنفسهم على الصبر فيصبروا إذا وقع البلاء، وليدوموا على التضرع والابتهال، لعلمهم بأنهُ سيقع فإن الإنسان فى البلاء أشد إخلاصا وتضرعا، وليكون ذلك إخبار بالغيب إذا وقع على حالة مخصوصة على لسانه، صلى الله عليه وسلم، كان معجزة، وليكون علامة تمييز المؤمن بالصبر من المنافق، وفائدة الابتلاء الثواب، وأن الكفار إذا شاهدوا صبر المؤمنين مع بقائهم على دينهم علموا صحة دينهم فيدعوهم ذلك إلى الدخول فيه، والمراد بشئ قليل من كل واحد من هذه الأشياء المذكورة بعد، ولو قال بأشياء لتوهم أن المراد أصناف من الخوف، وأصناف من الجوع وهكذا.
{ مِنَ الخَوْف }: للعدو المشرك والمنافق. قال ابن عباس يعنى خوف العدو، وذلك يشمل خوف الحرب وغيرها، وفسره بعض بخوف العدو فى الحرب، وقال الشافعى الخوف خوف الله، والخوف توقع مكروه يحصل منه ألم فى القلب، وقد يعدو إلى الظاهر بالاصفرار بأن ينقبض الدم داخلا.
{ والجُوعِ }: هو حال تحصل من خلو المعدة مما يغذى. وهى موجعة، وقيل هو فراغ الجسم عما به قوامه، وقيل الألم الذى ينال الحيوان من خلو المعدة عن الطعام، فهو عن الأول والثالث وجودى، وعلى الثانى عدمى، والمراد مطلق الجوع سوى القحط أو غيره، وقيل المراد الجوع للقحط، وقال الشافعى: الجوع جوع صوم رمضان.
{ ونَقْصٍ مِنَ الأَموال }: العروض والأصول والحيوان والنقد بالحوائج والمصائب، بإذهاب الشئ كلهِ أو بإزالة قوته ونفعه، أو بعض النفع، أو بعض القوة كموت الحيوان وعدم الدور وموت النخل والشجر وقطعها، والسرقة لما يسرق، والغصب ووضع الخراج ونحو ذلك، كالخسارة فى البيع والشراء، وركوب الدين، فيباع ما ملك، وقال الشافعى: نقص من الأموال إخراج الزكاة والصدقات، ولا ينافيهِ حديث:
"ما نقص مال من صدقة" لأن المراد عنده فى الآية النقص الحسى بإذهاب جزء للزكاة أو للصدقة. وفى الحديث: إنما أخرج زكاة يعود فى المال بالبركة والخلف، وذكروا عن ابن مسعود أن الخوف والجوع ونقص الأمول هو فى زمان الدجال، ذكروا الدجال فقال: كيف أنتم والقوم آمنون وأنتم خائفون، والقوم شباع وأنتم جياع، والقوم رووا وأنتم عطاش، والقوم فى الظل وأنتم فى الشمس. وعن رجاء بن حيوة: نقص الأموال والثمرات ما يأتى على الناس فى زمان، سيأتى على الناس زمان لا تحمل النخلة إلا ثمرة واحدة. ونقص معطوف على الخوف، أى وشئ من نقص من الأموال، ويجوز عطفه على شئ، أى وينقص من الأموال، فيكون الكلام فى نقص مثله فى شئ، أى وينقص قليل هين.
{ والأنْفُسِ }: بالموت والأمواض والقتل، وقال الشافعى: بالأمراض
{ والثّمراتِ }: بأن تغل من أول مرة أو تكثر أو تفسد وتنقص. وقال الشافعى: الثمرات الأولاد، ونقصها موتها. روى البخارى وغيره عن أبى موسى الأشعرى، عنه صلى الله عليه وسلم:
"إذا مات ولد العبد قال الله تعالى للملائكة: أقبضتم ولد عبدى؟ فيقولون: نعم. فيقول: قبضتم ثمرة قلبه؟ فيقولون: نعم. فيقول الله تبارك وتعالى: ماذا قال عبدى؟ فيقولون: حمدك واسترجع. فيقول الله: ابنوا لعبدى بيتاً فى الجنة وسموه بيت الحمد" . قال الترمذى: حديث حسن.
{ وبشِّر الصابرين }: أى وبشر يا محمد، أو يا من يتأتى منه التبشير الذين صبروا عند البلاء بالثواب العظيم الذى هو الجنة ورضا الله سبحانه وتعالى والجملة مستأنفة أو معطوفة على لنبلونكم عطف المضمون على المضمون، أى الابتلاء حاصل لكم، وكذا البشارة، لكن لمن صبر.