خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَقَالَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ ٱللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ ٱلنَّارِ
١٦٧
-البقرة

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وقالَ الَّذِينَ اتَّبعُوا }: أى اتبعوا الرؤساء أو الشياطين.
{ لوْ أنَّ لَنا كَرَّةً }: رجعة إلى الدنيا.
{ فَنَتَبرَّأ منهم }: أى من الرؤساء أو الشياطين فى الدنيا.
{ كما تبرَّءوا منَّا }: اليوم، وقرأ مجاهد: وقال الذين اتبعوا بالبناء للمفعول، وهم الشياطين، أو الرؤساء، ومنهم من الأتباع وذلك لإقراء إذ تبرأ الذين اتبعوا بالبناء للفاعل من الذين اتبعوا بالبناء للمفعول، ولو للتمنى بدليل نصب المضارع فى جوابه بعد فاء السببية، وهو نتبرأ. قال ابن هشام المصرى وهو الذى أكثر ذكره: اختلف فى لو هذه، فقال ابن الصائغ وابن هشام يعنى ابن هشام الأندلسى الخضراوى: هى قسم برأسها لا تحتاج إلى جواب كجواب الشرط، لكن يؤتى لها بجواب منصوب كجواب ليت. وقال بعضهم: هى لو الشرطية أشربت معنى التمنى بدليل أنهم جمعوا لها بين جوابين، جواب منصوب بعد الفاء، وجواب بعد اللام كقوله:

فلو نبش المقابر عن كليب فيخبر بالذنائب أى زير
بيوم الشعتمين لقر عينا فكيف لقاء من تحت القبور

وقال ابن مالك: هى لو المصدرية أغنت عن فعل التمنى، وذلك أنه أورد قول الزمخشرى، وقد تجئ فى معنى التمنى نحو: لو تأتينى فتحدثنى، فقال إن أراد أن الأصل وددت لو تأتينى، فحذف فعل التمنى لدلالة لو عليه، فأشبهت البيت فى الإشعار بمعنى التمنى، فكان لها جواب كجوابها فصحيح، أو أنها حرف وضع للتمنى كليت فممنوع لاستلزامه منع الجمع بينهما وبين فعل التمنى، كما لا يجمع بينهما وبين ليت. انتهى كلام ابن هشام.
قال: ولا دليل فى نصب المضارع بعدها لإمكان أن يعطف مصدره على الإسم الخالص قبله، كقوله تعالى:
{ { إلاَّ وَحْياً أو من وراءِ حجابٍ أو يُرْسِل } }. وقول ميسون بنت بجدل الكلبية:

للبس عباءة وتقر عينى أحب إلى من لبس الشفوف

انتهى.
فإذا كانت شرطية محضة والنصب بالعطف على الإسلام الخالص، أو شرطية مشربة معنى التمنى، والنصب فى جواب هذا التمنى، فالجواب الشرطى محذوف، أى لفزنا أو لأخذنا بثأرنا، وكلام ابن هشام فى قوله:
{ { فلو أنَّ لنا كرَّةً فَنكونَ } لكن الإتيان فى حكم واحد، ومعنى تمنيهم الكرَّة إلى الدنيا وتبرئهم منهم تمنيهم أن يعودوا إليها، فيؤمنوا بالله فيعبدوه ويتركوا خصماءهم فى شرك، ولا يتبعوهم فيهِ فيتخلصوا من عذابهم وشناعتهم، وما بعد لو فاعل لمحذوف أى ولو ثبت أن لنا كرَّة.
{ كذلكَ يُريهمُ اللهَ أعْمالَهم حَسَرات عَليْهم }: أى يريهم الله أعمالهم السيئة ندامات عليهم، كما أراهم شدة عذابه، وتبرء بعضهم من بعض: ويرى مضارع أرى الرباعى بالهمزة المتعدى لثلاثة: الأول الهاء، والثانى أعمال، والثالث حسرات، إن كانت الإرادة علمية، وإن كانت بصرية تعدت لاثنين بالهمزة، وحسرات حال من أعمال، ومثل ابن هشام بالآية لما ينصب ثلاثة مفاعيل، وكذا قال الزمخشرى. قال ابن هشام فى حواشى الألفية: هذا قول المعتزلة أن الأعمال لا تجسم فلا تدرك بحاسة البصر. وأما أهل السنة فيعتقدون أن الأعمال تجسم وتوزن حقيقة، فيرى على هذا بصرية، وحسرات حال، والمعتزلة يقولون علمية، وحسرات مفعول ثالث، والذى أجازوه ممكن عندنا، فإنهم إذا أبصروها حسرات فقد علموها كذلك، والذى نقوله نحن ممتنع عندهم. انتهى كلام ابن هشام.
والذى نقوله نحن معشر الإباضية الوهبية: أنها لا تجسم، وأن وزنها تعريف عامليها مقدار جزائها، فهى علمية لا بصرية، ويجوز كونها بصرية مجازاً شبه العِلم بالشئ برؤيته. والحسرة الندامة والغم على ما فات، ووجه تسمية ذلك حسرة أنهم انحسر عنهم الجهل الذى حملهم على تلك الأعمال والأغراض الحاملة لهم، أو ذهب قوتهم، وانحسار الشئ زواله عن موضعه، فأيقنوا بالهلاك إذا رأوا هلاكهم بها، وقال ابن مسعود: يريهم ما تركوا من الحسنات، فيندمون على تضييعها، وقيل تظهر لهم منازلهم فى الجنة، فيقال لهم: تلك مساكنكم لو آمنتم بالله وأطعتموه، ثم نقسم بين المؤمنين فحينئذ يشتد ندمهم لفوت ذلك النعيم وتعويض العذاب الدائم الأليم.
{ وما هُم بخارِجينَ منَ النَّارِ }: الأصل وما يخرجون بالجملة الفعلية عطفاً على يريهم بضم راء يخرجون، وعدل عن ذلك إلى الجملة الإسمية للمبالغة فى الخلود، والإياس من الخروج ومن الكرَّة إلى الدنيا.