خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَسْتَحْى أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ ٱلْفَٰسِقِينَ
٢٦
-البقرة

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحِى }: لما نزلت تشبيه حال المنافقين المستوقدين، وأصحاب الصيب، وتشبيه عبادة الأصنام فى الوهن والضعف ببيت العنكبوت، وجعلها أقل من الذباب وأخس قدراً منه. قالت اليهود والمنافقون من نحا نحوهم من كفار قريش: الله أعلى وأجل من أن يضرب الأمثال، ويذكر الذباب والعنكبوت، فنزلت الآية. ومن علم من اليهود أن ضرب المثل بذلك ونحوه حق، وأنه أظهر فى الأفهام، وأن مثله فى التوراة، فإنما قيل ذلك عنادا. روى أن اليهود قالت: ما أراد الله بذكر هذه الأشياء الخسيسة؟ وعن الحسن وقتادة: لما ذكر الله الذباب والعنكبوت فى كتابه، وضرب للمشركين به المثل، ضحكت اليهود وقالوا: ما يشبه هذا كلام الله، فنزلت الآية. وقيل: قال المشركون إنا إنا لا نعبد إلهاً يذكر هذه الأشياء. وكل من ذلك يصدق عليه قوله تعالى: { ماذا أراد الله بهذا مثلا }؟ لأن هذا استفهام إنكار، أنكروا: أن يريد الله تمثيلا بذلك، وليسوا منكرين أن الله موجود، ولا مقرين أن الله نزله، ولكن كنوا بذلك عن تكذيبه - صلى الله عليه وسلم - فى قوله إن ذلك من الله عز وعلا كأنهم قالوا لو كان ما تتلوا علينا من الله، لما كان فيه ذكر تلك الأشياء. وكذلك أنكروا أن يذكر الله النحلة والنملة. والاستحياء استفعال من الحياء، والحياء فى شأن المخلوق انقباض النفس عن القبيح مخافة الذم، وهو بين الوقاحة التى هى الجراءة على القبائح وعدم المبالاة، وبين الخجل الذى هو انحصار النفس عن الفعل مطلقاً، وهو مأخوذ من الحياة، فإن الإنسان إذا كان فيه حياء شبيه بمن ضعفت حياته، لأن الحياء انكسار يعترى القوة الحيوانية، فيردها عن أفعالها، كما قيل نسى: أى اعتل عرق النساء فيه، وحشى أى اعتل بطنه. فكذلك يقال: حيى، أى ضعفت قوة حياته، والسين والتاء والهمزة، مبالغة وهى راجعة إلى النفى أى انتفا انتفاء بليغاً عن الله أن يوصف بالحياء عن ضرب المثل بنحو البعوضة، والحياء فى حل الله هو ترك الشىء إطلاقاً للملزوم على اللازم، فإنه يلزم من حياء المخلوق من فعل الشىء أن يتركه، وقد استعمل كذلك إطلاقاً على لازمه فى قول المتنبى أبى الطيب من قصيدة بمدح بها أبا الفضل محمد بن الحسين بن العميد يصف نوقا:

إذا ما استحين الماء يعرض نفسه كرعن بسبت فى إناء من الورد

والنون فى استحين للنوق يقال استحيت بياء واستحييت بياءين، وقد قرأ ابن كثير فى رواية شبل: يستحى بياء واحدة ساكنة سكوناً ميتاً بعد الحاء المكسورة، والاسم مستح كمهتد بحذف الياء. ومن قال يستحيى بياءين قال فى الاسم مستحى كمهتدى أيضاً بحذف الثانية، والمعنى: إذا ما تركن ورد الماء، ويعرض نفسه حال من الماء، وكرعن جواب إذا، والكرع الشرب بالفم من محل الماء، أو يعرض جواب إذا وكرعن، بدل يعرض، أى كرعن فيه، وهو بدل اشتمال، فإن إعراضه نفسه متضمن لأن يكرعن فيه، والسبت جلد البقر المدبوغ بالقرظ، وإناء الورد موضع ماء المطر المحفوف بالأزهار، شبه بإناء الورد، كما شبه مشافر الإبل بالجلد المذكور، فإطلاق لفظ الملزوم على اللازم مجاز مرسل. ويجوز أن يكون يستحين مجازا بالاستعارة، بأن يكون شبه حالهن التى خيل فيها بعض النفور، ويحال من يستحيى فيترك، وإن قلت: الاستحياء منفى عن الله فى الآية، فلا مانع من تفسيره بحياء المخلوق، لأنه فى الآية منفى، كما تنفى عنه صفات المخلوق، فلا حاجة لتأويله بالترك؟ قلت: قد قيل ذلك لكنه لا يصح، لأنه لم ينف فى الآية نفياً مطلقا بل نفياً منصبا على القيد، وهو كون المثل نحو بعوضة، فلو فسر بحياء المخلوق ونفى لتوهم أنه يستحيى حياء الملخوق فى غير ذلك المثل، أو توهم مكان حياء المخلوق فيه، كما لو قيل لا يأخذ الله نوم فى هذه الليلة لتوهم أن النوم جائز عليه فى الجملة، وأنه نائم فى غير هذه الليلة، تعالى عن ذلك وعن كل نقص. وقد وصف الله تعالى بالحياء على التأويل المذكور فى قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله حى كريم يستحى إذا رفع العبد يديه إليه إن يردهما صفرا حتى يضع فيهما خيراً" رواه أبو داود والترمذى وحسنه، وعنه صلى الله عليه وسلم: "إن الله يستحى من ذى الشيبة المسلم أن يعذبه" رواه البيهقى وغيره. واعلم أن الحياء فى المخلوق يزداد بحياة القلب، فكلما كان القلب حيا كان الحياء أتم، وتعريفه السابق تعريف لغوى. وإن شئت فقل هو تغيير، وانكسار يعترى الإنسان من خوف ما يعاب به، وأما تعريفه الشرعى فهو أن يقال: خلق يبعث على اجتناب القبيح، ويمنع عن التقصير فى حق ذى الحق. قال ذو النون: الحياء وجود الهيبة فى القلب، مع وحشة ما يسبق منك إلى ربك، والحب ينطق، والحياء يسكت، والخوف يقلق. قال يحيى بن معاذرحمه الله : من استحيى من الله مطيعاً استحى الله منه وهو مذنب، أى من غلب عليه خلق الحياء من الله، حتى فى حال طاعته، فقلبه مطرق بين يديه إطراق مستح خجل، فإنه إذا وقع منه ذنب استحى الله من نظره إليه فى تلك الحال بكرامته عليه، فيستحى أن يرى من وليه ما يشينه عنده، فإن الرجل إذا اطلع على أحب الناس إليه وأخصهم به، كولد فى خيانته إياه، فإنه يلحقه من ذلك الاطلاع حياء عجيب. حتى كأنه هو الجانى، وهذا غاية الكرم.
ومن أقسام الحياء: حياء الكرم كحيائه - صلى الله عليه وسلم - من القوم الذين دعاهم إلى وليمة زينب، وطولوا عنده المقام، واستحى أن يقول لهم: انصرفوا. وحياء المحب من محبوبه، حتى إذا خطر قلبه فى حال غيبته هاج الحياء من قلبه، وأحس به فى وجهه، فلا يدرى ما سببه، وحياء المعبودية وهو حياء يمتزج بين محبة وخوف، ومشاهدة عدم صلاح عبوديته لعبوده وإن قدره أعلى وأجل منها، فعبوديته له توجب استحياءه منه لا محالة، حياء المرء من نفسه وهو حياء النفوس الشريفة الرفيعة من رضاها لنفسها بالنقص وقد قنعها بالدون فيجد نفسه مستحيياً من نفسه، حتى كان له نفسين وهو أكمل ما يكون من الحياء، فإن من استحى من نفسه أحذر من أن يستحى من غيره، قال صلى الله عليه وسلم:
"الحياء لا يأتى إلا بخير" رواه البخارى. وقال صلى الله عليه وسلم: "الحياء من الإيمان" رواه أيضاً. قال عياض وغيره: إنما جعل الحياء من الإيمان وإن كان غريزة لأن الاستعمال له على قانون الشرع يحتاج إلى قصد واكتساب وعلم. قال القرطبى: الحياء المكتسب هو الذى جعله الشارع من الإيمان، وهو المكلف به دون الغريزى، غير أن من كان فيه غريزة منه فإنها تعينه على المكتسب حتى تكاد تكون غريزة، قال وجمع للنبى - صلى الله عليه وسلم - النوعان، فكان فى الغريزة أشد حياء من العذارء فى خدرها. قال عياض: كان من حيائه - صلى الله عليه وسلم - أنه لا يثبت بصره فى وجه أحد، واعلم أنه خص الخدر لأنه مضنة وقوع الفعل بها، فهو مقيد بما إذا توقعت دخول الزوج عليها لذلك او كان معها، وإن قلت: إذا كان المراد بالاستحياء الترك، فهلا كانت العبارة بالترك؟ قلت: عبر بالاستحياء تمثيلا ومبالغة، بقوله لا يستحى استعارة تمثيلية مركبة، وهى تبعية أصلها فى المصدر. فقد تكون التمثيلية فى المفرد أى لا يترك ضرب المثل بالبعوضة، ترك من يستحى أن يتمثل بها لحقارتها ويجوز أن يكون
[فى هذا الموضع سقط بالأصل نحو صفحتين. فلزم التنبيه]
فيجيبه باستفهام مثل أن يقول: زيد يغلب الأسود فتول: كيف يغلب عمرا أو لا تقول لا يغلب عمرا فيقول ما عمر؟ وقرأ رؤبة برفع بعوضة وذلك عند البصريين والكوفيين على حذف العائد مع عدم طول الصلة، وهو شاذ عند البصريين قياس عند الكوفيين. وأخبار الزمخشرى كون ما استفهامية مبتدأ وبعوضة خبرها، والمعنى أى شىء البعوضة فما فوقها فى الحقارة، انتهى، كلام ابن هشام، والبعوضة واحد البعوض، وهو البق الصغار، فيما ذكره الجوهرى وليس كذلك. بل هو الحيوان الذى يطير وينتشر فى الأجنة صيفاً سمى من البعض بمعنى القطع، يقال بعضه وبضعه وعضبه أى قطعه على الشاعر:

لنعم البيت بيت بنى دثار إذا ما خاف بعض القوم بعضا

أى قطعاً. ومن ذلك بعض الشىء لأنه قطعة منه، وبعض القوم قطعه منهم، والبعوض يقطع الجلد ويخمشه وقد سمى الخدوش فى لغة هذيل والختوش لكثرة خدشه، وأصله وصف على فعول، فتغلبت عليه الاسمية فصار اسماً للحيوان المذكور بعد أن كان وصفاً متحملا للضيمر صالحاً لكل ما كثر قطعه من بق أو غيره، والبعوض على خلقه الفيل لكنه أكثر أعضاء من الفيل فإن الفيل أربع أرجل وخرطوماً وذنباً وللبعوض مع هذه الأعضاء رجلان زائدتان وأربعة أجنحة وخرطومه أجوف، وخرطوم الفيل مصمت، والبعوض يبلع الدم من خرطومه ويوصله جوفه أنه نافد إليه، وبه يطعن فى الجسد، وألهمه الله أنه إذا جلس على عضوه قصد العرق حتى يجده لأنه أرق، فيضع خرطومه فيه، وهو مذكور فى الآية على طريق الاستخفاف. وفى ذلك قال صلى الله عليه وسلم: "لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافراً شربة ماء" رواه الترمذى وقال حسن صحيح والحاكم وقال صحيح عن سهل بن سعد. وقال صلى الله عليه وسلم: "إن العبد لينشر له من الثناء ما بين المشرق والمغرب ولا يزن عند الله جناح بعوضة" ذكره الغزالى فى الباب السادس من أبواب العلم. وروى البخارى عن أبى هريرة عنه صلى الله عليه وسلم: "سيأتى الرجل السمين العظيم يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة اقرءوا إن شئتم: { فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا }" . ومما قيل فى الاستخفاف بالبعوض قوله:

إذا كان شىء لا يساوى جميعه جناح بعوض عند من كنت عبده
واشغل جزء منه كلك ما الذى يكون على ذا الحال قدرك عنده

يعنى الدنيا، وقوله:

لا تستخفن الفتى بعداوة أبداً وإن كان العدو ضئيلا
إن القذى يؤذى العيون قليله ولربما جرح البعوض الفيلا

وقوله:

لا تحقرن صغيرا فى عداوته إن البعوضة تدمى مقلة الأسد

وقوله:

لا تعجبوا من صيد صقر بازيا إن الأسود تصاد بالجرذان
قد أغرقت أملاك حمير فأرة وبعوضة قتلت بنى كنعان

قال جعفر الصادق بن محمد الباقر عن أبيه: نظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى ملك الموت عليه السلام عند رأس رجل من الأنصار فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ارفق بصاحبى فإنه مؤمن" قال إنى بكل مؤمن رفيق. وما من أهل بيت إلا أتصفحهم فى كل يوم خمس مرات، ولو أنى أردت قبض روح بعوضة ما قدرت، حتى يكون من الله تعالى الأمر بقبضها. قال جعفر بن محمد: بلغنى أنه يتصفحهم عند مواقيت الصلاة. قال الزمخشرى:

يا من يرى مد البعوض جناحها فى ظلمة الليل البهيم الأليل
ويرى نياط عروقها فى نحرها والمخ فى تلك العظام النحل
ويرى خرير الدم فى أوداجها متنقلا من مفصل فى مفصل
ويرى وصول غذا الجنين ببطنها فى ظلمة الأحشا بغير تمقل
ويرى مكان الوطء من أقدامها فى سيرها وحثيثها المستعجل
ويرى ويسمع حس ما هو دونها فى قاع بحر مظلم متهول
امنن على بتوبة تمحو بها ما كان منى فى الزمان الأول

ويروى:

اغفر لعبد تاب من فرطاته ما كان منه فى الزمان الأول

قال ابن خلكان عن بعض الفضلاء: إن الزمخشرى أوصى أن تكتب هذه الأبيات على قبره.
{ فَمَا فَوْقَهَا } عطف على بعوضة أو على ما، إن جعلت اسماً. والمعنى ما زاد على بعوضة فى صغر الجثة كجناحها، كما ضرب به المثل فى الحديث، وهكذا كنت أفسر الفوقية بالغلبة فى الصغر والزيادة فيه. ورأيت بعد ذلك زكريا قال: إنه مذهب المحققين لمطابقته البلاغة، ولما سيق له الكلام، وفيه ترقية معنوية وهى الترقى من الأدنى إلى الأعلى فى الحقارة، والحمد الله، وذلك أن الغرض: بيان أن الله تعالى لا يمتنع من التمثيل بالشىء الحقير الصغير، وقيل: معنى ما فوقها ما زاد عليها فى الكبر كالذباب والعنكبوت، أى لا يستحى أن يضرب مثلا بالبعوضة، فضلا عما فوقها، ويحتمل الوجهين ما روى مسلم عن إبراهيم عن الأسود، أنه دخل شاب من قريش على عائشة وهى بمنى، وهم يضحكون، فقالت: ما يضحككم؟ فقالوا: فلان خر على طنب فسطاط فكادت عنقه أو عينه تذهب. فقالت: لا تضحكوا، إنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"ما من مسلم يشاك شوكة فما فوقها إلا كتب له بها درجة ومحيت عنه بها خطيئة" فإنه يحتمل أن يكون المراد ما جاوز الشوكة فى القلة كنخبة النمل أى عضتها فى قوله صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب المؤمن من مكروه فهو كفارة لخطاياه حتى نخبة النملة" ويحتمل ما هو أشد من الشوكة وأوجع كالخرور على طنب الفسطاط.
{ فَأمَّا الَّذِينَ آمَنُوا }: بالله ورسوله وما جاء به.
{ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ }: أى المثل أو ضرب المثل.
{ الحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ }: الثابت من ربهم الواقع موقعه، يقال: حق الشىء يحق أى ثبت، ولم يسغ سواء كان ذاتا أو فعلا أو قولا. وحقق الثوب أى أحكم نسجه، فالحق اسم للثابت، ويجوز كونه وصفاً أصله حاق، حذفت ألفه للتخفيف، كألف بار، ووصفاً كصعب وسهل، على أنه نقل فعله من فعل بفتح العين، إلى فعل بضمها، مبالغة، فيجتمع توكيدات أحدها بأما فإنها قائمة فى مقام مهما يكن من شىء. وإذا ذكر أما فى حكم فقد علق ذلك الحكم بواجب الوقوع، فإن الدنيا لا يخلو من وقوع شىء، ولا بد أن يليها اسم، لأن مما قامت فى مقامه مهما. ومهما اسم وأن يكون بعده ألفاً، لأن مهما اسم شرط يقرن جوابها بالفاء إذا لم يصل شرطاً، ولزمت بعد أما ولو صلح شرطاً لضعفها بالنيابة. فتقوى الدلالة بها على ما حذف ونابت عنه، أما، والأصل أن تكون الفاء ألفاً قبل ذلك الاسم، لأنه من جملة الجواب، ولكن كرهوا أن تلى حرف الشرط، لأنه فى صورة ربط شىء بلا وجود مربوط إليه. وهذا التوكيد موجود أيضا فى حكاية قول الكفار، فدلت أما على كون أمر المؤمنين حميداً وكون علمهم معتدا به، ودلت أما الأخرى على ذم الكفار، لقولهم وعدم الاعتداد بقولهم الثانية إن والثالثة كون الصفة على فعل، بفتح فسكون، فذلك إرشاد ودعاء إلى ما عليه المؤمنون من اعتقاد أن ضرب المثل حق، لأنه يصار إليه لكشف المعنى الممثل له، وإظهاره فى صورة الذات المحسوسة المشاهدة، وليدركه الوهم كما أدركه العقل، فإن شأن الوهم إدراك المحسوس فقط، وأما كون التمثيل بالأشياء الحقيرة، فلكون الكفرة وأفعالهم وأقوالهم واعتقادهم أحقر الأشياء، فلا يحسن التمثيل لهم إلا بالأشياء الحقيرة. وإنما يكتال لكل شىء بما يناسبه، وقد وقع التمثيل فى التوراة والإنجيل وغيرهما من كتب الله، وفى كلام العرب وسائر الناس، وقد يقع بعظيم لمناسبة، كما مثل فى التوراة الجبابرة ببقر تتناطح، وذلك ليظهر عظم وقع مضرة فتنتهم، ويأتى مثال منها فى سورة الإسراء - إن شاء الله - ومثل فى الإنجيل: غلو الصدر بالنخالة والقلوب القاسية بالحصاة، ومخاطبة السفهاء بإثارة الزنابير ووقع التميل فيه بالزوان وحبة الخردل والأردة والدودة، وجاء فى كلام العرب: أسمع من قراد، وأطيش من فراشة، وأضعف من فراشة، وأحقر من ذرة، وأجمع من نملة، وألح من ذبابة، وأعز من مخ البعوض، وأضعف من بعوضة، وكلفتنى مخ البعوض، وأصرد من جرادة، وآكل من السوس. وإذا قلت له زن طأطأ رأسه وحزن، وأجع كلبك يتبعك، كلب ببابه نباح، والكلام أنثى والجواب ذكر، كلب جوال خير من أسد رابض، ولقد ذل من بالت عليه الثعالب، ولكل ساقطة لاقطة، ولا يضر السحاب نباح الكلاب، ويكسوا الناس وإسته عارية، ويدرك منك وإن كانت شلاء.
{ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ }: لم يقل فلا يعلمون أنه الحق من ربهم، كما قال المؤمنين الذين قوبلوا بهم، فيعلمون أنه الحق من ربهم، لأن قولهم الذى حكى الله عنهم بقوله:
{ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذا مَثَلاً }: دليل واضح على كمال جهلهم وبرهان على فساد اعتقادهم، فقد أفاد ذلك وأفاد أيضاً ما يفيده قولك، فلا يعلمون أنه الحق من ربهم، وما للاستفهام الإنكارى مبتدأ، وذا اسم موصول خبره و { أَرَادَ اللَّهُ } صلته أو ماذا: اسم واحد مركب للاستفهام الإنكارى مفعول مقدم لأراد. أو ما: اسم استفهام إنكارى مفعول مقدم لأراد وذا زائدة. أجازه ابن مالك وجماعة. قال ابن هشام: التحقيق أن الأسماء لا تزاد. ومعنى { أَرَادَ اللَّهُ }: شاء، أنه فعله أو يفعله بلا سهو ولا إكراه ولا فعال غيره أمره بها، ومعصية العاصى واقعة بإرادته، لأنه جل وعلا هو الذى خلقها منه فقد أراد الله خلقها، والخلق فعل، فبطل ما يغرى إلى هذا التعريف من أن المعصية لم تكن بإرادته وإن شئت فقل: إرادته قضاؤه فلا أول لها فهى كالعلم صفة ذات، وتطلق أيضاً على تقديره مثل أن تقول: لما أراد الله خلق السماوات والأرض فعل كذا، وهى الإرادة المقارنة للفعل. وقال بعض المعتزلة: إرادته علمه باشتمال الأمر على النظام الأكمل والوجه الأصلح. فإن علم ذلك يدعو القادر إلى تحصيله، فالإرادة لأفعاله من صفاته السلبية، والأفعال غيره من صفاته الثبوتية، وقالت الأشعرية معنى إرادته وترجيح أحد مقدوراته على الآخر وتخصيصه بوجه دون وجه. فهى صفة ذات قديمة زائدة على العلم، وهو معنى قريب من تفسيرها بالقضاء، وخرج بقولهم: وتخصيصه بوجه دون وجه من القدرة لإنها لا تخصص الفعل ببعض الوجوه، بل هى للفعل مطلقاً، وإن شئت فقل على مذهبهم إرادته تعالى معنى يوجب ترجيح أحد مقدوراته على الآخر، وتخصيصه بوجه دون وجه والإرادة كالمشيئة أعم من الاختيار والحب، فإن فى الاختيار والحب تفصيلا، إلا الاختيار المراد به نفى القهر والضرورة فليستا بأعم منه، وذكر أبو عمار عبد الكافى -رحمه الله - أن الإرادة إنما هى نفى الاستكراه، وأن أهل الإثبات قالوا: إن إرادة الله - عز وجل - صفة ذات، ينفى بها عن الله - عز وجل - أن يستكره على فعل من الأفعال، وإن عين الإرادة ما به يتكون المراد على ما أراده المريد، غير مستكره على شىء من الأفعال، وإن قوما من المعتزلة قالوا إنها فعل الله، وليست صفة ذات، واختلفوا فى ذلك الفعل، فقيل: إنه أمر منه بطاعته، وقيل إن الإرادة عرض فى غير محل، حكى عن ابن الإسكندرانى، وقيل إنها عرض حال فى المراد، وقالت الجهمية إرادة الله هى المراد. وقال شعيب من الإباضية: إرادة الله - عز وجل - للأشياء محبته لأن تكون. ويرد قول الجهمية أنه لو كانت الإرادة هى المراد لكان العلم هو المعلوم والقدرة هى المقدورة عليه وهكذا، وأراد بالإباضية: الإباضية غير الوهبية أو مطلق الإباضية، ولكن شعيب المذكور من النكار والإرادة والمشيئة معنى واحد، وهو صفة أزلية غير العلم، والقدرة متعلقة فى الأزل لتخصيص الحوادث بأوقات حدوثها، ونسبة الضدين يمكن أن يقع بها الضد الآخر، ونسبة كل منهما إلى الأوقات سواء، إذ كما يمكن أن يقع فى وقته الذى وقع فيه، يمكن أن يقع قبله وبعده، فلا بد لتخصيصها بالوقوع دون غيره من مخصص يقتضى ذلك لذاته حتى لا يحتاج إلى مخصص آخر غيره ولا يتسلسل وهو الإرادة. ووقوع الشىء تابع لتعلق الإرادة، وتعلق القدرة تابع لتعلق الإرادة، وتعلق الإرادة لذاتها لا ينافى اختيار الفاعل، والحادث تابع للعلم المتعلق فى الأزل بتخصيص الإرادة، بمعنى أن حدوث الحادث على حسب ما تعلق به العلم القديم وإن كان متبوعاً للعلم، بمعنى أن العلم بحدوث الحادث فى وقته المعين تابع، بحيث يقع فيه فلا منافاة بين ما يقال من أن العلم تابع للوقوع، وما يقال من الوقوع تابع للعلم، وهذا المخصص هو الإرادة وهى قديمة، ولو كانت حادثة للزوم كونه تعالى محلا للحوادث، ولا احتاجت إلى إرادة أخرى وتسلسل. وهى شاملة لجميع الكائنات، لأنه تعالى موجود لكل ما يوجد من الممكنات إذ قدرته شاملة، وهو فاعل بالاختيار فيكون مريداً لها، ولأن الإيجاد بالاختيار يستلزم إرادة الفاعل، ومن جملة الكائنات الشر والكفر والمعصية، فيكون مريداً لها، خلافاً للمعتزلة. واستدلو بأوجه:
الأول: أن المعصية غير مأمور بها فلا تكون مرادة إذ الإرادة مدلول الأمر ولازمه، فيجاب عن هذا بأن الأمر قد ينفك عن الإرادة كأمر المختبر لأحد هل يمتثل.
الثانى: لو كانت مرادة لوجب الرضى بها، لأن الرضى بما يريد الله تعالى واجب، والرضى بالكفر كفر، فيجاب بأنه يجب الرضى بقضاء الله تعالى به، وإيجاده عدم سخط القضاء لا بنفس الكفر المقضى لذاته، وبتناول العاصى إياه وبصدوره منه. ووجب الرضى عندى بموت الأنبياء من حيث أنه قضاء الله تبارك وتعالى، وحرم سخطه، ولا توقف فى صحة الرضى بفعل الله تعالى.
الثالث: لو كانت مرادة لكان الكافر مطيعاً بكفره، لأن الطاعة تحصيل مراد المطيع، فيجاب بأن الكافر إذا رضى بقضاء الله تعالى عليه بالكفر، مطيعاً برضاه طاعة لا تنفعه لحصول الكفر، والطاعة هى تحصيل ما أمر الله لا ما أراده، فالواجب عليه شيئان فى حال كفره: الرضى بالقضاء عليه بالكفر، والانقلاع عن كفره، وبهذا يجاب اليهودى التلمسانى القائل:>

أيا علماء الدين ذمى دينكم تحير دلونى بأوضح حجة

ثم قال:

قضى بضلالى ثم قال ارض بالقضا فها أنا راض بالذى فيه شقوتى

وقد أجيب بأشعار وذلك فى دولة الإسلام فى هذه العدوة وعدوة الأندلس.
الرابع: قوله تعالى:
{ ولا يرضى لعباده الكفر } فيجاب بأن الرضى بقضاء الكفر غير كفر. والله أعلم. ويدل على ترادف الإرادة والمشيئة قوله تعالى: { يفعل ما يريد } و { يفعل ما يشاء } وإرادة المخلوق ومشيئته نزوع النفس وميلها إلى الفعل بحيث تحملها عليه وهذا مع الفعل، ويطلقان على القوة التى هى مبدأ النزوع، وهذا قبل الفعل. والله أعلم. واسم الإشارة فى الآية لاستحقار الكفار ما مثل به كأنهم قالوا: ما هذا الدانى القريب التناول، كما قالت عائشة فى عبد الله بن عمرو بن العاص: يا عجباً لابن عمرو هذا.. و{ مَثَلاً } حال أو تمييز وناصبه أراد سواه جعل حالا، أى ماذا أراد به، حال كونه مثلا، لو كان من الله كما قال محمد، وصاحب الحال اسم الإشارة أو تمييزاً قبل التمييز عن نسبة التعجب والإنكار إلى المشار إليه نسبة إيقاعية، ولا حاجة إلى جعل العامل فى الحال اسم الإشارة، وصاحب الحال الهاء، فى قولك: أشير إليه وأجاب قولهم: { مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذا مَثَلاً } بقوله تعالى:
{ يَضِّلُ بِهِ }: أى يضرب المثل أو بالمثل.
{ كَثِيراً وَيَهْدِى بِهِ كَثِيراً }: فإنه مستأنف من كلامه - تبارك وتعالى - كأنه قيل: الذى أراده الله تعالى بضرب المثل هو: إضلال كثير من الناس به، وهدى كثير منهم به. وهذا على جعل ما: مبتدأ، وذا: خبرا، أو بالعكس وأما على جعل ماذا: مفعولا أو ما: مفعولا، وذا: صلة، فكأنه قيل: أراد بضرب المثل إضلال كثير به، وهدى كثير به. وفى الجواب بالفعل ما يرجح هذا، وقال مكى: إن جملة يضل صفة مثلا، أو مستأنفة. قال ابن هشام: والصواب: الثانى، لقوله تعالى فى سورة المدثر:
{ ماذا أراد الله بهذا مثلا كذلك يضل الله من يشاء ويهدى من يشاء } وإنما قال يضل ويهدى بالفعل، ولم يقل إضلال كثير وهدى كثير بالاسم، للإشعار بالحدوث والتجدد، وبيان لقولهم: { فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِم } وقوله: { يَقُولُونَ مَاذَآ أَرَادَ اللَّهُ بِهَذا مَثَلاً } لاشتمال كل منهما على الكثرة، واشتمال الأول على الهدى، والثانى على الضلال، وإشعار بأن العلم يكون ضرب المثل حقاً هو الهدى والإيمان، وأن الجهل بوجه أراد المثل والإنكار لحسن مورده هو ضلال وفسوق. وإن قلت كيف اشتمل الأول على الكثرة، مع أن المؤمنين قليل؟ والكثير هم الكفار؟ كما قال تعالى: { وقليل من عبادى الشكور } وقال: { وقليل ما هم } }. فقال صلى الله عليه وسلم: "الناس كإبل مائة لا تجد فيها راحلة" قلت: المؤمنون كثير فى حد ذاتهم، وإنما يكونون قليلا بالنسبة إلى الكفرة، فالمعتبر كثرتهم فى ذاتهم. ويحتمل أن يكون كثرتهم باعتبار الفضل والشرف، وكثرة الكفار باعتبار العدد كقول أبى الطيب المتنبى فى مدح على بن يسار:

سأطلب حقى بالقنا ومشايخ كأنهم من طول ما التثموا مرد
ثقال إذا لاقوا خفاف إذا دعوا كثير إذا شدوا قليل إذا عدو

وكقوله:

إن الكرام كثير فى البلاد وإن قلوا كما غيرهم قل وإن كثروا

ومعنى قوله كثير أنهم كثير كرماً، ومعنى قوله قلوا: قلوا عدداً، وقوله قل، بضم القاف واللام المنونة، معناه القليل، ويجوز أن يكون، بفتح القاف واللام، على أنه فعل اعتبر فيه لفظ غير. واعتبر معناه فى قوله كثروا. وقيل أن قوله تعالى: { يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِى بِهِ كَثِيراً } من كلام الكفار كالكلام قبله، فهو من المحكى بيقولون واتفقوا على أن قوله:
{ وَمَا يُضِلُّ بِهِ الْفَاسِقِينَ }.. إلخ من كلام الله عز وجل، والفسق لغة مطلق الخروج عن الشىء، تقول فسق عمرو عن الدار ومن الدار أى خرج، قال رؤبة يصف نوقاً يمشين فى المفازة على غير طريق:

يذهبن فى نجد وغور غائرا فواسقا عن قصدها جوائرا

وغورا ظرف مكان أو منصوب على نزع فى أو معطوف على محل مجرور فى. ولو كان محله لا يظهر فى الفصيح من النثر، وذلك للضرورة. وبعض لا يشترطه. ومعنى فواسقا: خوارج، وجوائرا بمعنى مائلات، ويقال: فسقت الرطبة عن قشرها أى خرجت. وفسقت الفارة خرجت عن جحرها. والفسق شرعاً: الخروج عن طاعة الله، والمراد فى الآية المشركون والمنافقون الذين آسروا الشرك، لخروجهم عن الإيمان والطاعة، ودخل اليهود فيهم. والمعصية كلها فسق، إلا أنه عندنا إنما تقول فاسق لفاعل الكبيرة دون فاعل الصغيرة، وقيل المراد المشركون، وعليه اقتصر الشيخ هود وقيل المنافقون وقيل اليهود. وللفاسق ثلاث درجات، الأولى: التغابى وهو التغافل، وأصله من الغباوة هو أن يترك الكبيرة أحياناً مستقبحاً إياها. والثانية الانهماك وهو أن يعتاد ارتكابها غير ميال بها، وهو فى الحالتين عندنا منافق يسمى ذا إيمان وموحدا ولا يسمى عندنا مسلما ولا مؤمنا بمعنى كامل الإسلام والإيمان، ولا مشركاً وأظن ذلك قول قدماء المعتزلة، ولكن لا يسمونه منافقاً بل فاسقاً، وربما سماه بعض أصحابنا مسلماً ومؤمنا، بمعنى موحداً. فإن الإيمان الكامل: التصديق والإقرار والعمل. وكذا قال متأخروا المعتزلة، وكذا قال الأشعرية ويسمونه فى الحالتين مؤمناً إيمانا غير كامل، ويسمونه كافر للنعمة. الثالث: الجحود وهو أن يرتكبها مستصوباً لها مستحلا مواجهة وهو مشرك، وإن قلت كيف تفعل فى قوله تعالى: { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا } قلت: سماهم مؤمنين باعتبار حالهم الظاهر لنا قبل البغى، أو معناه: وإن طائفتان من الموحدين: كما سمى البلغ اليتامى باعتبار حالهم قبل البلوغ، وقد مات آباؤهم. ويطلق اسم الفاسق على الثالث، كما يطلق على الأول والثانى. ونزل واصل ابن عطاء - ويكنى أبا حذيفة - الأول والثانى منزلة بين المؤمن والكافر فينبغى أن يحمل على أن المعنى بين كامل الإيمان بالعمل والكافر المشرك لإذعان كل عاقل، إلى أن الفاسق غير شاكر، ومن لم يشكر فقد كفر، فهذا الفاسق كافر كفراً غير شرك. قال واصل بن عطاء كما قلنا إن حكمهما حكم المؤمن، فى أنه يناكح ويوارث ويغسل ويصلى عليه، ويدفن فى مقابر المسلمين، وهو كالمشرك فى الذم واللعن والبراءة منه، واعتقاد عداوته وألا تقبل له شهادة. ومذهب مالك والزيدية أن الصلاة لا تجزى خلفه. والله أعلم.
وإذا جعلنا الباء فى به، من باب باء الآله، فإسناد الإضلال إلى الله تعالى حقيق، وكذا إذا جعلناها من باب السببية، ولا يظهر لى خلاف ذلك، لأن إضلاله تركه التوفيق. وزعم الزمخشرى: أنه إسناد إلى السبب، لأنه ضرب المثل، فضل به قوم واهتدى قوم، فكان ذلك سبباً لضلالهم وهداهم. وعن مالك بن دينار -رحمه الله - أنه دخل على محبوس قد أخذ بمال عليه، وقيد فقال يا أبا يحيى أما ترى ما نحن فيه من القيود؟ فرفع مالك رأسه فرأى سلة، فقال: لمن هذه السلة؟ فقال: لى، فأمر بها تنزل. وإذا دجاج وأخبصة، فقال مالك: هذه وضعت القيود على رجلك. فأسند وضع القيود على رجله إلى السلة، لما كانت السبب بعد التسبب بشراء المستلذات، والتسبب بوضعها فيها فكانت حرزاً لما يستلذ فيعتاده، وكلام مالك من الإسناد للسبب بخلاف الآية، ونسبة الإضلال إلى الفاسقين نسبة إيقاعية. والفاسق مشتق. والنسبة إلى المشتق تؤذن بعلية المشتق، له ففسقهم علة لإضلال الله إياهم بالمثل لأن فسقهم فى سائر اعتقادهم وأقوالهم وأفعالهم، صرف أفكارهم عن حكمة التمثيل إلى حقارة الممثل به، حتى رسخت به جهالتهم، وازدادوا ضلالا فأنكروه واستهزءوا به. وقرأ زيد بن على: يضل به كثير ويهدى به كثير وما يضل به إلا الفاسقون ببناء يضل الأول والثانى ويهدى مفعول، ورفع كثير الأول والثانى، ورفع الفاسقين.