خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَآ أَنْفَقُواُ مَنّاً وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ
٢٦٢
-البقرة

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ الَّذِينَ يُنْفقُونَ أَمْوالَهم فى سَبِيِل اللّهِ ثُمَّ لا يُتْبعُونَ مَا أنْفقُوا منّاً }: على المنفق عليه.
{ وَلاَ أذىً }: المن أن يقول قد أنفقت عليه، أو قدّ أحسنت إليه، أو جبرت حالة، أو لولاى لمات جوعا، أو برداً، أو هو فقير وأعطيته، أو يرى أن لى حقا عليه، أو يخاطبه بذلك ونحو ذلك قال الشاعر:

وإن امرأ أسدى إلىَّ صنيعهُ وذكرنيه مرة للئيم

وعن بعض: إذا صنعتم صنيعة فانسوها، وفى نوابغ الكلم: صنوان من منح سائله وَمَنَّ، ومنع نائله وظن، أى بخل، أى هما من أصل واحد، وهو اللوم مستويان كنخلتين من أصل واحد، والنائل العطاء، وهو مفسد للعطية، وفى نوابغ الكلم: طعم الآلاء أحلى من المن، وهى أمر من الآلاء مع المن، أى العطية أمرُّ، " قيل يا رسول الله: من المنان؟ قال: الذى لا يعطى شيئا إلا منّه" وقال بعضهم: علم الله أن أناسا يمنون أعطيتهم فنهى عن ذلك وتقدم فيه يعنى حجره عليهم، والأذى أن يتطاول عليه بسبب ما أنعم عليه، أو يسبه أو يعيره، مثل أن يقول: إلام تسأل؟ أو بليت بك، وأراحنى الله منك أو نحو ذلك، وهو أعم من المن، ونص عليه لكثرته، وعد زيد: بن أسلم إن ظننت أن سلامك يثقل علىّ من أنفقت عليه، تريد وجه الله، فلا تسلم عليه، قيل: قال عبد الرحمن ابن زيد: كان أبى يقول إذا أعطيت رجلا شيئا ورأيت أن سلامك يثقل عليه لا تسلم عيله. وأبوه هو زيد بن أسلم المذكور، فذلك كلام واحد قالت له امرأة: يا أبا أسامة دلنى على رجل يخرج فى سبيل الله حقا فإنهم إنما يخرجون ليأكلون الفواكه، فإن عندى أسهما وجعبة؟ فقال لها: لا بارك الله فى أسهمك وجعبتك، فقد آذيتهم قبل أن تعطيهم، تعنى النبل وجعبة الرمح. وروى الربيع ابن حبيب، ومالك وغيرهما عن أبى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أنفق زوجين فى سبيل الله نودى فى الجنة يا عبد الله هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة دعى من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعى من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة دعى من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام دعى من باب الريان فقال أبو بكر: يا رسول الله ما علىّ من بد من هذه الأبواب من ضرورة؟ فهل يدعى أحد من هذه الأبواب كلها؟ قال: نعم وأرجو أن تكون منهم" ومعنى زوجين شيئان من نوع واحد كدرهمين وفرسين. وفى الحديث: "من أكثر من شئ عرف به" ألا ترى أنه يقول من أهل كذا من أهل كذا، وقد شاركه غيره فيه، وعند صلى الله عليه وسلم: "لمن كل أهل عمل باباً من أبواب الجنة يدعون فيه بذلك العمل" . قيل جهز عثمان المسلمين فى غزوة تبوك بألف بعير بأقتابها وأحلامها فنزلت الآية. وقال عبد الرحمن بن ضمرة: " جاء عثمان بألف دينار فى جيش العسرة فصبها فى حجر النبى صلى الله عليه وسلم فرأيته يدخل يده فيها ويقلبها ويقول: ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم" ، فنزلت الآية. وروى أنهُ نزلت فيه وفى عبد الرحمن بن عوف، " جاء عبد الرحمن بأربعة آلاف درهم صدقة إلى رسول الله صلى لله عليه وسلم، وقال: كان عندى ثمانية آلاف فأمسكت لنفسى ولعيالى أربعة آلاف درهم وتصدقت بأربعة آلاف لربى عز وجل. فقال صلى الله عليه وسلم: بارك الله لك فيما أمسكت وفى ما أعطيت" ومعنى قوله: "ما ضره ما يفعل بعد هذا" أنهُ لا يؤاخذه الله بما فعل من الذنوب التى بينه وبين الله لجواز المؤاخذة بذنب والعفو عن الآخر، ولو فى الآخرة، ولو شهر المنع، وذلك لأنه قد ذكرت فيه عائشة أمنا رضى الله عنها كلاماً، وعنها نأخذ شطر الدين، والحديث فى الفتن أيضاً مشهور، أو لعله قال: "ما ضره" قبل أن يعلم ما يفعل، وثم فى الآية للتراخى فى الرتبة لا فى الزمان، أعنى لبيان أن رتبة عدم المن والأذى بعد الإنفاق أعلى من نفس الإنفاق، لأنه يبطل بهما ويصح بعدمهما لا لبيان أن زمان انتفاء المن والأذى متراخ عن زمان الإنفاق، وما مفعول ثان، ومنا مفعول أول، لأنه فاعل فى المعنى، أى لا يجعلون المن والأذى تابعين ما أنفقوا والمراد بالاتباع عدم الإتيان بهما بعد الإنفاق باتصال ولا بانفصال.
{ لَهُم أَجْرُهم عِنْدَ رَبِّهِم }: اسم إن شبيه بالشرط فى العموم والإبهام، وتسبب الجواب بالشرط، فإن ثبوت الأجر لهم مسبب عن الإنفاق المجرد عن المن والأذى، ومع ذلك لم يقرن خبرها بفاء كفاء الجواب تدل على التسبب، ليشير على طريق التعظيم بأنهم أهل الأجر العظيم على سائر أعمالهم ولو لم ينفقوا، وليست أن مانعة من دخول الفاء فى خبرها لوروده بالفاء فى آية أخرى خلافاً لبعض.
{ ولاَ خَوْفٌ عَلَيْهِم }: يوم القيامة ولا فى القبر.
{ ولاَ هُمْ يَحْزنُونَ }: على عدم الانتفاع بما أعطاهم الله من النعم فى الدنيا، لأنهم قد انتفعوا بها بتقديمهم منها للآخرة.