خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى وَٱللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ
٢٦٣
-البقرة

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ قَوْلٌ مَعْروفٌ } مبتدأ ونعت والخبر { خير } والمعنى كلام حسن يرد المسئول السائل به، أو يقابل دعاءه به إن "دعا له مثل" أن يقول: فتح الله لك، أو رزقك الله، أو أغناك الله. أو جازاك الله على احتياجك، ومثل أن يقول: لا يبقيك على هذه الحال أو أرجو الله فإنه لا يخيب راجيه، وقيل دعا بخير له بدون أن يسمعه السائل فى حاله، أو بعد أن يغيب، لأن الدعاء بظهر الغيب لأخيك تقول الملائكة فيه آمين فيجاب، وقيل: القول المعروف الوعد الحسن مثل أن يقول سأعطيك إن شاء الله، أو ائت وقت كذا أعطيك، ومعنى معروف تقلبه الطباع والقلوب، ولا تنكره ولا يخالف الشرع.
{ ومَغْفِرةٌ }: معطوف على المبتدأ، وسوغ عطفه على المبتدأ كونه معطوفا على ما ساغ الابتداءُ به، أو المراد نوع من المغفرة، وهو أن يستر حاجة السائل واحتياجه وفقره، فإن المغفرة الستر، وقيل ألا يعاقب السائل بضرب أو كلام أو نحوه إذا أساء إليه السائل لرده. ويدخل فيه ألا ينهره إن ألح فى السؤال، أو يعطيه ثم يجئ يسأل ويعطيه مثلا، ودخل فى المغفرة ألا يسأله من أنت إن كان يستحى، سأل أعرابى قوما بكلام فصيح فقال له قائل: مم الرجل؟ فقال: اللهم اغفر سوء الاكتساب بمنع من الانتساب. والمعنى أنه سأل الله المغفرة لذنوبه مطلقا أو استشعر أن ذنوبه أوصلته إلى السؤال للحاجة، ثم ذم السؤال بقوله: سواء أى ساءنى سوء حالى، أو أتاح الله سوء، وذلك الاكتساب، وهو السؤال بمنع من الانتساب، لأنه مما يستحى منه، ولو كان الاكتساب بتجرأ وبتعن لم يستح من إظهار نسبه، وأجيز أن يكون المراد المغفرة من الله لذنوب المسئول بالرد الجميل، أو مغفرة من السائل إذا رده، ويقول لعله لم يجد ما يعطينى أو لم يقدر على حاجتى أو إذا جفاه المسئول.
{ خَيرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبعُها أذىً }: هو شامل للمن كما مر أن الأذى أعم من أو التقدير يتبعها أذى، أو من ولفظ أذى هنا فاعل، وكان ذلك خيراً لأن المن والأذى ضر، وقد يكون كبيرا، وعلى كل حال يحتاج إلى تدراركه بالتوبة والاستحلال، أو بزيادة خير له بدل الضر، وأثبت مع ذلك شأنا للصدقة بحسب ظن المسئول، أنهُ يثبت له الثواب مع ذلك:
{ وَاللّهُ غَنِىٌّ }: عن إنفاق يتبعه المن أو الأذى.
{ حَلِيمٌ }: لا يعاجل بالعقوبة على المن والأذى، فالواجب على المكلف إخلاص صدقته عنهما، وهى ممكنة بالقليل والكثير، قال عبد الله بن عمر: كل معروف صدقة، وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"كل معروف يصنعه المسلم إلى أخيه المسلم فهو صدقة" وإيصال الصدقة خير من إرسالها. لما كف بصر حارثة بن النعمان جعل خيطا فى مصلاه إلى باب حجرته، ووضع عنده مكتالا فيه تمر وغير ذلك، فكان إذا سأل المسكين أخذ من ذلك التمر، ثم أخذ بالخيط إلى باب الحجرة، فيناله المسكين، فكان أهله يقولون نحن نكفيك، فيقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن مناولة المسكين تقى ميتة السوء" .