خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَٰتِكُم بِٱلْمَنِّ وَٱلأَذَىٰ كَٱلَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَآءَ ٱلنَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ
٢٦٤
-البقرة

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ يا أيُّها الَّذينَ آمنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالمنِّ والأذَى }: لا تبطلوا ثواب صدقاتكم بالمن ولا بالأذى، فإن من تصدق ومنّ بها أو أذى عليها فلا أجر له عليها، فإن السيئات يبطلن الحسنات إلا أن تيب منها، وقيل يجازى بما زاد على الآخر من ذلك، وذكر جمهور الأمة أن الصدقة التى يعلم الله من صاحبها أنه يمن بها أو يؤذى، لا تقبل لكن الملائكة تكتبها، وقيل يجعل للملك عليها إمارة فلا يكتبها.
{ كالَّذِى يُنفِقُ مَالهُ رِئاءَ النَّاسِ ولا يؤمنُ بالله واليَومِ الآخِرِ }: الكاف اسم مفعول مطلق، أى لا تبطلوا صدقاتكم بالمنّ والأذى إبطالا مثل إبطال الذى ينفق ماله ثواب صدقته لريائه بها، وعدم إيمانه بالله، والبعث، إلا أنه يختلف الإبطال، فالموجود يتصدق بحيث تقبل لو لم يمن أو يؤذى لكفها لم تقبل، لأنه يمن أو يؤذى، وقد كتبت، وقيل لا تكتب، والمشرك يتصدق بحيث لا يمكن له قبول عمل، ولا يكتب الملك له خيراً، وقد قيل إنهما لا يكتب لهما ثواب كما علمت أصلا. فالموحد لعلم الله أنه يمن أو يؤذى، والمشترك لشركه وعليه، فمعنى الإبطال فعل ما يتسبب، ولعدم الاعتداد بها من أول، وكذلك على الوجهين يكون المعنى إذا علقنا الكاف بتبطلوا على القول بتعليقها، وجعلناها حرفا أو جعلناها اسما حالا من واو تبطلوا، أى لا تبطلوها مماثلين الذى، أو علقناها حال بمحذوف، كذلك، أى ثابتين كالذى، ورئاء مفعول لأجله ناصبه ينفق، أو مفعول مطلق على حذف مضاف، أى إنفاق رئاء الناس، وضعف جعل نعتا بمعفول مطلق محذوف، أى إنفاقاً رئاء الناس بتنوين إنفاق لأن الرئاء مصدر فلا حاجة إلى النعت به، ولأنه معرفة بإضافته للناس، إلا أن يقال هو كالنكرة، لأن إضافته للجنس، وقيل إضافة المصدر التعليلى لفظية، ويجوز قيل كون رياء حالا بمعنى مرائيا أو ذا رياءٍ، وفيه البحث المذكور، لأنه مضاف لفظا للناس، إلا أنه يزداد فى الجواب إذا أولناه بمراء أن إضافة الوصل الحالى أو الاستقبالى لا تفيد تعريفا فرئاء مصدر رائَى يرائى، فألف فهمزة فألف تكتب ياء فهمزة، رئاء الأولى عين الكلمة، والثانية بدل من الياء التى هى لامها لتطرفها بعد ألف زائدة وهو من باب المفاعلة لفظا ومعناه التعدية للمفعول الذى هو فاعل فى المعنى مع إلغائه عن الثانى، فهو بمعنى الإراءة، فكأنه قيل إراءته الناس إنفاقه، ويجوز أن يكون على أصله من معنى المفاعلة على معنى أنه يرى الناس عمله، ويروه ثناءهم، وعن عاصم رياء بياء قبل الألف بدلا من الهمزة تخفيفا لها وهو مفعول لانفتاحها بعد كسرة.
{ فَمَثَلُه }: أى فمثل الذى ينفق ماله رئاء الناس:
{ كَمَثَلِ صَفْوانٍ }: حجر أملس كبير وهو مفرد جمعه صفى، وقيل جمع أو اسم جمع ومفرده صفوانه، وقرأ سعيد بن المسيب بفتح الفاء كالصاد.
{ عَلَيْه تُرابٌ فأَصابَهُ }: أى أصاب الصفوان أو التراب، والأول أول لأن هاء فتركه عائدة إلى صفوان.
{ وَابِلٌ }: مطر شديد، القطر بحيث لا يبقى على الصفوان شئ من التراب.
{ فَتَركهُ صلْداً }: أملسَ لا تراب فيه يقال: صلد مقدم رأس الأصلح إذا برق.
{ لا يَقدِرُونَ عَلى شَىءٍ ممَّا كَسَبُوا }: الواوان عائدتان إلى { كالذى ينفق ماله رئاءَ الناس } بأن المراد بالذى الجنس، فاعتبر لفظه فأفرد فيما مر، ومعناه هنا فجمع وكذا إن قدرنا فمثله كمثل الفريق الذى ينفق ولو كان أصله الذين، فحذفت النون لم يصح الإفراد، اللهم إلا أن يتكلف أنها لما حذفت أشبه المفرد لفظا فجاز الوجهان اعتبار اللفظ واعتبار الأصل، وهذه إشارة إلى وجه الشبه، أى كما لا يبقى شىء من التراب على الحجر الصلد فى المطر العظيم الشديد القطر كذلك لا يقدر منفق ماله رئاء الناس على حصول شىء مما كسبه من الإنفاق أى من الإنفاق الذى عمله، أو من عمله كله، لأنهُ مات مصرا على ريائه، أو مات مشركا، والذى ويتبع صدقته مناً أو أذى مثل هذا لا يتحصل له ثواب صدقته، فإن ظلم وأصر لم يحصل له شئ من عمله، قال بعض الحكماء: مثل من يعمل الطاعة للرياء والسمعة كمثل رجل خرج إلى السوق وملأ كيسه حصى، فيقول الناس ما أملأ كيس هذا الرجل ولا منفعة له سوى مقالة الناس، إذا لا يجد أن يشترى بما فيه شيئا، كذلك الذى يعمل رياء لا ينتفع بعمله يوم البعث.
{ واللّهُ لا يَهْدِى القَوْمَ الكافِرِينَ }: لا يوفقهم إلى ما يسعدهم، والمراد كفر الشرك وكفر النفاق، والمبطل لعمله بالمن والأذى أو بالرياء منافق، ومن زعم أن الفسق لا يسمى كفرا يقول إن الآية تغليظ على المانّ بصدقته المؤذى والمرائى بعمله، بأن شبهَّ منه وايذاءه ورياء المرائى بالشرك تلويحا، بأن ذلك من صفات المشرك ليجتنبا ذلك، أو يقول: إن الكافرين هم المذكورون بقوله: لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر أو يعم المشركين.