خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يَٰبَنِي إِسْرَائِيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ ٱلَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِيۤ أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّٰيَ فَٱرْهَبُونِ
٤٠
-البقرة

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ يَا بَنِى إِسْرَائِيلَ }: أى يا أولاد يعقوب، فإن إسرائيل لقب مدح له - عليه السلام - فإن معناه بالعبرانية، وتسمى أيضاً العبرية: صفوة الله، فإسرا هو صفوة، وإيل هو الله سبحانه وتعالى، وقيل معناه عبد الله، فإسرا بمعنى عبد وإيل بمعنى الله، وهو المشهور. وهو أيضاً لقب مدح إذا قصد باضافة العبد إلى الله جل وعلا التشريف، وقرئ إسرائيل بحذف الياء وإبقاء الهمزة، وإسرال بحذفهما، فلا حرف بين اللام والألف، وإسراييل بقلب الهمزة ياء فبين اللام والألف ياءان. وسمى الولد ابناً، قيل لأنه مبنى أبيه، ولذلك ينسب المصنوع إلى صانعه، يقال للكلمة بنت الشفة، ويقال للمسألة المستنبطة بنت فكر، ولمن مارس الحرب أو الحرب، فيضيفون الشىء إلى الصنعة، ولو لم يكن صانعا لها حقيقة، فإن الولد ولو كان مبناه الأب، لكن ليس أبوه صانعا له، وهكذا ما أشبهه. ويرده أن البناء لأمه بدليل بنى، والابن واوى اللام بدليل البنوة.
{ اذْكُرُوا نِعْمَتِىَ الَّتِى أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ }: وهى التوراة، ومعرفة ما فيها مما لم يحرف، والرزق الواسع فى الشام وغيره، وصحة الأبدان، وإدراككم خاتم النبيين محمداً - صلى الله عليه وسلم - فيرشدكم عما ضللتم فيه، وعما أضلكم من قبلكم فيه، وإنجاء آبائكم من فرعون وإغراقه. إذ لو ترككم فى أيدى القبط لكنتم مستعبدين بأيديهم إلى الآن إن لم يخلصكم منهم، وأنجاهم من الغرق والعفو عنهم، بعد اتخاذهم العجل إذ لو استأصلهم او أغرقهم لم توجدوا. ويحتمل أن يراد: اذكروا نعمتى التى أنعمت على آبائكم، فحذف المضاف هى أنجاء آبائهم من فرعون والغرق، والعفو وتضليل الغمام، وإنزال المن السلوى، والإنعام على الاباء يستدعى الشكر، فإن فخر الآباء فخر الأبناء، فإن الإنسان يشرف بشرف آبائه، ويهان بإهانتهم ويعبر، وهذا واقع بين الناس معتاد، ويحتمل أن يكون فى الكلام حذف عاطف ومعطوف، أى عليكم وعلى آبائكم ويحتمل أن يكون الخطاب فى عليكم: للحاضرين وآبائهم الموتى، تغليباً للحاضرين، وأما الخطاب فى قوله عز وعلا { اذْكُرُواْ } وفى قوله { يَا بَنِى إِسْرَائِيل } وفى قوله: { وَأَوْفُواْ.. } إلخ فهو للحاضرين فقط. وأعنى بالحاضرين الأحياء ولو غابوا. ومذهب الجمهور وابن عباس أن الخطاب فى ذلك كله لبنى إسرائيل، الذين فى مدة النبى صلى الله عليه وسلم، حين نزول الآية، وغيرهم يلتحق التحاقاً. ومعنى ذكر النعمة: ذكرها بالقلب، والتفكر فيها، والقيام بشكرها، وقد ذكرت نعم كثيرة، فالنعمة فى الآية جنس لا واحدة، والنعمة منفعة مفعولة على جهة الإحسان إلى الغير، وما ينتفع به الإنسان إنما يسمى نعمة من حيث إنها من الله بلا واسطة أو منه بواسطة، لا من حيث إنه انتفع به إلا بفرض نفسه، كأنها إنسان آخر كما يفرض الإنسان نفسه كذلك، فيخاطبها، والنعمة كلها من الله تعالى، لكن إما بلا واسطة، وإما بسبب طاعة، وإما بلا سبب طاعة، وقد فسر الله - عز وجل - النعمة المذكورة فى هذه الآية بقوله:
{ يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيراً مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير، قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين.. } إلخ. وقوله: { وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكاً وآتاكم ما لم يؤت أحداً من العالمين } وقرئ: { يَا بَنِى إِسْرَائِيل اذْكُرُواْ } بتشديد الذال وكسر الكاف، بوزن افتعلوا، قلبت التاء ذالا، وأدغمت الذال فى الدال. وعائد الموصول محذوف، أى التى أنعمتها عليكم.
{ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِى أُوفِ بِعَهْدِكُمْ }: إيتوا بما عاهدتمونى عليه من التوحيد، وأداء الفرائض، والإيمان بمحمد، وبما جاء به. آت بما عاهدتكم عليه، من الثواب على ذلك. فالعهد الأول مضاف إلى المفعول. والثانى كذلك، فإن هذا هو العادة فى الأمر بالوفاء بالعهد أن يضاف إلى المفعول، لأن كلا من المتعاهدين يطلب الآخر أن يفى له بما عاهده، كأنه يقول أوف لى بما عاهدتنى، ويجوز أن يكونا مضافين إلى الفاعل، أى إيتوا بما عاهدتك عيله أن تأتونى به من التوحيد وما بعده، آت بما عاهدتمونى عليه أن آتيكم به من الثواب، وأن يكون الأول مضافاً إلى المفعول، والثانى إلى الفاعل، ويجوز العكس. فإن العهد يضاف إلى المعاهد، بكسر الهاء، والمعاهد، بفتحها، واختار القاضى الوجه الرابع. لأنه تعالى عهد إليهم بالإيمان والعمل الصالح، بنصب الدلائل وإنزال الكتب، وعهد لهم بالثواب على حسناتهم. واعلم أن الوفاء بالعهدين على مراتب: فأول وفائنا بعهده تعالى: الإتيان بكلمة الإخلاص، وآخره الاستغراق فى بحر التوحيد، والإعراض عما سوى الله جميعاً. فيغفل الواحد منا عن كل شىء غير الله، حتى عن نفسه، فربما صادف أحدا ولا يحس بذلك، وربما صادف حائطاً أو جبلا فانشق له، وكان له فيه طريق، ولا يحس بجرح أو خدش. كما إذا غفل الإنسان المستفرغ فى شغل فلا يحس بخدش أو جرح. وأول مراتب وفاء الله تعالى بعهدنا: حقن الدم والذرية والمال. وآخرها: إدخاله إيانا الجنة. وقوله يا أهل الجنة إنى راض عنكم ولا أسخط عليكم أبدا. وتفسير العهدين بما ذكرته من العموم هو الأصل وقد فسره غيرى بتفاسير تجرى مجرى التمثيل، وتعتبر فيها الوسائط، مثل قول ابن عباس: أوفوا بعهدى فى اتباع محمد صلى الله عليه وسلم، أوف بعهدكم فى رفع الأضرار والأغلال. رواه ابن جرير الطبرى فى تفسيره، الذى اختصره ابن هشام اللخمى بسند صحيح عندهم، ومثل ما روى عنه فيه بسند ضعيف. ورواه أيضاً غيره عن ابن عباس: أوفوا بأداء الفرائض وترك الكبائر، أوف بالمغفرة والثواب. ومثل ما قيل: أوفوا بالاستقامة على الطريق المستقيم، أوف بالكرامة والنعيم المقيم. وهكذا جمهور العلماء، يفسر للعهد الأول بجميع الأوامر والنواهى. وقال الشيخ هود: العهد فى سورة المائدة فى قوله تعالى:
{ ولقد أخذ الله ميثاق بنى إسرائيل وبعثنا منهم اثنى عشر نقيبا } إلى قوله: { الأنهار } فدخلو الجنة عهد من الله لهم، وأخذ الميثاق عهد منهم لله. وقال الكلبى: كان الله قد عهد إلى بنى إسرائيل، على لسان موسى وأنبياء بنى إسرائيل، إنى باعث من بنى إسماعيل نبياً أميناً، فمن اتبعه وصدق به، وآمن بالنور الذى أنزل عليه، أغفر له وأدخله الجنة، وأجعل له أجرين اثنين: أجرا باتباعه ما جاء به موسى وأنبياء بنى إسرائيل، وأجرا آخر بإيمانه بالنبى الأمى. فلما بعث الله محمدا - صلى الله عليه وسلم - بما يعرفون، ذكرهم الله عهده فقال لهم: { أَوْفُواْ بِعَهْدِى } فى هذا النبى، { أُوفِ بِعَهْدِكُمْ } الذى عهدته لكم من إدخال الجنة وإيتاء أجرين. قال الله عز وجل: { وإذ أخذ الله ميثاق الذين أتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه } أى لتبينن ما فيه من أمر محمد - صلى الله عليه وسلم - وغيره، وسماه ميثاقا كما سماه عهداً، فان أصل العهد حفظ الشىء بالمراعاة، والتوثيق على الشىء المحافظة عليه ومراعاته. وقيل المراد بالعهد قوله تعالى: { وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما أتيناكم بقوة } يعنى شريعة التوراة. وقيل قوله عز وجل: { وإذ أخذنا ميثاق بنى إسرائيل لا تعبدون إلا الله } وياء نعمتى مفتوحة، وياء عهدى ساكنة. وقرأ بعضهم بإسكان ياء نعمتى أيضاً وإسقاطها درجا. وهو مذهب من لا يحرك الياء المكسور ما قبلها. قال أبو عمرو الأندلسى الدانى: اعلم أن جملة الياءات الإضافيات، المختلف فيهن بالفتح والإسكان، مائتا ياء وأربع عشرة ياء، منهن عند الهمزة المفتوحة تسع وتسعون، وعند المكسورة اثنتان وخمسون، وعند المضمومة عشر. وعند ألف الوصل التى معها اللام ست عشرة. وعند التى لا لام معها سبع، وعند باقى حروف المعجم ثلاثون.
فصل: اعلم أن كل ياء بعدها همزة مفتوحة، نحو قوله: إنى أعلم، وإنى أخاف، وشبهه. فالحرميان وأبو عمرو يفتحونها حيث وقعت، والحرميان ونافع وابن كثير، وتفرد ابن كثير من هذا الفصل، بفتح ثلاث آيات منها فى البقرة { فاذكرونى أذكركم } وفى غافر { ذرونى أقتل موسى } وفيها { ادعونى أستجب لكم } ونقض أصله فى روايته بعد ذلك فى عشرة مواضع، فسكن الياء فى آل عمران ومريم { اجعل لى آية } وفى هود { ضيفى أليس } وفى يوسف { إنى أرانى أعصر } فى موضعين أعنى الياء من إنى دون أرانى، و{ حتى يأذن لى أبى } أعنى الياء من لى و{ سبيلى أدعو } فى الكهف: { من دونى أولياء } وفى طه { ويسر لى أمرى } وفى النمل { ليبلونى ءأشكر } وزاد قنبل عنه سبعة مواضع، فسكن الياء فيها فى هود والأحقاف: { ولكنى أراكم } و{ فيها فطرنى أفلا } و { إنى أراكم } وفى النمل والأحقاف: { أوزعنى أن } وفى الزخرف: { من تحتى أفلا } وروى أبو ربيعة عن قنبل والبرى فى القصص عندى أولم بالإسكان وتفرد نافع، بفتح يائين، فى يوسف { هذه سبيلى أدعوا } وفى النمل { ليبلونى ءأشكر }. وروى ورش عنه { أوزعنى } فى السورتين، بالفتح، وروى قالون عنه الحرفين فى الإسكان ونقض أبو عمرو وأصله فى تسعة مواضع، فسكن الياء فيها فى هود { فطرنى أفلا } وفى يوسف { ليحزننى أن } و { سبيلى أدعو } وفى طه { لم حشرتنى أعمى } وفى النمل { أوزعنى } و { ليبلونى ءأشكر } وفى الزمر { تأمرونى أعبد } وفى الأحقاف { أوزعنى أن } و { أوتعداننى أن }، وفتح ابن عامر فى روايته ثمانى ياءات منها، { لعلى } حيث وقعت، وفى التوبة { معنى أبدا } وفى الملك { ومن معى وارحمنا } لا غير. وزاد ابن ذكوان عنه فى هود { أرهطى أعز }، وزاد هشام فى غافر { مالى أدعوكم } وفتح حفص من ذلك ياءين فى التوبة والملك { معى لا غير }، والباقون يسكنون الياء فى جميع القرآن.
فصل: وكل ياء بعدها همزة مكسورة نحو قوله تعالى: { منى إلا }، و{ منى إنك }، و{ يدى إليك }، و{ ربى إلى صراط }، وشبهه. فنافع وابن عمرو بن العلاء يفتحانها فى جميع القرآن، وتفرد نافع دونهم بفتح ثمانية مواضع، فى آل عمران والصف { من أنصارى إلى الله }، وفى الحجر { بناتى إن كنتم }، وفى الكهف والقصص والصافات { ستجدنى إن شاء الله }. وفى الشعراء { بعبادى إنكم }، وفى ص { لعنتى إلى يوم } وزاد ورش عنه فى يوسف { وبين إخوتى إن }. وفتح ابن كثير يائين فى يوسف { آبائى إبراهيم }، وفى نوح { دعائى إلاّ فراراً }. وفتح ابن عامر خمس عشرة ياء أخرى إلا حيث وقع فى المائدة { وأمى إلهين }، وفى هود { وما توفيقى إلا بالله }، وفى يوسف { وحزنى إلى الله }، و{ آبائى إبراهيم }، وفى المجادلة { ورسلى }، وفى نوح { دعائى إلا فرارا }. وفتح حفص ياء أخرى إلا حيث وقعت وفى المائدة { يدى إليك }، و{ وأمى إلهين } لا غير والباقون يسكنونها فى جميع القرآن.
فصل: وكل ياء بعدها همزة مضمومة نحو قوله عز وجل: { وإنى أعيذها بك }، { وإنى أريد }، { وإنى أمرت.. } وشبهه. فنافع يفتحها حيث وقعت، والباقون يسكنونها.
فصل: وكل ياء بعدها ألف ولام نحو قوله عز وجل: { ربى الذى }، و { آتانى الكتاب } و { عبادى الصالحين.. } وشبهه. فحمزة يسكنها حيث وقعت، وتابعه الكسائى على الإسكان فى ثلاثة مواضع: فى إبراهيم { قل لعبادى الذين }، وفى العنكبوت والزمر { يا عبادى الذين } فقط، وتابعه ابن عامر فى موضعين فى الأعراف { عن آياتى الذين }، وفى إبراهيم { قل لعبادى الذين }، وتابعه أبو عمرو فى موضعين أيضاً: فى العنكبوت وفى الزمر { يا عبادى الذين } فيها لا غير، وتابعه حفص على قوله فى البقرة { عهدى الظالمين } لا غير. وفتح الباقون حيث وقعت، وتفرد أبو شعيب، بفتح الياء، وإثباتها فى الوقف ساكنة فى قوله فى الزمر { فبشر عبادى الذين } وحذفها الباقون فى الحالين. ويأتى الاختلاف فى قوله: { فما آتانى الله } فى موضعه - إن شاء الله - وكلهم فتح الياء فى ثلاثة أصول مطردة، وتسعة أحرف متفرقة فالأصول قوله: { نعمتى التى أنعمت } و { وحسبى الله } { وشركائى الذين } حيث وقعت، والحروف أولها فى آل عمران وقد { بلغنى الكبر }، وفى الأعراف { بى الأعداء } و { ما مسنى السوء } و{ إن وليى الله } وفى الحجر { مسنى الكبر } وفى سبأ { أرونى الذين } وفى المؤمنون { ربى الله }، و { قد جاءنى البينات } وفى التحريم { نبأنى العليم الخبير }.
فصل: وكل ياء بعدها ألف مفردة نحو قوله: { إنى اصطفيتك } و { أخى أشدد } وشبهه، فسكن نافع من ذلك ثلاثا: { إنى اصطفيتك } و { أخى أشدد } و { يا ليتنى اتخذت } لا غير، وسكن ابن كثير فى روايته { يا ليتنى اتخذت } لا غير. وفى رواية قنبل { إن قومى اتخذوا } لا غير. وفتح أبو عمرو الياء حيث وقعت، وفتح أبو بكر { من بعدى اسمه أحمد } فقط وسكن الباقون الياء حيث وقعت.
فصل: وأما مجئ الياء عندى باقى حروف المعجم نحو قوله عز وجل: { بيتى } و { وجهى } و { مماتى } و { ما لى } و { لى }.. وشبهه. فنافع فى رواية يفتح من ذلك سبعاً { بيتى } فى البقرة والحج، و { وجهى } فى آل عمران والأنعام وفيها { ومماتى لله } و { ما لى } فى يس و{ لى دين }. وزاد ورش عنه ففتح أربع فى البقرة { وليؤمنوا } وفى طه { ولى فيها } وفى الشعراء { ومن معى } وفى الدخان { لى فاعتزلون } لا غير. وفتح ابن كثير خمساً { ومحياى } فى الأنعام و { من ورائى } فى مريم، و { ما لى } فى النمل ويس. و { أين شركائى } فى فصلت. وزاد البرى بخلاف عن { ولى دين } فى الكافرون. وفتح أبو عمرو ياءين: { محياى } فى الأنعام، و{ مال لى } فى يس لا غير. وفتح ابن عامر فى روايته: { سنا وجهى } فى الموضعين، وفى الأنعام { صراطى } و { محياى }، وفى العنكبوت { أن أرضى } و { ما لى } فى يس. وزاد هشام { بيتى } حيث وقع فى النمل و { لى دين } فى الكافرون لا غير وفتح حفص ياء { بيتى } و { وجهى } و{ معى } فى جميع القرآن و{ محياى } فى الأنعام، و{ لى } فى إبراهيم وطه والنمل ويس، وفى مكانين فى ص والكافرون لا غير. وفتح أبو بكر والكسائى ثلاثا { ومحياى } فى الأنعام و{ لى } فى النمل ويس لا غير. وفتح حمزة { ومحياى } فى الأنعام وحدها. ولم يفتح من جملة الياءات المختلف فيهن غيرها. وبالله التوفيق.
وقرئ { أوف } بفتح الواو وتشديد الفاء للمبالغة.
{ وَإِيَّاىَ فَارْهَبُونِ }: إياى مفعول لمحذوف على الاشتغال، يفسره ارهبون. والفاء صلة للتأكيد، وليس هذا كادعاء الاشتغال فى قولك: زيد أكرم، بتقدير الهاء، إذ لا دليل على حذفها، بخلاف الياء فى ارهبونى، فإن نون الوقاية دليلها، وكأنها بقية منها، وهى متولدة من كسرة نون الوقاية، وجملة المختلف فيه من الياءات المحذوفة: إحدى وستون ياء، أثبت ورش عن نافع منهن فى الوصل دون الوقف سبعاً وأربعين، وأثبت منهن فى رواية قالون عشرين، واختلف عن قالون فى اثنين: التلاقى والتنادى، فى غافر. وأثبت ابن كثير فى روايتيه فى الوصول والوقف إحدى وعشرين، واختلف عن قنبل والبزى عنه فى ست، فى إبراهيم { وتقبل دعائى } و{ يدعو الداعى } فى القمر والبلد، و { أكرمنى } و { أهاننى } فى الفجر. فأثبت البزى عنه الخمس فى الحالين، وأثبت قنبل بخلاف عنه فى الوادى، فى الوصل فقط، وحذف الأربع فى الحالين. وأثبت قنبل { إنه من يتق } فى يوسف فى الحالين، وحذفها البزى فيهما، وأثبت أبو عمرو من ذلك فى الوصل خاصة أربعاً ثلاثين وخير فى { أكرمنى } و { أهاننى } والمأخوذ له به فيهما بالحذف لأنهما رأسا آيتين، وأثبت الكسائى من ذلك فى الوصل ياءين: { يوم يأتى } فى هود، { ما كنا نبغى } فى الكهف لا غير. وأثبت حمزة الياء فى الوصل خاصة فى قوله: { وتقبل دعائى } فى إبراهيم، وأثبتها فى الحالين فى قوله تعالى فى النمل { أتمدوننى } لا غير، وحذفهن كلهن عاصم فى الحالين. واختلف عنه فى اليائين إحداهما فى النمل{ فما آتانى الله }، فتحها حفص فى الوصل وأثبتها فى الوقف ساكنة وحذفها أبو بكر فى الحالين. والثانية فى الزخرف: { يا عبادى لا خوف }، فتحها أبو بكر فى الوصل، وأثبتها ساكنة فى الوقف وحذفها حفص فى الحالين وأثبت ابن عامر فى رواية هشام الياء فى الحالين فى قوله تعالى فى الأعراف: { ثم كيدون } وحذف الياء فى الحالين، وفى رواية ابن ذكوان، بخلاف عن الأخفش عنه فى قوله فى الكهف: { فلا تساءلنى } لا غير. ويأتى - إن شاء الله - تفريش الياءات واحدة فى محلها وأشهر الروايات عن نافع رواية ورش وقالون وعن ابن كثير، رواية قنبل والبزى عن أصحابهما عنه وعن أبى عمرو رواية أبى عمرو وأبى شعيب عن اليزيدى عنه، وعن ابن عامر رواية ابن ذكوان وهشام، عن أصحابهما عنه، وعن عاصم، رواية أبى أبكر وحفص، وعن حمزة رواية خلف وخلاد عن سليم عنه، وعن الكسائى، رواية حفص والدورى وأبى الحارث. ويطلقون لفظ الحرميين على نافع وابن كثير نسبة إلى حرم مكة لابن كثير، وحرم المدينة لنافع، ولفظ الأخوين على حمزة والكسائى، وبعض الكوفيين عليهما مع عاصم والرهبة لخوف الذى معه تحزن، واضطراب الأمر بها يتضلن تهديداً ووعيداً بالغاً، والمعنى: خافونى فى ترك الوفاء بعهدى. وفى كل ما تفعلون وما تتركون خوفاً عظيماً، ولا تخافوا غيرى، وهذا أوكد من قوله تبارك وتعالى { إياك نعبد } لما فيه تكرير الفعل، كما علمت من قولى إنه من الاشتغال، والأصل، إياى ارهبوا فارهبون. وإنما قدمت إياى على المقدر للحصر وقيل يقدر مؤخراً أى راهبونى فارهبون. فلما حذفت ارهبو انفصل الضمير، وزعم بعض: أن إياى توكيد للياء المحذوفة فى ارهبون، مقدم على مؤكده وأما الفاء فقد مر أنه صلة للتأكيد أو هى تأكيد آخر، غير موجود، فى قوله عز وجل: { إياك نعبد } وقيل رابطة الجواب أما فهى أيضاً تفيد تأكيدا أو ربطاً مع تأكيد آخر بإما المقدرة. أى: أما إياى فارهبون. وليس أما هذه للتفضيل، وإن جعلت للتفضيل قدر لا ترهبون غيرى، كأنه قيل: مهما يكن من شىء، أو إن كنتم راهبين شيئاً فارهبون. ويجوز أن تكون عاطفة، فليس ذلك اشتغال، أى: ارهبونى فارهبون. أو إياى ارهبوا فارهبون. وذلك من عطف التوكيد اللفظى بالفاء كقوله: { أولى لك فأولى، ثم أولى لك فأولى } ويجوز أن يكون غير توكيد اصطلاحى، بل المعنى: ارهبون مرة بعد مرة، فاللفظ رهبتان، والمعنى أكثر، قال صلى الله عليه وسلم:
"قال ربكم سبحانه لا أجمع على عبدى خوفين، ولا أجمع له أمنين، فمن خافنى فى الدنيا آمنته فى الآخرة ومن أمننى فى الدنيا أخفته فى الآخرة" رواه الترمذى فى نوادر الأصول. وذكره الطبرى فى التذكرة ورواه ابن مالك فى وقائعه من طريق الحسن البصرى: "وعزتى لا أجمع على عبدى خوفين ولا أجمع له أمنين فاذا أمننى فى الدنيا أخفته يوم القيامة وإذا خافنى فى الدنيا أمنته يوم القيامة" رواه الترمذى أيضاً فى كتاب ختم الأولياء. قال صاحب الكلم الفارقية والحكم الحقيقية، بقدر ما يدخل القلب من التعظيم والحرمة، تنبعث الجوارح فى الطاعة والخدمة. والله أعلم.