خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قَالُواْ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ ٱلبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّآ إِن شَآءَ ٱللَّهُ لَمُهْتَدُونَ
٧٠
-البقرة

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ قَالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَّنَا مَا هِى }: تكرير للسؤال واستكشاف زائد ليزدادوا إيماناً بها وقرباً، من امتثال الأمر ومعرفة بها، وهو بمنزلة قولهم: إنا على حالنا الأول لم يكفنا ما أجبتنا به يا موسى، ولذلك أعادوا السؤال الأول بلفظه. وتقدم عن ابن عباس وغيره عنه صلى الله عليه وسلم: "لو ذبحوا أى بقرة أرادوا لأجزتهم ولكن شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم" وفى رواية: "لو اعترضوا أدنى بقرة فذبحوها لكفتهم، ولكن شددوا فشدد الله عليهم" . والاستقصاء شؤم. وكتب بعض الخلفاء إلى عامله أن يذهب إلى قوم فيقطع أشجارهم ويهدم دورهم، فيكتب إليه بأيهما أبدأ؟ فأجابه: إن قلت لك ابدأ بقطع الشجر سألتنى بأى نوع منها أبدأ؟.وعن عمر بن عبد العزيز: إذا أمرتك أن تعطى فلاناً شاة سألتنى أضأن أم ماعز؟ فان بينت لك قلت: أذكر أم أنثى؟ فإن أخبرتك قلت: أسوداء أو بيضاء؟ وإذا أمرتك بشئ فلا تراجعنى. وفى الحديث: "أعظم الناس جرماً من سأل عن شئ لم يحرم فحرم من أجل مسألته" . قال الله سبحانه وتعالى: { { لا تسألوا عن أشياء إن تُبْدَ لَكم تسُوءكم } ، وقيل معنى قولهم هنا: { ادع لنا ربك يبين لنا ما هى } أسائمة ترعى وتترك للولادة والنمو أم عاملة بالحرث والحمل على ظهرها؟
{ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا }: هذه الجملة اعتذار عن قولهم ثانياً ما هى؟ وتعليل مستأنف عائد إلى قوله { ادْعُ } أو إلى قوله: { يبيّن } كأنه قيل: { قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هى إن البقر تشابه علينا } يَعْنُون أن جنس البقرة الموصوفة بكونها عواناً صفراء فاقعة اللون سارة للناظرين متشابه، لأن هذه الصفات قد توجد فى بقرات متعددات لا تحصى، وقد توجد فى متعددات قليلة، أو فى بقرتين، فلم تتعين لنا المقصودة بعينها. وقرأ محمد ذو الشامة: { إن البقر تشابه علينا } بفتح المثناة التحتية وتشديد الشين وفتح الموحدة وضم الهاء. والأصل يتشابه أبدلت التاء شيناً وأدغمت فى الشين، والباقر اسم لجماعة البقر. وقرأ: (الأباقر تتشابه علينا) بمثناتين فوقيتين، وتخفيف الشين وفتح الباءِ وضم الهاءِ. والأباقر جمع باقرا وبقرا وبقرة على خلاف ما يقاس عليه. وقرأ: (إن البواقر تتشابة علينا) بمثناتين فوقيتين، وتخفيف الشين وفتح الباء وضم الهاء، والبواقر جمع باقر. وقرأ: (إن البقر يتشابه علينا) بمثناة تحتية فمثناة فوقية، وتخفيف الشين وفتح الموحدة وضم الهاء. وقرأ: (إن البقر يتشابه علينا) بمثناة تحتية وتشديد الشين، وفتح الباء الموحدة وضم الهاء. وقرأ: (تشابه) بمثناة فوقية وتشديد الشين وفتح الموحدة وضم الهاء. وقرأ: (تشابهت) بفتح المثناة الفوقية وتخفيف الشين وفتح الموحدة والهاء آخرها تاء ساكنة. وقرأ: (تشابهت) بهذا الضبط كله نفسه إلا الشين فمشددة. وقرأ: (تشابه) بمثناة فوقية وتشديد الشين والموحدة المفتوحة وضم الهاء وإسقاط الألف، وأصله تتشبه كتتكلم بمعنى تتشابه، وقرأ: (يشبه) بهذا الضبط كله نفسه إلا أن أوله مثناة تحتية. وقرأ: (إن البقر متشابه) بميم مضمومة ومثناة فوقية وشين مفتوحتين خفيفتين وكسر الموحدة بعد الألف، وضم الهاء منونة، وقرأ: (متشابهة) بذلك الضبط إلا أن الهاء مفتوحة بعدها تاء مضمومة منونة. وقرأ (إن البقر مشبهت) بضم الميم وإسكان الشين وكسر الموحدة وفتح الهاء بعدها تاء مضمومة، وقرأ: (إن البقر مشتبه) بذلك الضبط كله إلا أن الهاءَ مضمومة منونة لا تاء بعدها وقرأ: (إن البقر تشابه) بتشديد التاء والشين وفتح الباء والهاء أصله تتشابه أدغمت التاءُ فى التاء وجلبت همزة الوصل.
{ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ }: إلى وصفها، أو إلى الذى يراد ذبحها، والمعنى واحد: أو إلى القاتل. وفى هذا الكلام منهم انقياد وإنابة وما تلويح وإقرار بأنهم قد تباطئوا وتطاولوا عن الامتثال، وإشعار ما بأنهم ندموا بعض ندم، وبأنهم قد حرضوا الأن على الموافقة، وعنه صلى الله عليه وسلم:
"لو لم يستثنوا لما بينت لهم آخر الآبد" وفى رواية: "لولا ما استثنوا ما اهتدوا إليها أبداً" ، وما الأولى مصدرية إلى لولا استثناؤهم، وتسمية مثل قولك: إن شاء الله استثناء حقيقة فى اللغة والشرع، لأنك تقول: أقوم، إن أراد زيد فتخص قيامك بإرادته، ولو قلت: أقوم، لكان المعنى أقوم أراد أو لم يرد. فقولك إن أراد إخراج من عموم أقوم، والمراد الآخر الأبد آخر أبد الدنيا، وإلا فالأبد لا آخر له، وفى قولهم إن شاء الله إقرار بأن الاهتداء لا يحدث إلا بارادة الله تعالى، وكذا لا يحدث نقص شئ ولا زيادة شئ إلا بإذن الله عز وجل، وفى الآية عندنا وعند قومنا دلالة على أن الأمر بالشئ قد ينفك عن إرادة وقوعه، كما يأمر الله عز وجل الكفار بالإيمان، وقد قضى وأراد أنهم لا يؤمنون، وكذا النهى عن الشئ قد لا ينفك عن وقوعه كما ينهاهم عن شئ، وقد قضى وأراد أني يفعلوه، وهذه الإرادة بمعنى القضاء، فهى غير حادثة، وذلك أنه أمرهم بالذبح فقالوا إن شاء الله، فاشترطوا للاهتداء مشيئته، فدل أنهُ لو لم يشأ لم يهتدوا، ولو أمرهم وصح الاستدلال بمقالهم، لأن ظاهره أمر شرعى ولم يزجروا عنه، فدل على أنهُ شرعى مقبول.
وقالت المعتزلة والكرامية: إن الإرادة حادثة لأنهم قالوا إن شاء الله بالشرط، والشرط مستقبل، ويرده أن المراد إن ثبت أن الله أراد فى الأزل اهتداؤنا، وما تعليقهم الاهتداء بمشيئته إلا لكونه متعلقاً بها، وأقول أما الإرادة المقارنة للفعل أو الترك، فحادثة قطعاً وهى توجيه أسباب الفعل أو الترك.