خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِذْ رَأَى نَاراً فَقَالَ لأَهْلِهِ ٱمْكُثُوۤاْ إِنِّيۤ آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّيۤ آتِيكُمْ مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى ٱلنَّارِ هُدًى
١٠
-طه

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ إذْ رَءا نَارًا } متعلق بحديث لأنه اسم مصدر دال على الحدث فهو بمعنى التحدث بل أجاز الدمامينى التعلق بنحو الحديث والدمن مما فيه إشارة إلى الحدث إشارة مّا مع أنه غير مصدر ولا اسمه ولا غيرهما مما يعلق فيه الجار والظرف والحديث يستعمل اسم مصدر واسما كرجل ويجوز أن يكون إذ مفعولا لا ذكر والمراد بالنار النور، فإنه رآه وظنه نارا. وقيل: نار حقيقة.
روى أن موسى عليه السلام استأذن شعيبا فى الرجوع من مَدْين إلى مصر ليزور والدته وأخاه، فأذن له وخرج بأهله وماله فى أيام الشتاء فى ليلة مظلمة باردة مثلجة ليلة جمعة، وأخذ على غير الطرق مخافة ملوك الشام وامرأته حامل، وهى فى أيام الولادة لا تدرى أتضع ليلا أو نهاراً وتفرقت ماشيته وألجأه المسير إلى جانب الطور الغربى الأيمن ووُلد له ابن فى وادى طوى، فأخذ زَندَه يقدح ولا تُخرج نارا، فأبصر نارا فى جانب الطور عن يسار الطريق من بعيد، وقد تحيّر عن الطريق فرأى نارا عظيمة.
{ فَقَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا } أقيموا مكانكم. وقرأه حمزة بضم الهاء. قال الصبان عن غيره: وهو لغة الحجاز.
{ إنى آنَسْتُ نَارًا } أبصرتها من بعيد. وقيل: أبصرتها إبصارا لا شبهة فيه.
وقيل: الإيناس: إبصار ما يؤنس به.
{ لَعلِّى آتِيكُمْ } اسم فاعل باعتبار أن الأصل فى الإخبار الإفراد أو مضارع باعتبار أنه الأصل فى الاستقبال على الصحيح والدلالة على التجرد وأما كونه الأصل فى العمل فضعيف هنا لضعف تفاوت الوصف والمضارع فى العمل فى الظروف والمجرورات.
{ مِنْها بِقَبَسٍ } شعلة: وقيلِ: جمرة. والشعلة تطلق على فتيلة وعود وحطب أوقدت فى طرفه.
{ أوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى } الاستعلاء مجازى فإنه لا يكون أحد فوق النار ولكن شبه الكون بجنبها بالكون عليها فاستعار لفظ على بجامع القرب والاتصال أو لمّا كان مَن بجنبها مستعليا على ما يقرب منها أطلق أنه استعلى عليها، أو الاستعلاء حقيقى، فإن من كان بجانب النار يستعلى عليها للاصطلاء ولا سيما فى تلك الليلة. وأيضا هو مُشْرف عليها فى الجملة ولو بلا اصطلاء.
ويحتمل أن يريد بالاستعلاء عليها ملكها. وأنشد ابن هشام وغيره:

وبات على النار الندى والمحلّق

بالاستعلاء المجازى والمراد لعلى أجد عند النار هداية إلى الطريق، أو إلى أبواب الدين، أو إلى الكل فتصح أن تكون على بمعنى مع. ولا بُعد فى إرادة الكل أو إرادة أبواب الدين؛ فإن أفكار الأبرار مائلة إلى الدين فى كل أحوالهم ووجود الهداية: دخولها له.
وقدر بعضهم هدى بهاديا وبعض بذا هدى.
ولما كان الإيناس محققا مقطوعا به أكده لهم بإنّ لتوطُّن أنفسِهم.
وأما الإتيان بالقبس ووجود الهدى فمترقَّبان، فجاء بلعل طمعا وإطماعا ولم يقطع لعدم دليل القطع، فلو قطع استراحت أنفس إبله إلى القبس والطريق استراحة كلية. فإذا لم يجد ما قصد انقلبت تلك الاستراحة حزنا عظيما لشدة عدم ما وطّنت النفس على وجوده كذا ظهر لى.
روى أنه لما وصل إلى النار وجدها تخرج من جذع شجرة شديدة الخضرة يقال لها: العليق. وقيل: العوسج. وقيل: سمرة وقيل: شجرة العناب. والنار بيضاء عمت أجزاء الشجرة تكاد تخطف البصر ساطعة ووقف ينظر متحيراً، ولعل شيئا يسقط، فطال عليه ذلك، فأخذ ضِغثا من حطب رقيق ليقتبس، فمالت إليه كأنها تريده. وما زال يجئ لها ويذهب حتى خمدت واستترت فى أصل الجذع، فزاد تعجبا وتحيرا فصار يطوف يمينا وشمالا وقيل: نار خضراء.
وروى أنه كان غيورا فصار يمشى ليلا بأهله لا نهارا ولما ذهب إلى النار تباعدت منه ومشت، فرجع فتبعته، وهكذا، فتيقن أنه أمر خارق.