خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ أَعْمَىٰ
١٢٤
قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِيۤ أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً
١٢٥
-طه

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِى } بأَن لم يؤمن به.
{ فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا } مصدر بمعنى الضيق، ولذا وصف به مؤنث وهو مذكر، وذلك مبالغة، أو يقدر مضاف، أو يؤول بالوصف.
وقرئ ضَنْكَى بألف التأنيث وصفا كسكرى.
وهذه المعيشة فى الدنيا.
وقيل: فى الآخرة.
وقيل: فى البرزخ. ويحتمل الجميع.
ووجه الأول أن الكافر ولو وسع ماله لكن همته الدنيا وازداده ليرى الخلَف، لا خوف له من انتقاصها، فهو فى ضيق من ذلك، بخلاف المؤمن، فإنه فى سهولة لتوكله مع أن الرزق قد يضيق بشؤم الكفر. وكذا يسلط الله الذل به نحو
{ ضُرِبتْ عليهم الذلة والمسكنة } الخ { { ولو أنهم أقاموا التوراة } الخ { ولو أن أهل الكتاب آمنوا } الخ { { استغفروا ربكم } الخ { { وأن لو استقاموا } الخ.
وقال الحسن: المعيشة الضنك: الضريع والزقوم والغِسلين فى النار.
وقال ابن مسعود وأبو هريرة وأبو سعيد الخدرى: إنه عذاب القبر، يضغطه القبر حتى تختلف أضلاعه، فلا يزال يعذب حتى يبعث.
قال صلى الله عليه وسلم:
"المعيشة الضنك: عذاب الكافر فى القبر يسلط عليه تسعة وتسعون تنِّينا، لكل تِنِّينٍ تسعةُ رءوس تلسعه وتخدشه" .
وروى: إنه إذا وضع المؤمن فى قبره وانصرف عنه الناس، أتاه الملَك من اليمين فتقول له الزكاة: لا تفزِّعْه من قِبَلى، وجاءه من رأسه فيقول القرآن الذى يقرؤه كذلك، ثم مِن رجليه، فتقول الصلاة كذلك، فيوقظه بلين فيقول: مَن ربُّكَ؟
فيقول: الله لا شريك له.
ومَن نبيك؟
فيقول: محمد صلى الله عليه وسلم.
وما دينك؟
فيقول: الإسلام.
فيقول الملَك: وعلى ذلك أُحييتَ، وعليه مُتُّ.
فيقول: نعم.
فيقول: وعلى ذلك تُبعث؟
فيقول: نعم.
فيقول: صدقتَ.
فيُفتح جنب قبره إلى منزله فى الجنة، فيبشر وجهه ويقول له: نم نوم العروس.
وأما الكافر فلا يجادل عنه شئ، ويعنِّفه ويقول له: مَن ربك؟
فيقول: أنت.
ومَن نبيك؟
فيقول: أنت.
وما دينك؟
فيقول: أنت! لو كان لك إله تعبده لاهتديت له.
فيُفتح له جنبَ قبره إلى منزله فى النار، ويضرب ضربة يزول بها كل عظم عن موضعه، يَسمع صياحَه غيرُ الثقلين، ثم يقذف فى مقلاة، ينفخ له نافخين، لا يميل إلى هذا إلا ردَّه هذا، حتى ينفخ فى الصور، فتخمد عنه النار إلى أن يُبعث.
وقيل: المعيشة الضنك: الحرام.
وعن ابن عباس: الشقاء. وعنه: المال الحرام، وما أنفق فى محرم.
وقيل: سلب القناعة حتى لا يشبع.
وعن بعض الصوفية: لا يعرض أحد عن ذكر ربه إلا أظلم عليه وقتله.
{ وَنَحْشُرُهُ } وقرئ بسكون الهاء إجراءً للوصل مجْرَى الوقف.
وقرئ بالجزم عطفا على محل { فإن له معيشة ضنكا } فإنه فى محل جزم جواب من. وأما جواب إن فمجموع من وشرطها وجوابها.
{ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى } قال ابن عباس: أعمى البصر.
وقيل: معناه لا حجة له.
وقيل: أعمى القلب.
ويؤيد الأول قوله: { قَالَ رَبِّ } يا رب { لِمَ حَشَرْتَنِى أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا } فى الدنيا، وعند البعث؛ فإن قلبه قد عمى أيضًا فى الدنيا، ولا حجة له فيها على كفره.
وقد يقال: إنه كان فى الدنيا يحتج بأشياء، وإذا حشر أزالها الله عن قلبه، مع أنها لو حضرته لم تنفعه فيقول: يا رب قد كان لى شئ أتمسك به فزال عنى، أو قوله ذلك كناية عن اضمحلال ما قد كان فى الدنيا يحسبه حجة وبصيرة.
ولما ظهر له أنه لا ينفع قال: يا رب هذه منك نقمة لِمَ لَمْ تحشرنى هنيئا كما كنت فى الدنيا؟