خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِذْ تَمْشِيۤ أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ مَن يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَىٰ أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلاَ تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ ٱلْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِيۤ أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَىٰ قَدَرٍ يٰمُوسَىٰ
٤٠
وَٱصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي
٤١
-طه

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ إذْ تَمْشِى أُخْتُكَ } مريم لتتعرف خبرك وقد أحضروا مراضع ولم تَقبل عن واحدة وصادفتهم الأخت فى حال إحضار المراضع وطلبهن، وهى غير أم عيسى فقالت ما قال الله.
{ فَتقُولُ } الخ، وإذ متعلقة بألقيت أو تصنع، أو بدل من إذ قبله، على أن المراد بهما وقت متسع ويجوز كونها تعليلا لأوحينا أو اقذفى الأول أو الثانى.
{ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكفُلُهُ } أى على امرأة ترضعه ويقبل عنها، ومَن واقعة على المؤنث والتذكير نظرا للفظ، فقالوا: نعم فجاءت بأُمه فقيل عنها كما قال الله عز وجل:
{ فَرَجَعْنَاكَ إلَى أُمِّكَ } وفاء بقولنا: { إنا رادوه إليك } { كَىْ تَقَرَّ }. هى. { عَيْنُها } بلقائك ورؤيتكْ
{ وَلاَ تَحْزَنْ } هى بفراقك فالفاعل مستتر جوازاً أو لا تحزن أنت على فراقها فالفاعل مستتر وجوبا وموسى عليه الصلاة والسلام فى ذلك الوقت ولو كان صغيراً جعل الله فيه من العقل ما يفرح به ويحزن، أو المراد لا تحزن إذا وصلت حدًّا يمكنك فيه الفرح والحزن.
وإن قلت: كيف يقال: لا تحزن بفراقك وقد حزنت بفراقك؟
قلت: المراد لا تحزن بعد أى ليذهب عنها الحزن.
تتمة:
روى أن موسى هو موسى بن عمران بن يصهر بن فاهث بن لاوى ابن يعقوب.
روى أن يعقوب ولد لاوى وقد مضى من عمره تسع وثمانون سنة ثم إن لاوى نكح ثابتة بنت ماوى بن يسخب ولدت له عرشون ومزى وفاهث بن لاوى وولد لاوى فاهث بعد إذ مضى من عمره ست وأربعون سنة فنكح فاهث ابن لاوى فاهى بنت تلويب بن بركيا بن يغشان بن إبراهيم، فولدت له يصهر بعد أن مضى من عمره ستون سنة وكان عمر يصهر مائة وسبعا وأربعين سنة فولد عمران ونكح عمران بن يصهر نجيبا بنت اشموئيل بن تركيا بن يغشان بن إبراهيم فولدت له هارون وموسى.
وقيل: اسم أمها ناجية. وقيل: لوحا وهو المشهور وكان عمر عمران مائة وسبعا وثلاثين وولد له موسى. وقد مضى من عمره سبعون سنة. وعاش موسى مائة وعشرين سنة. وموسى اسم سريانى.
وعن عكرمة عن ابن عباس: سمى موسى لأنه ألقى بين شجر وماء فالماء بالقبطية مو والشجر سا.
وقال المناوى: أصله موشى بالقبطية مو الماء وشا الشجر.
وروى أنه لما أراد فرعون ذبحه لظنه أنه الذى يهلك على يده استوهبته منه آسية فوهبه لها فقال: سميه فسمته موسى.
وكان طويلا وهارون أطول منه. وكان على أرنبته ولسانه شامة.
وكان موسى آدمَ جَعْداً كأنه من رجال شَنُوءة وفى طرف لسانه شامة سوداء وهارون أخوه شقيق كما مر.
وقيل: لأمه. وقيل: لأبيه ومات قبل موسى.
وروى أنه ولد قبله بسنة، ومر خلافه. ورآه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء ونصف لحيته أبيض ونصفه أسود تكاد لحيته تضرب إلى سرته من طولها.
فقلت: يا جبريل مَن هذا؟
قال: المحبب فى قومه هارون بن عمران
وعن بعض أن معنى هارون بالعبرانية المحبب.
{ وَقَتَلْتَ نَفْسًا } هو القبطى بمصر فاغتممت لقتله من جهة فرعون وخوفاً من عقاب الله وكان موسى وقت النقل صاحب اثنتى عشرة سنة.
{ فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ } غم القتل وغم الخوف وعقاب الله بأَن استغفر فغفر له.
{ وَفَتَنَّاكَ } ابتليناك بالإيقاع فى غير ذلك وخلصناك منه. وقيل: اختبرناك والماصَدَقُ واحد.
{ فُتُونًا } مصدر كالشكور أو جمع فتن أو فتنة مفعول مطلق أى ابتليناك ابتلاء وابتليناك ضربا من الابتلاء فخلصناك مرة بعد أخرى.
سأل سعيد بن جبير ابن عباس - رضى الله عنه - عن ذلك فقال: خلصناك من محنة بعد محنة: ولد فى عام يقتل فيه الصبيان، فهذه فتنة يا ابن جبير. وهَمَّ فرعون بقتله، فهذه فتنة يا ابن جبير. وقتل قبطيًّا، وهَمَّ فرعون بقتله، فهذه فتنة يا ابن جبير. وأجَّر نفسه عشر سنين، فهذه فتنة يا ابن جبير. وضل الطريق، فهذه فتنة يا ابن جبير. وتفرقت غنمه فى ليلة مظلمة، فهذه فتنة يا ابن جبير ومشى حافياً جائعًا يأْكل البقل ثمانى ليال إلى مَدْيَنَ حين قتل القبطى، فهذه فتنة يا ابن جبير. وفارق الأحباب والوطن، فهذه فتنة يا ابن جبير؛ فالفتون إجمال لما لقى فى سفره وغيره قبل؛ أو لما لقى فيه فقط. ومن ذلك منعه الرضاع إلا من ثدى أمه.
{ فَلَبِثْتَ } أقمت { سِنِينَ } عشر سنين يرعى غنم شعيب مهر زوجته وثمانى عشرة بعد ذلك بلا رعى، وذلك ثمان وعشرون سنة أقامها مع شعيب صلى الله عليه وسلم وولد له.
وقيل: عشر سنين فقط. والأول قول وهب.
وقال الشيخ هود -رحمه الله -: عشرين سنة
{ فِى أَهْلِ مَدْيَنَ } بلدة على ثمانى مراحل من مصر. وزعم بعض أنها على ثلاث مراحل.
{ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى } هو القدر الذى يذكر مع القضاء فى كتب الفقه، أى جئت على ما سبق فى قضائى وقدرى، من وقت مخصوص غير مقدم أو مؤخر أكلمك فيه وأستنبئك. وهو الوقت الذى أوحى فيه إلى أَنبيائى ورسلى وهو تمام أربعين سنة. تلك أن تقول: القدر - بفتح الدال-: القدر المحدود بسكونها. وهو ذلك الوقت. وفسره بعض بالقدرة.
وفى الآية تلويح إلى تمثيل حاله بحال من يراه بعض الملوك أهلا لقرب المنزلة واللطف العظيم لجمعه الخصال. ويرشح ذلك قوله: { وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِى } اخترتك لمحبتى وجعلتك محل الإكرام.
ويحتمل أن يكون التمثيل فى قوله: { واصطنعتك لنفسى } أى ائتمنتك على وحيى ورسالتى وجعلتك خليفتى حتى كأنى الذى أقمت عليهم الحجة وخاطبتهم.