خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ فَٱجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لاَّ نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلاَ أَنتَ مَكَاناً سُوًى
٥٨
قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ ٱلزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ ٱلنَّاسُ ضُحًى
٥٩
-طه

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ فَلَنَاْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ } وجعل يجمع السحرة وهو يعلم أنه رسوله ولكنه طمع أن يضعف ويخاف، وأن يجد فرصة فى إلقاء شئ يتكلم به الناس من جانبه على موسى.
{ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا } مصدر ميمى بمعنى الوعد لقوله: { لاَ نُخْلِفُهُ نَحْنُ ولاَ أَنْتَ } فليس باسم زمان أو مكان؛ لأن الإخلاف إنما يناسب معنى المصدر وهو الوعد كل المناسبة، لكنه قد يصح أن يكون اسم زمان أو اسم مكان؛ لجواز أن يقال: خلف زمان الوعد أو مكانه بمعنى تخلف عنه وتركه ولا يقال: لو جعل اسم زمان أو مكان لبقى قوله: { مَكَاناً سُوًى } بلا ناصب؛ لأنا نقول: هو غير منصوب بموعد ولو جعل مصدراً ميمياً؛ لأنه قد نعت بجملة لا نخلفه، والمصدر المنعوت لا يعمل، فناصبه فعل محذوف دل عليه موعد أى نعد مكانا سويا ونصبه على المفعولية لا الظرفية؛ لأنهم فى زمان إثبات الموعد ليسوا فى ذلك المكان السوى، ولا أرادوا أنهم يمشون إليه ويعيّنون فيه الموعد إلا على تضمين نعد مكانا سويا نلقى الوعد فيه من موضعنا. وقيل على نزع فى وكما يدل الموعد مصدرا على ذلك المحذوف يدل الموعد مكانا أو زمانا؛ لأن اسمى الزمان والمكان الميميين معناهما المكان والحدث، والزمان والحدث. والحدث هنا هو المصدر.
نَعم دلالة المصدر على المحذوف المذكور أولى؛ لأن معناه الحدث فقط فهو بكليته يدل على المحذوف.
وظاهر جار الله أن مكانا منصوب بموعد وموعد مصدر، وهذا بناء على جواز عمل المصدر المنعوت. وفيه بحث بسطته فى البحر وابن هشام منع عمل المصدر الموصوف قبل العمل.
قال ابن عقيل فى شرح التسهيل: ويجوز بعده. ويجوز كون مكانا بدلا من موعدا. أما على جهة الموعد اسم مكان فواضح. وقد مر أن الإخلاف يناسب المكان والزمان مناسبة دون مناسبة المعنى المصدرى، خلافا للقاضى وجار الله فى قولهما: إنه لا يناسبهما.
وإن جعلنا الموعد مصدر ميمياً قدر مضاف أى مكان وعد، ويطابق هذا جوابه فى قوله: { قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمَ الزِّينَةِ } فإِن يوم الزينة يدل على مكان مشهور باجتماع الناس فيه فى ذلك اليوم.
وإذا جعلنا الموعد الثانى اسم مكان لا يصح الإخبار عنه بيوم فيقدر مضاف أى موعدكم مكان يوم الزينة، ولا تحتاج لتقدير نادى بعد لفظ مكان المقدر كما قدره القاضى.
وإن جعلنا الموعد الثانى اسم الزمان فواضح، ولا تقدير لكنه لا يطابق الموعد الأول إلا إن جعل الأول اسم زمان أو جعل اسم مكان وقدر مضافان، أى مكان يوم موعدكم يوم الزينة أو جعل مصدراً وقدرت الإضافة أى وعدكم وعد يوم الزينة.
وقرأ الحسن بنصب اليوم على الظرفية مخبرا به عن موعدكم.
وعلى هذا القراءة فموعدكم مصدر ومضاف إليه وعليها تترجح مصدرية الموعد الأول ولا تجب خلافا لبعض، ولا يمتنع عليها خلافا للبعض أن يجعل الموعد الثانى زمانا لجواز ظرفية الزمان الخاص وهو هنا الزمان الذى يقع فيه ما يريد كل منهم فى العام، وهو هنا جملة اليوم كقولك ساعة الإجابة فى يوم الجمعة. كذا ظهر لى فى تحقيق المقام وعليك السلام.
ويجوز على قراءة الحسن كون خبر الموعد ضحى، أى ضحى من ذلك اليوم، على أن موعدكم زمان.
وقرئ بجزم تخلف فى جواب الأمر وبضعف كون لا ناهية والقول مقدر، أى مقولا فيه: لا تخلفه.
وقرئ بعدم تنوين سوى، وقرئ بضم السين مع التنوين وتركه.
ووجه عدم التنوين وتركه الوصل بنية الوقف، أو جرى الوصل مجرى الوقف.
ونص أبو عمرو أن عاصما وابن عامر وحمزة قرءوا بالضم والباقين بالكسرة، وأن أبا بكر وحمزة والكسائى وقفوا على سوى.
وقرأ أيضا بالضم يعقوب. ومعنى سوى على القراءات: تستوى مسافته إلينا وإليك قاله مجاهد.
وقيل: مستو غير منخفض ولا مرتفع وليس بمعنى غير؛ لأن سوى بمعناها لا تتجرد على الإضافة خلافاً لمن قال: هو بمعناها أى لا نعوضه مكانا سواه.
وقراءة كسر السين شاذة، من حيث إنه جمع سوى بفتح السين وكسر الواو وتشديد الياء الذى أصله سَوُوى بوزن صبور اجتمعت الواو والياء والسابقة ساكنة قلبت الواو ياء وأدغمت وقلبت ضمة الواو قبلها كسرة وفعول بفتح الفاء لا يجمع على فِعل بكسر الفاء وفتح العين، ونظيره عدوّ وعِدا بكسر العين. قالوا ولا ثالث لهما. هذا حاصل ما حلّلت عليه كلام بعض، لكن لك أن تقول: سِوى مفرد وكذا سُوى بالضم. سلمنا أن المكسور جمع لكن لا نسلم أن سويا أصله بوزن صبور بل أصله بوزن فعيل.
ويوم الزينة هو يوم عاشوراء، يوم فرح لهم، يوم عيد فى كل عام ووافق أنه كان يوم سبت وأول سنة وقيل: يوم سوق.
وإنما عيَّنه ليظهر الحق على رءوس الأشهاد. وإنما أضيف الزينة لتزينهم فيه.
وقال الثعالبى: وقيل: هو يوم كسر الخليج الباقى إلى الآن.
{ وأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى } عطف على اليوم، أى وعدكم وعد يوم الزينة وحشر الناس، أو على الزينة، أى يوم الزينة وحشر الناس وضحى متعلق بيحشر.
وقرئ بالبناء للفاعل ونصب الناس، وفى يحشر حينئذ ضمير فرعون إما التفاتا من الخطاب للغيبة، وإما على طريقة خطاب الملوك كما تقول بحضرة الملك: يفعل الملك كذا. ففيه بعض من التاليين المأمور به. وإما على الخطاب فى موعدكم للقوم دون فرعون، والتكلم فى قوله يحشر عائد لفرعون أو فى يحشر ضمير اليوم.
وقرئ بالتاء والبناء للفاعل خطابا لفرعون والناس هم أهل مصر أو هم وغيرهم.