خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوۤاْ إِنَّمَا صَنَعُواْ كَيْدُ سَاحِرٍ وَلاَ يُفْلِحُ ٱلسَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ
٦٩
-طه

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وَأَلْقِ مَا فِى يَمِينِكَ } أى العصى وإنما أبهمها تحقيرا لكيدهم بتخريجها مخرج التحقير، أى لا تُبالِ بما رأيت من سحرهم؛ فإنه مع كثرته إنما تمحقه عصًا صغيرة، ولا تُبقى منه أثرا ولا عينا، أو أبهمها تعظيما لها أى لا تُنال بسحرهم؛ فإن فى يدك شيئاً عظيماً يدمغه.
{ تَلْقَفْ } تبلغ بقدرة الله عز وعلا. وأصله تتلقف حذفت تاء الماضى أو تاء المضارع. وتاء المضارع إما للتأنيث مراعاة لمعنى { ما } لوقوعها على العصَى والعصَى مؤنث، أى تلقف عصاك، فضمير تلقف عائد لما وما بمعنى العصى، وإما خطاب لموسى تجوز فى الإسناد إذ أسند التلقف إليه مع أنه للعصى، لأنه له فيه تسبب وهو الإلقاء أو للمجاورة.
وقرأ ابن عامر بالرفع على الحال المقدرة، أى ألقها وهى فى قوة التلقف، أو على الاستئناف.
وقرأ حفص بالجزم وإسكان اللام فلا تشدد القاف من لقفته بعدم التشديد بمعنى تلقفته { مَا صَنَعُوا } من السحر.
روى أن فرعون جلس فى عِلية له طولها ثمانون ذراعا والناس تحته فى بسيط فجاء سبعون ألف ساحر، فألقوا وِقر ثلاث مائة عير فألقى موسى عليه السلام عصاه فاستحالت ثعبانا وجعل ينمو حتى عبر فى النهر. وقيل: البحر بذنَبها.
وروى أن ذلك فى الإسكندرية. وكان ذنَب الثعبان من وراء بحر الروم عرضا، وسدت الأفق.
وروى أنها كالجبل.
وروى أنه طال حتى جاز مدينة البحيرة وأن ذلك فى الإسكندرية.
وقيل: إنه بمصر وأنه طال حتى جاز بذنَبه بحر القلزم قيل: هذا قول بعيد من الصواب، مفرط الإغراق، أى المبالغة. وفرعون فى كل هذا يضحك، ويرى أنه غالب. ثم أقبلت على الحبال والعصى تأكلها فأفتنها ثم فغرت فاها نحو فرعون ففزع، فاستغاث بموسى، فمد يده إليها فكانت عصا.
{ إِنَّما صَنَعُوا } ما موصول اسمى اسم لإن أو حرفى واسم إن مصدر صنع.
{ كَيْدُ سَاحِرٍ } خبر إن.
وقرئ بنصب كيد مفعولا لصنعوا وما كلفه.
وإذا جعل ما اسما لأن فالكيد أصله مصدر بمعنى ما وقع به الكيد، وإلا فهو باق على معنى المصدر. وإذا كانت كافة جاز المعنيان.
وقرأ حمزة والكسائى كيد سحر على حذف مضاف، أى كيد ذى سحر، أو ذوى سحر، أو على تسميته الساحر سحرا مبالغة، أو على إضافة البيان، كقولهم: علم فقه وعلم نحو وعلم بيان.
وذلك أن الكيد يكون سحرا وغير سحر، فبيَّن أنه كيد سحر كما أن العلم يكون علم فقه وغيره فبيَّن أنه علم فقه.
وإنما قدرت المضاف مفردا مطابقة لساحر فى القراءة الأولى، وقدرته جمعا باعتبار الواقع، فإنهم جماعة، لكن الغرض الحقيقة لا الإفراد، كما أنه وحد الساحر فى القراءة الأولى؛ لأن المراد مطلق الجنس لا معنى العدد ولذلك قال: { وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُ } أى هذا الجنس. وكذا المراد فى قوله: { كيد ساحر } لكن نُكر فيه لأجل أن يبقى كيد على التنكير، أى كيد سحرى، بوصف كيد بسحرى. ومن ذلك قول الحجاج:

يوم ترى النفوس ما أعدتفى سعى دنيا طال ما قدمت

أى سعى دنيوى.
ويحتمل أن يكون التنكير للتحقير، أى ساحر حقير الشأن ودنيا حقيرة.
ويحتمل الوجهين قول عمر - رضى الله عنه -: إنى أكره أن أرى أحدكم لا فى أمر دنيا، وقوله: ولا فى أمر آخرة يحتمل ألأول، ويحتمل التعظيم.
{ حَيْثُ أَتَى } قال ابن عباس: حيث كان أى إذا أقبل إلى موضع وقام فيه للسحر فلا يفلح، أى لا ينال مرغوبه. وهذا تفسير معنى. وحيث ظرف مكان وفسرها بعض بالحين.