خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

أَوَلَمْ يَرَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَنَّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ
٣٠
-الأنبياء

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا } أوَ لم يعلموا. وقرأ ابن كثير بإِسقاط الواو. { أَنَّ السَّمَٰوَاتِ } أى هذه الجملة التى هى سماوات، ولذا قال: كانتا ولم يقل: كنَّ.
{ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا } ذاتَىْ رتقٍ، أو مرتوقتين، أو أخبر بالمصدر مبالغة. والرتق: الضم. كانت السماواتُ شيئا واحداً والأرض شيئا واحداً.
{ فَفَتَقْنَاهُمَا } سماواتٍ وأرَضينَ، أو كانت السماوات متصلات، كورقة على ورقة، والأرضون كذلك، فرفعت كل عن الأخرى، أو كانت السماوات ملقاة على الأرض، فرفعت وفتقت، أو كانت السماوات والأرضون شيئًا، ففتق سماوات وأرضين، وهو قول ابن عباس.
وعن كعب: كانتا ملتزقتين، فخلق ريحًا بوسطها ففتحها.
وقيل: معنى كون السماوات رتقا لا تمطر، بناء على أن السماوات كلها لها مدخل فى الإمطار، أو المراد السماء الدنيا، وجمعت باعتبار الآفاق. ومعنى كون الأرض رتقا لا تنبت، ففتقهما بالإمطار والإنبات، وهو قول الكلبى. ولم أبحث عن أصحاب الأقوال السابقة.
وعن الزجاج: السماوات جمع أريد به الواحد ولذا قال: كانتا بناء على قول الكلبى، وفتقت بعد الرفع قبل ويناسب قول الكلبى: وجعلنا من الماء كل شئ حى.
وقالت فرقة: كانتا رتقا بالظلمة، ففتقهما بالضوء.
قيل: والرؤية على هذين القولين: قول الكلبى وقول الفرقة: رؤية عين.
قلت: لا تكون بالعين بل بالقلب، فإنهم لم يكونوا موجودين فى حال كونهما ظَلْماوَيْنِ، ولا فى حال كون السماء لا تمطر، والأرض لا تنبت.
والمراد: ألم يعلموا أن الأمر قد كان كذلك؟
وإن قلت: من أين عَلِم الكفرة ذلك حتى قال: { أو لم ير الذين كفروا }؟
قلت: ما قال ذلك إلا بُعيْد إنزال ما يعلمون عنه ذلك فى القرآن. والقرآن معجزة يوجب العلم، أو بعدما علموا ذلك من الكتب السابقة، كالتوراة والإنجيل بواسطة علمائها، أو قال ذلك لأن لهم نظراً يوصلهم إلى ذلك لو استعملوه؛ فإن العقل كون السماوات والأرض متصلتين، وكونهما منفصلتين، فلا بد من كونهما على أحد الشقين، وهو الانفصال من مختار مخصّص.
هذا. ولك أن تجعل الرؤية مطلقا رؤية بصر، جُعل ذلك كأنه شئ محسوس لقوة الدلالة.
وقرئ رتقا، بالفتح للراء والتاء معا، أى شيئا مرتوقا كالرفض بمعنى المرفوض.
{ وَجَعَلْنَا مِنَ المَاءِ كُلَّ شَئٍ حَىٍّ } الجعل بمعنى الخلق، فله مفعول واحد أى خلقنا من الماء كل شئ حى.
معنى خلقه منه: أنه جعل الماء أعظم ما بنى عليه؛ فإنه مخلوق من النطفة. والنطفة إنما هى من ماء وطعام، و الطعام إنما هو من الماء، وبعد خلقه يحتاج إلى ما يتقوت به، ولا قوت إلا من الماء ويحتاج إلى الماء نفسه للشرب وغيره، احتياجا شديداً، ولا يكاد يصبر عنه، فكأَنه مخلوق منه بعينه لذلك، ولكونه لا يحيى إلا به، كقوله: { خُلق الإنسان من عجل } ودخل فى الشجر والنبات، فإنها خلقت بالماء، وبه تحيى.
وأيضا خُلق أبونا وتراب.
وقيل: والنخل بقية من طينته فالحيوان كله من الماء ولو اختلقت خلقته منه.
وقيل: الماء: النطفة فالحى: الحيوان: إلإنس والدواب إلا آدم وعيسى. قيل: والجن، وإبليس - أبعده الله.
والحق أن الجن منهم مَن يُخلق من النطفة، بل هو غالبهم. والملائكة أحياء لا من ماء، ولا بماء، ولا من نطفة. وقرائن الخروج ما أخرجناه من العموم واضحة.
وعن أبى هريرة:
"أتيت النبى صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله إذا رأيتك طابت نفسى، وقرت عينى، فأنبئنى عن كل شئ.
فقال: كل شئ خُلق من الماء. فقلت: نبئنى بما إذا أخذتُ به دخلتُ الجنة.
فقال: أفشِ السّلامَ، وأطِبِ الكلام، وصِلِ الأرحام، وقم بالليل والناس نيام، تدخل الجنة بسلام"
.
ويصح كون جَعَل تصييرية، فمِن الماء مفعول ثان، وحىّ نعت كل شئ، أو كل على كل حال.
وقرئ بنصب حى نعتا لكل، أو مفعولا ثانيا للجعل التصييرى، فيكون من الماء متعلقا بجعل.
ويصح أيضا تعليقه بحيًّا إذا جعل مفعولا ثانيا. ويبعد كون حى بالجر نعتا لكل وجر للمجاورة.
وإن قلت: إذا كان حيا مفعولا ثانيا عم الشئُ الحيوانَ وغيره.
قلت: لا يعم إلا ما هو حى، فإن ما هو كالحجر لا يتوهم أنه مجعول حيا.
قال ابن هشام: أل فى الآية للحقيقة، لا تخلفها كل، لا حقيقة ولا مجازا.
وبعضهم يقول فى أل التى للحقيقة: إنها لتعريف العهد؛ لأن الأجناس أمور معهودة فى الأذهان متميز بعضها عن بعض اهـ.
{ أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ } مع ظهور الآيات، ماء أبيض. أو أصفر يكون منه أبيض وأصفر وأسود وغير ذلك، وماء ينزل من السماء أو يخرج من الأرض شفاف، ولا لون له تكون به ألوان وأجسام كثيفة وفى ذلك توبيخ وإنكار عدم صلاح أمرهم.
قيل: يكتب
{ { أو لم ير الذين كفروا } - إلى - { { أفلا يؤمنون } مريم ولدت عيسى سيجعل الله بعد عسر يسرا اللهم كما فتقت الأرض بالنبات، والسماء بالمطر، فكذلك يسِّر بفلانة بنت فلانة الوضع.
{ { فلينظر الإنسان } - إلى قوله - { { شفّا } لتسهيل الولادة، أو يقرأ الآية على بطنها أو أسفل ظهرها. وإن ذلك مجرب صحيح.