خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

بَلْ قَالُوۤاْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ ٱفْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَآ أُرْسِلَ ٱلأَوَّلُونَ
٥
-الأنبياء

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ } بل للإضراب الانتقالى فى المواضع الثلاثة وأضغاث خبر لمحذوف، أى القرآن أضغاث والمفرد ضِغث، بكسر فسكون، بمعنى مضغوث، أى مخلوط.
والأحلام جمع حُلم بضمتين، أو بضم الحاء وإسكان اللام وهو الرؤيا انتقل عن قولهم: القرآن سحر إلى قولهم: إنه أخلاط رآها فى اليوم لا تصلح للتأويل.
{ بَلِ افْتَراهُ } جاء به من قبل نفسه وليس من الله. بلى. وهذا انتقال منهم من قولهم: إنه أضغاث أحلام، إلى قولهم: إنه مفترى.
{ بَلْ هُوَ } أى محمد { شَاعِرٌ } والقرآن شعر، انتقال منهم من قولهم: إنه مفترًى إلى قولهم: إنه شعر يزخرف الباطل. وبل هذه مرتَّبة على التى قبلها، وكلتاهما مرتبة على أضغاث أحلام، ومن عقولهم.
وبل الأولى من كلام الله سبحانه، ويجوز أن تكون الثانية والثالثة من كلامه جل وعلا، فلم يسلط عليهم القول، بل يقدر بعده أى.
بل قالوا: افتراه. بل قالوا: هو شاعر، فى الكلام إشارة إلى تنزيل أقوالهم فى مراتب من الفساد متفاوتة، فإن قولهم: إنه مفترًى أفسد من قولهم: إنه أحلام؛ لاشتماله على مغيبات كثيرة، طابقت الواقع والمفترَى لا يكون كذلك، بخلاف الأحلام، فقد تكون كذلك، ولأنهم ما جربوا عليه كذبا قط. ويسمونه قبل الأربعين الأمين.
وقولهم: أضغاث أحلام أفسد من قولهم: إنه سحر؛ لأنه مجانسه، من حيث إن كلا منهما خارق، لكن بينهما ما بين العرش وثور أسفل الأرضين.
وقولهم: إنه شِعر أفسد من قولهم: إنه مفترًى؛ لأنه مشحون بالحقائق والحِكَم، وليس فيه ما يناسب قول الشعراء.
{ فَلِيَأتِنَا بِآيَةٍ } كاليد والعصى وإبراء الأكمه، وإحياء الموتى والناقة، إن كان، إن كان صادقًا.
{ كَمَا أُرْسِلَ الأَوَّلُونَ } إن قلت: كيف شبهوا الإتيان بالآية بإرسال الأولين؟
قلت: صح ذلك؛ لأن الإرسال يتضمن الإتيان بالآية؛ فإن قولك: أتى سيدنا محمد بالمعجزة، مثل قولك: أُرسل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؛ فإن الإتيان بها من فروع الإرسال ولوازمه، أو لأن التقدير: كما أرسل الأولون بها.
ولا مانع من حذف هذا الضمير المجرور، ولو تعلق بما لم يتعلق به بآية؛ لأن ما موصول حرفى، بل ولو جعل اسميا، أى كالإرسال الذى أرسله الأولون؛ لأن الإرسال والإتيان ما صَدَفُهما واحد.
ويجوز أن يكون التقدير: فلْيأتنا مرسَلاً بآية كما أرسل الأولون آتِينَ بها، فحذف فى كل من طرفى التشبيه ما ذكر فى الآخر.
وبعضهم يسمى الحذف من الأول مع ذكر المحذوف فى الثانى، مع الحذف من الثانى، مع ذكر هذا المحذوف فى الأول احتباكا، والكاف نعت لآية، أو نعت لمصدر محذوف، أو هى حرف، ويقدر الاستقرار نعتا.