خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا ٱلْكِفْلِ كُلٌّ مِّنَ ٱلصَّابِرِينَ
٨٥
-الأنبياء

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ } قيل: هو إلياس. وقيل: زكريا.
وقيل: يوشع. سمى بذلك لأنه ذو الحظ من الله.
وروى أنه كان لهُ ضِعف عمل الأنبياء فى زمانه، وضعف ثوابهم.
وقيل: خمسة من الأنبياء ذوو اسمين: إسرائيل، وهو يعقوب. وإلياس أو زكريا، أو هو ذو الكفل. وعيسى، وهو المسيح ويونس، وهو ذو النون. ومحمد، وهو أحمد صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين.
وقيل: ذو الكفل غير نبى، ولكنْ رجل صالح سمى بذلك لأنهُ تكفّل بمؤنة عابد تفرغ للعبادة.
وقيل: التجأ إليه رجال مؤمنون فكفلهم.
وقيل غير هذا، مما تراه قريبا - إن شاء الله.
قال الثعلبى فى عرائس القرآن: إنه بشر بن أيوب المبتلى، سماه: ذو الكفل، وأمره بالدعاء إلى الله، وأوصاه عند موته. وبعثه لله نبيا، وأقام بالشام عمره، وهو خمسة وسبعون عامًا، وأنه أوصى بعده ابنه عبدان.
قال: روى الأعمش بن المنهال بن عبد الله بن الحارث أن نبيًّا من الأنبياء قال: من يتكفّل لى أن يقوم الليل ويصوم النهار ولا يغضب؟
فقام شاب فقال: أنا.
فقال: اجلس. ثم أعاد، فقال مثل قوله الأول.
فأعاد فقال كذلك.
فقال: تقوم الليل، وتصوم النهار ولا تفطر، وتقضى بين الناس ولا تغضب؟
فقال: نعم. فمات ذلك النبى. فجلس الشاب مكانه، فوفّى بذلك، فجاءه الشيطان - أبعده الله - فى صورة إنسان ليغضبه، وهو صائم يريد أن يقبل. فضرب الباب ضربا شديداً.
فقال: مَن هذا؟
فقال له: رجل له حاجة.
فأرسل إليه رجلا.
فقال له: لا أرضى بهذا الرجل.
فأرسل معه آخر.
فقال: لا أرضى بهذا فخرج إليه، وأخذ بيده إلى السوق، فتركه ولم يغضب.
قال: وقال بعضهم: ذو الكفل: بشر بن أيوب، بعثه الله بعد أبيه إلى أرض الروم، فآمنوا به وصدقوه واتبعوه، ثم أمرهم الله بالجهاد، فضعفوا وقالوا: إنا قوم نحب الحياة، ونكره الممات، ومع ذلك نكره أن نعصى الله ورسوله. ولو سألت الله أن يطيل أعمارنا، ولا يميتنا إلا إذا شئنا، لَنعبدنَّه ونجاهدنَّ أعداءه.
فقال لهم: كلفتمونى شططا.
ثم قام وصلى ودعا وقال: إلهى أمرتنى بتبليغ الرسالة فبلَّغتها، وأمرتنى بجهاد أعدائك، وأنت أعلم أنى لا أملك إلا نفسى، وأن قومى سألونى فى ذلك ما أنت أعلم به، فلا تؤاخذنى بجريرة غيرى، وأنا أعوذ برضاك من سخطك، وبعفوك من عقوبتك.
فأوحى الله تعالى إليه: أن قد سمعت مقالة قومك، وإنى قد أعطيتهم ما سألونى، فلا يموتون إلا إذا شاءوا فكن لهم منى كفيلا بذلك. فتكفّل لهم بذلك، فسمى ذا الكفل. وكثروا حتى ضاقت بهم الأرض ومعيشتهم. فسألوه أن يرد الله آجالهم، فكانوا يموتون لآجال مثل آجالهم السابقة قبل. ولذلك كثرت الروم ما لم يكثر غيرهم.
وسموا روما. قيل: لأن جدهم روم بن عيسى بن إسحاق.
وقيل: إن ذلك النبى- وكان من بنى إسرائيل - أوحى الله: إنى أريد قبض روحك، فاعرض ملكك على بنى إسرائيل، فمن تكفّل منهم بذلك، فادفع إليه ملكك.
وقيل: لما كبر اليسع قال: إنى أستخلف رجلا على الناس فى حياتى، أنظر كيف يعمل. فجمع الناس وقال: من يتكفّل بثلاث أستخلفه: يصوم النهار، ويقوم الليل، ولا يغضب.
فقام رجل تزدريه العين فقال: أنا، فردَّه.
فقال ذلك فى اليوم الثانى.
فقال: أنا.
فاستخلفه. فأَتاه إبليس فى صورة شيخ ضعيف، حين أخذ مضجعه للقائلة. وكان لا ينام من الليل والنهار إلا تلك النومة: فدق الباب فقال: مَن هذا؟
فقال: شيخ كبير مظلوم.
فقام ففتح الباب.
فقال: بينى وبين قوم خصومة ظلمونى وفعلوا. وأطال فى الكلام حتى ذهبت القائلة.
فقال: إذا جلستُ فائْتِ حتى آخذ حقك.
ولما جلس انتظره، ولم يجئ حتى جلس من الغد وفرغ، وأخذ مضجع القائلة، فدق الباب.
فقال: مَن هذا؟
فقال: الشيخ المظلوم ففتح له. فقال: ألم أقل: إذا جلست فائتِ؟
قال: إنهم أخبث قوم. إذا جلست قالوا: نعطيك حقك. وفاتته القائلة. وقال: إذا جلست فائْتِ ولم يأت.
ولما كان اليوم الثالث، وفرغ ولم يأت، أخذ مضجع القائلة قال لبعض أهله: لا تدَع أحدا يضرب الباب حتى أنام، قد شق علىَّ النعاس فجاء إبليس، فلم يأذن له الرجل. ودخل من كوة فاستيقظ فقال: يا فلان ألم آمرْك؟
فقال: أما مِن قِبَلى فلم تؤت. فانظر من أين أتيت؟
فقام إلى الباب، فإذا هو مغلق.
فقال الشيخ: أتنام والخصوم ببابك؟ فنظر إليه فعرفه فقال: أعدوّ الله؟
قال: نعم. أعييتنى وفعلت ما فعلت لأغضبك، فعصمك الله.
{ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرينَ } على الطاعة، والبلاء، وعن المعصية.
فإسماعيل صبر على الذبح وأما إدريس فقد مر الكلام عليه. وأما ذو الكفل فمر آنفا.