خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ثُمَّ خَلَقْنَا ٱلنُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا ٱلْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا ٱلْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا ٱلْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَالِقِينَ
١٤
-المؤمنون

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ ثُمَّ خَلَقْنَا } صيرنا * { النُّطْفَةَ عَلَقَةَ } قطعة دم جامدة * { فَخَلَقْنَا العَلَقَةَ مُضْغَةَ } قطعة لحم صغيرة * { فَخَلَقْنَا المُضْغَةَ عِظَاماً } جعلنا المضغة صلبة وهي العظم * { فَكَسَوْنَا العِظَامَ لحْماً } مما بقي من المضغة أو مما انبتنا عليها مما يصل اليها ولحما مفعول ثان لكسونا.
وقرأ ابن عامر وابو بكر (فخلقنا المضغة عظما فكسونا العظم لحما) بفتح العين واسكان الظاء فيهما افرادا لارادة الجنس في الأول واما الثاني فهو نفس الاول بواسطة (ال) العهدية وقرئ (فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظم لحما).
وقرئ (فخلقنا المضغة عظما فكسونا العظام لحما) وعطف الاول بثم لبعد ما بين كونه طينا أو كونه بعضا من اب وام وكونه نطفة بل كونه بعضا منهما قد يقرب لحدوث ذلك الدم الذي يستحيل نطفة حدوثا قريبا وعطف الثاني بثم لبعد ما بين كونه نطفة وكون النطفة علقة والفاء فيما بقي بمعنى ثم أو للترتيب بحسبه وما قبل الفاء أبعد.
وقيل: بين كل خلق وآخر اربعون يوما اعني ان بين استحالة العلقة مضغة واستحالة المضغة عظاما اربعين يوما وهكذا.
ولا يخفى تفاوت تلك الاشياء صلابة وهيئة { ثُمَّ أَنشَأنَاهُ خَلْقًاً آخَرَ } مغايرا للاول.
وفي وصفه بالآخر والعطف بثم المستعلمة في علو الشأن بعد العطف بالفاء اشارة إلى كون هذه الخلقة اعظمها وهي نفخ الروح فيه عند ابن عباس والحسن.
وقيل: نفخها فيه وصورة البدن.
وقيل: كلاهما.
وقيل: الذكورة والانوثة.
وقيل: هو نبات شعره.
وعن ابن عباس خروجه إلى الدنيا.
وقيل عنه: تصريف احواله بعد الولادة من الاستهلال إلى الرضاع والقعود والقيام والمشي والفطام والأكل والشرب وغير ذلك إلى البلوغ وما بعده.
وقال عياض: ما ذكر كله في هذا القول والاقوال قبله سبحانه الله كان حيوانا بعد ما كان جمادا وناطقا بعد بكم وسميعا بعد صم وبصيرا بعد عمى واودع باطنه وظاهره وكل جزء من اجزائه عجائب صنعه وغرائب فطره
واستدل أبو حنيفة بالآية ان من غصب وسرق بيضة فافرخت عنده لزمه ضمان البيضة لا الفرخ لانه خلق آخر والمذهب ضمان البيضة والفرخ { فَتَبَارَكَ اللَّهُ } اي تعالى امره في قدرته وعلمه وحكمته واصله قبل مطاوعه بارك فيه * { احْسَنُ الْخَالِقِينَ } خلقا فحذف التمييز لدلالة الخالقين كما حذف المأذون فيه لدلالة (يقاتلون) في قوله تبارك وتعالى
{ اذن للذين يقاتلون } اي اذن في القتال واحسن نعت لله لان اضافة اسم التفضيل محضة.
وقال ابو اليقاء: لفظية لان المضاف إليه عوض عمن لفظ (من) فيكون احسن بدلا وفيه ان ابدال المشتق الذي هو وصف ضعيف أو خبر المحذوف اي (هو احسن الخالقين).
وان قلت: الآية تدل على تعدد الخالق وتنافي خالق كل شيء وهل من خالق غير الله ونحوهما قلت الخالقين بمعنى (المقدرين) أو لانه تعالى قد اجرى خلق بعض الاشياء على يد غير واحد من الانبياء خرقا للعادة فسموا خالقين ولو كان الخالق على الحقيقة الله لا غيره.
قال عيسى عليه السلام: (اني اخلق لكم من الطين كهيئة الطير) ولان الخلق بمعنى مطلق الايجاد فيشمل الايجاد عن عدم وايجاد صفة بعد اخرى وهو الصنعة.
وروي انه صلى الله عليه وسلم لما بلغ قوله خلقا آخر قال عمر رضي الله عنه (فتبارك الله احسن الخالقين) فنزلت كذلك.
وروي ان عبدالله بن ابي سرح كان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنطق بذلك قبل املائه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم اكتب هكذا نزلت فقال: ان كان محمد نبيا يوحى اليه فانا نبي يوحى إلي ولحق بمكة كافرا واسلم يوم الفتح وكان ايضا يكتب له في مكة قبل الهجرة وهو أول كاتب له من قريش وذكروا ان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لو اتخذنا من مقام ابراهيم مصلى فنزل { واتخذوا من مقام ابراهيم مصلى }.
وقيل: قال: لو صلينا خلف المقام يا رسول الله وقال يا رسول الله لو اتخذت لنسائك حجابا فانه يدخل عليك البر والفاجر فنزل { وإذا سألتموهن متاعا } إلى آخره وقال لهن لتنتهين أو ليبدلن الله خيرا منكن فنزل { عسى ربه } إلى آخره وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قوله: { خلقا آخر } فقال عمر: تبارك الله احسن الخالقين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لقد ختمتها اي نطقت بخاتمة الآية وارسل اليه مذلج بن عمر والانصاري وكان صغيرا ليدعوه فدخل عليه فوجده نائما منكشف العورة فقال وددت ان الله نهى آباءنا وابناءنا وخدمنا ان لا يدخلوا وقت الظهيرة الا باذن فانطلق معه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجده قد نزل عليه
{ { يا ايها الذين آمنوا ليستأذنكم } إلى آخره.
قال ابن عمر عنه صلى الله عليه وسلم
"إن الله جعل الحق على لسان عمر وقبله" وقال ابن عمر ما نزل بالناس امر فقالوا وقال الا نزل القرآن على نحو ما قال ووافق القرآن في اسارى بدر.
وعن عبد الرحمن بن ابي ليلى ان يهوديا لقي عمر فقال ان جبريل الذي يذكر صاحبكم عدو لنا فقال عمر من كان عدو الله وملائكته ورسله وجبريل وميكائيل فان الله عدو للكافرين فنزلت كذلك من اراد الحبل وحفظ الجنين فليكتب (ولقد خلقنا) إلى (الخالقين) في سبع ورقات ريحان اثرنجي ويأمر المرأة ان تبلعهن ورقة ورقة وتشرب على كل ورقة جرعة من لبن بقرة صفراء يفعل ذلك ثلاثة ايام ومن كتب ذلك في خرقة قطن رفيعة معصورة بماء توت وجعلها تحت عمامته كان له قبول وزينة وهيبة وتجعلها المرأة تحت عصابتها يكون لها ذلك بإذن الله سبحانه.