خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ٱلَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ أُوْلَـٰئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً
٣٤
-الفرقان

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ } الذين مبتدأ خبره جملة قوله * { أَوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً } منزلا ومصيرا والمراد المشركون مطلقا أو هؤلاء الذين يجادلون سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
وقيل: الذين خبر لمحذوف اي هم الذين ومفعول لمحذوف ذما فالمراد المجادلون.
{ وَأَضَلُّ سَبِيلاً } تمييز محول عن المبتدأ وهو محول عن الفاعل معنى ايضا وعلى كل حال فهو قد اسند اليه الضلال كأنه قيل سبيلهم اضل أو ضل سبيلهم ضلالا زائد وذلك مجاز في الاسناد مبالغة والضال حقيقة هو صاحب السبيل وشر واضل اسم تفضيل باقيان على معناهما اي مكانهم وسبيلهم افج من كل مكان وسبيل وخارجان عن معناهما أو باقيان على معناهما بطريقة غير الطريقة الاولى اي شر واضل من محمد اي ان كان محمد بمكان قبيح وسبيل ضلال فانتم شر واضل منه إذ تسحبون على وجوهكم إلى النار فان كان حقيرا فانتم احقر ويجوز ان يراد بالمكان الشرف والمنزلة.
وقيل: ان ذلك متصل بقوله اصحاب الجنة يومئذ خبر
{ مستقرا وأَحسن مقيلا
}. وفي رواية عنه صلى الله عليه وسلم "يحشر صنف على الدواب وصنف على الاقدام وصنف على الوجوه فقال رجل: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ايحشر الكافر على وجهه قال: اليس الذي امشاه في الدنيا على الرجلين قادرا ان يمشيه على وجهه يوم القيامة"
قال قتادة عند ذكره وهذا الحديث بلا وعزة ربي.
فصل
الاصح انه نزل إلى سماء الدنيا ليلة القدر جملة واحدة ثم نزل منجما.
قال ابن عباس: (فقراء ولا يأتونك بمثل) الخ (وقرآنا فرقنا) الخ إذا حدث المشركون شيئا احدث الله لهم جوابا وكان في بيت العزة من سماء الدنيا.
وقيل: نزل إلى سماء الدنيا في عشرين ليلة قدر أو ثلاث وعشرين ليلة قدر أو خمس وعشرين ليلة قدر في كل ليلة قدر ما ينزل إلى الدنيا في السنة قاله مقاتل والحليمي والماوردي وابن شهاب.
وقيل: ابتدأ انزاله في ليلة القدر ثم نزل بعد ذلك منجما في اوقات مختلفة.
وقيل: نزل من اللوح المحفوظ جملة ونجمته الحفظة على جبريل في عشرين سنة ينزل به على النبي صلى الله عليه وسلم.
وقيل: نزل جملة إلى السماء تفخيما لأمره وامر النبي صلى الله عليه وسلم وامته باعلام سكان السماوات ان هذا اخر الكتب على خاتم الرسل لاشرف الامم ثم نزل شيئا فشيئا فجعل له الامرين الانزال جملة والانزال تفريقا تشريفا لمن ذكر وقيل جاء القرآن والنبوة من باب الرحمة فوضع القرآن في بيت العزة ليدخل في حد الدنيا ووضعت النبوة في قلبه صلى الله عليه وسلم ثم جاء جبريل بالرسالة ثم بالوحي وهذا حظ ابرزه الله للامة بمبعثه صلى الله عليه وسلم.
وقال السخاوي نزل جملة إلى السماء تعظيما لشأن بني آدم عند الملائكة وتعريفا لعناية الله عز وجل بهم ولذا امر سبعين الفا من الملائكة شيعوا الانعام إلى النبي صلى الله عليه وسلم وزاد بان امر جبريل باملائه على السفرة وامرهم بنسخه وتلاوتهم له.
وفي انزاله مجملا مساواة لموسى عليه السلام وغيره وللنبي محمد صلى الله عليه وسلم فضل تنجيمه إلى الدنيا.
وان قلت:
{ إِنا أَنزلناه في ليلة القدر } ان لم يكن من جملة القرآن الذي نزل جملة فما نزل جملة وان كان منه فما وجه العبارة؟ قلت: اجاب ابو شامة بان المعنى انا حكمنا بانزاله في ليلة القدر وقضينا به أو ننزله جملة تامل والتحقيق انه نزل إلى السماء بعد مبعثه.
وقد روى ابن حجر ان التوراة نزل لست منِ رمضان والانجيل لثلاث عشرة والزبور لثمان عشرة والقرآن لأربع وعشرين مضت وصحف ابراهيم لاول ليلة وهو المطابق لقوله
{ شهر رمضان } الخ وقوله: { انا أنزلناه في ليلة القدر
}. وروى ابن ابي شيبة نزلت الكتب ليلة اربع وعشرين.
قال ابو شامة: نزل منجما ليكثر النزول فيتجدد العهد في كل نزول فيحدث له السرور ويشتد قلبه وفي ذلك عناية به وكان صلى الله عليه وسلم اجود ما يكون في رمضان لكثرة لقائه جبريل.
وزعم بعض من عاصر السيوطي ان الكتب ايضا نزلت منجمة ويرده ما رواه ابن جبير عن ابن عباس قال: قالت اليهود: يا ابا القاسم:
{ لولا نزل هذا القرآن جملة واحدة } كما نزلت التوراة على موسى فنزل { وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة } وفي رواية عنه قال: قال المشركون: وكذا رواه قتادة والسدي فعدم الرد عليه في ذلك وعد وله إلى بيان حكمة التفريق دليل على صحة نزول التوراة جملة والا رد عليه بانها لم تنزل جملة كما انهم لما قالوا ما له يأكل ويمشي في الاسواق واجاب بان الرسل كلها كذلك ولما قالوا لا همّ له الا النساء اجاب بقوله: { ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا } الخ.
قيل: ويدل لانزال التوراة جملة مجملة قوله:
{ فخذ ما آتيتك } وقوله: { وكتبنا له في الأَلواح } الخ وقوله: { أَخذ الأَلواح } وفي نسختها الخ وقوله: { وإذ نتقنا الجبل } الخ.
وعن ابن عباس اعطي موسى التوراة في سبعة الواح من زبرجد لما جاء بها بني اسرائيل رآهم عكوفا على العجل يعبدونه رماها من يده فرفع الله منها ستة اسباع.
وقيل: كانت من سدر الجنة طول كل لوح اثنا عشر ذراعا.
وعن ابن ابي حاتم عن ثابت بن الحجاج جاءتهم التوراة جملة فكبر عليهم الامر فابوا ان يأخذوها حتى ظل عليهم الجبل ولو نزل القرآن كذلك جملة لنفر كثير من الناس عنه لكثرة فرائضة ومناهيه فاول ما نزل سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار حتى إذا أقبل الناس إلى الاسلام نزل الحلال والحرام ولو نزل اول شيء (لا تشربوا الخمر) لقالوا لا ندع الخمر ابدا ولو نزل (لا تزنوا) قالوا لا ندع الزنا ابدا وكان ينزل خمس آيات وعشرا واكثر واقل وقد نزل عشر آيات في قصة الافك جملة وعشر من أول المؤمنين ونزل
{ غير أولى الضرر } وهو بعض آية وكذا { وإن خفتم عيلة } الآية ونزل الانعام جملة.
واما قول عمر (تعلموا القرآن خمس آيات خمس آيات) فانه ينزل عليه صلى الله عليه وسلم خمسا خمسا ومن حفظه خمسا خمسا لم ينسه فالجواب والله اعلم انه إذا نزل عليه كثير اخذه عن جبريل خمسا خمسا.