خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ يَلْقَ أَثَاماً
٦٨
يُضَاعَفْ لَهُ ٱلْعَذَابُ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً
٦٩
-الفرقان

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ } هذا ونحوه مما مر أو يأتي من عطف الصفات لموصوف واحد.
ويجوز ان يريد بكل واحد موصوفا آخر فيكون الله مدح كل جماعة بما بالغت فيه مع اشتراك الكل في اصل الخير وفروعه.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: ان ناسا من أهل الشرك قتلوا واكثروا وزنوا وبالغوا فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ان الذي تقول وتدعو اليه لحسن لو تخبرنا ان لما علمنا كفارة فنزلت { وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهَ إِلَهاً آخَرَ }.
{ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ } إلى قوله:
{ الا من تاب } الخ "وإِنه أَتى وحشي قاتل حمزة رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا رسول الله أَتيك مستجيرا فأَجرني حتى أَسمع كلام الله فقال صلى الله عليه وسلم: كنت أُحب ان اراك على غير جواري فأَنت اليوم فيه حتى تسمع كلام الله قال: فاني أَشركت بالله وقتلت النفس التي حرم الله قتلها وزنيت فهل يقبل الله مني توبة؟ فصمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل { وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ } الخ فتلاها عليه فقال: ان فيها شرطا لعلي لا أَعمل صالحا أَنا في جوارك حتى اسمع كلام الله فانزل الله سبحانه { ان الله لا يغفر أَن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } فتلاها عليه قال: لعلي: (ممن لا يشاء) انا في جوارك حتى اسمع كلام الله فانزل { يا عبادي الذين اسرفوا على انفسهم } الآية وقال: الآن لا ارى شرطا أَشهد أَن لا إِله إِلا الله وانك رسول الله" .
قال ابن مسعود رضي الله عنه: " قلت يوما يا رسول الله أَي الذنب اعظم؟ قال ان تجعل لله نداً وهو خلقك.
قلت: ثم.
قال: ان تقتل ولدك خشية ان يطعم معك.
قلت: ثم.
قال: أَن تزني بحليلة جارك"
.
وروي (تزني حليلة جارك) ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية.
وفي رواية ان ابن مسعود قال: سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان الرجل يقول ثم اي؟ فانزل الله الآية تصديقا لرسوله صلى الله عليه وسلم.
ومعنى { لاَ يَدْعُونَ } لا يطلبون او لا يعبدون او لا ينادون في حوائجهم غير الله إذ لو كان المراد نفي (اله) غير الله إذ لو كان اله غيره لدعوه فينفي غيره بنفي دعائه ورابط (التي) محذوف اي حرمها على تقدير مضاف اي حرم قتلها.
وروي انه لما نزلت في الزاني وقاتل المؤمن ما نزل قالت الصحابة: أينا لم يقتل اينا لم يزني اينا لم يفعل؟ تخوفوا بما فعلوا في الجاهلية فنزلت { قل يا عبادي الذين اسرفوا } فنزل { وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهَ إِلَهاً آخَرَ } اي بعد اسلامهم { وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهَ } اي بعد اسلامهم { إلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ } بعد اسلامهم.
وبالحق متعلق بيقتلون أو بالقتل المقدر بعد (حرم) والظاهر ان المراد بالنفس التي حرم الله الموحد وغيره ممن لا يحل قتله ككتابي يعطي الجزية وكغير بالغ وكالمرأة فمعنى الاستثناء الا النفس التي كانت كذلك لكن فعلت ما يوجب القتل كقاتل غيره والزاني المحصن فان مثل هذا يقتل بالحق.
وفي الآية سلب امهات المعاصي عن المؤمنين الموصوفين بعد اثبات اصول الطاعات لهم اظهارا لكمال ايمانهم واشعارا بان الاجر المذكور موعود لمن كان كذلك وفيها تلويح بان الكفرة ثبتت لهم أصول المعاصي كفروعها وسلبت عنهم اصول الطاعات كذلك والله اعلم.
مبحث اعلم ان الزنى يسهل الوقوع فيه ويدق مدخله من حيث لا ينتبه له ويقصد المرء النكاح ويقع في السفاح فيجب على من يدعي الاسلام وكرمت عليه آخرته ان يتوثق في امر النكاح ولا يعتمد على العاقدين إذا رأوا منهم تساهلا في امر النكاح وتقليد من تقدم بلا علم ومن ذلك التساهل ما يفعله بعض العاقدين وهو أنهم يشترطون من تلقاء انفسهم على الزوج انه ان غاب حولين أو تزوج او تسرى فلامرأته ان تطلق نفسها ولم تأمرهم المرأة ولا وليها ولا مزوجها مطلقا بذلك الشرط ويشترطون بالعربية والزوج بربري ولا يفهم ولا يفسرون له ما قالوا فاذا غاب الحولين او تزوج او تسرى طلقت نفسها وتزوجت.
وهذا التزوج الثاني قريب من الزنى وهب ان المرأة ووليها المزوج لها أو المزوج لها مطلقا شرط ذلك وامر بشرطه لكن الزوج لم يفهم هذا الشرط فليس بداخل على هذا الشرط فكيف تعقد عليه هذه العقدة العظيمة المبيحة للفروج بغير امره بها وبغير علمه وكيف يحكم عليه بها مع ذلك والذي اطلعنا عليه في كتب المذهب المعول عليها وغيرها ان الذي يشترط ذلك هو الوالي أو المرأة أو نائبها مطلقا الذي يزوجها او من امرأته.
ففي الديوان ونكاح الشيخ يحيى والنيل وغيرها من كتب المذهب الاشارة إلى هذا والتصريح والشيخ العلامة عبد العزيز لما رأى أهل عصره تشترط عقادهم بغير امر المرأة والولي ونحوه ممن يزوجها كالوكيل.
قال في التاج: نحن نشترط لها في عرف بلدنا فلو رأى في ذلك اثرا لاستظهر به فكيف يكون عنده اثر في ذلك ويعرض عنه ويتمسك بالعرف فلودعهرحمه الله نسب ذلك للعرف إذ لو لم ينسبه لتوهم الناس انه اثر اطلع عليه فيستوثقون به فنسبة للعرف ليتوقف من كرمت عليه اخرته وهانت نفسه وكان بمراحل عن الكبر من العقاد وغيرهم حتى يرى في كتاب من كتب المذهب نصا في الحوار.
وفي نسبته ذلك للعرف تعريض وازدراء بهؤلاء العقاد وادخال نفسه معهم تأدب حيث لا يلزم ولا يقال فاذا قد اتقى نفسه في التهمة لانه معروف مشاهد انه لا يفعل ذلك ولان كلامه في النيل وغيره كالنص في انه لا يفعل وكأن عقاد زمانه يفعلون كما يأتي عن التاج او اراد انه نشترط معاشر الاولياء أو معاشر الازواج وهو متجه لقوله قبيل ذلك ومن شرط لها قيل عند العقد انه ان غاب عنها اكثر من شهرين الخ (ومن) واقعة على الزوج وها عائدة إلى المرأة كما يدل له قول الماتن من شرط لامرأته فليتهم إذا ارادوا الاشتراط قالوا للمرأة أو لزوجها تشترط كذا وكذا فان قال: نعم اشترطوا وفهموا الزوج حتى تقول قد فهمت هذا الشرط وقبلته ودخلت عيله كما في الباب الحادي والثلاثين من كتاب الشهادات من التاج إذ قال فيه: وإذا زوج رجل رجلا فاستفهمه ليشهد الناس عليه فاذا اقر عند استفهامه له انه قد رضي بالتزويج وان عليه هذا الحق لزوجته خرج هذا على معنى الاقرار والمزوج أو غيره في هذا سواء (انتهى).
فتراه قد اشترط الاستفهام وهو ان يقول هل فهمت ما شرطت عليك؟ والعقاد الذين رأينا لا يستفهمون الزوج وتراه اشترط ان يقر الزوج اني رضيت بالتزويج وان عليّ كذا وكذا حقا لزوجتي وهؤلاء لا يقر الزوج عندهم بان عليّ الحق الفلاني ولعل العقاد الذين في زمان الشيخ عبد العزيز يستفهمون الزوج ويأمرونه ان يرضى بالتزويج والحق الفلاني عليه أو ينكروا ما قول التاج والمزوج وغيره في هذا سواء فلعل المراد بغيره غيره ممن امره المزوج أو المرأة حملا لكلام العاقد على غير اللغوي فاذا اطلقناه على عمومه فليجز اشتراط كل من شرط ولو غير عاقد وغير مأمور بالشرط وان خصصوه بالعاقدين فتحكم الاول لا يقول به عاقل والثاني يحتاج إلى دليل التخصيص ولله در عقاد أهل غادرته واهل مليكه واهل العطف لما رأوا نصوص المذهب وانه لا يعقد احد عقده على احد بغير امره كانوا يقولون أنشرط لك بامرأة كذا وكذا أو انشرط يا فلان لوليتك كذا فيقول أو تقول نعم فيشترطون فيقولون للزوج اقبلت هذا الشرط يقولون ذلك بكلام يفهمه فيقبل. { وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ } اي بعض ذلك.
{ يَلْقَ أَثَامَاً } مفرد بمعنى وبال ونكال وعذاب.
وقيل: مفرد بمعنى الاثم فيقدر مضاف اي جزاء اثم.
وفي الحديث رواه بعض قومنا الأثام والغي نيران في جهنم يسيل فيهما صديد أهل النار.
والأول قول ابن زيد وقتادة.
قال: (الاثام): العقاب.
وقرأ (يلق فيه أثاما) اي في ذلك اي بذلك.
وقرئ (يلقى) باثبات الالف وهي الف اشباع واما الف الكلمة فمحذوفة للجازم.
وقرأ ابن مسعود (يلق اياما) اي شديد يقال يوم ذو ايام اي ذو شدائد * { يُضَاعَفْ } يكرر وهو بدل من (يلقى) والظاهر عندي انه بدل اشتمال فان مضاعفة العذاب له سببية للقائه { اثاما } لا اجنبيه منه.
وقال الصبان بدل اشتمال لان (لقى الأثام) ان يحصل له العذاب مضاعفا وهو يشتمل على المضاعفة.
وقيل: بدل الكل ونسبه عياض لسيبويه قال سيبويه مضاعفة العذاب هو (لقى الأثام) وهو ضعيف اذ لا يخفى ان (لقاء الأثام) غير مضاعفة العذاب له.
والذي رواه عن سيبويه رواه الشاطبي عن الخليل.
{ لَهُ العَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ } وقرأ ابن كثير وحفص فيه باشباع الهاء هنا خاصة وغيرهما يختلس.
{ مُهَاناً } (حال) وقرأ ابن كثير قيل: وابن عامر يضعف بالتشديد.
وقرأ ابو عامر وأبو بكر برفع { يضاعف } على الاستئناف أو الحالية على ما يأتي ورفع { يخلد } عطف عليه أو هو حال بناء على جواز قرن المضارع بواو الحال أو يقدر المبتدأ.
وقرئ { نضعف } بالنون والتشديد ونصب العذاب.
وقرأ { يخلد } بالبناء للمفعول باسكان الخاء وفتح اللام وبفتح الخاء وفتح اللام مشددة.
وقرئ { تخلد } بالفوقية والبناء للفاعل وذلك على طريق الالتفات إلى الخطاب.
وفي الآية دليل لاصحابنا على خلود العصاة في النار كالمشركين فان قاتل غير نبي والزاني غير مشركين ولعل المخالف يقول (الخلود) هنا مستعمل في حقيقته وهو الدوام جانب المشركين وفي مجازه وهو مطلق الكون في النار جانب العصاة.
وان قيل: حقيقة في المعنيين فقد استعمل في معنييه ومن منع منهم كالحنفية الجمع بين الحقيقة والمجاز أو استعمال الكلمة في معنييها فلا جواب له عن الآية اللهم ان يقول المراد بالخلود مطلق الكون في النار فيكون ذلك من عموم المجاز فتكون الآية متكلمة على مطلق دخولهم النار ولم تميز الخالد من غيره كذا ظهر.