خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَٱجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً
٧٤
أُوْلَـٰئِكَ يُجْزَوْنَ ٱلْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُواْ وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاَماً
٧٥
-الفرقان

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ } اعطي * { لَنَا } معشر المؤمنين فكل واحد إذا دعا دعا لنفسه وللمؤمنين وان كان كل واحد يدعو لنفسه فانما قال لنا جميعا لقول هذا (هب لي) وقول (هذا هب لي) وهكذا فكأنه قيل: والذين يقول كل واحد منهم ربي هب لي وهكذا فيما يأتي.
{ مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ } (من) للبيان وفيه تقديم للبيان على المبين الذي هو قرة اعين والمراد بالقرة الازواج والذرية اي هب لنا قرة اعين هي ازواجنا وذريتنا وفي تقديم البيان على المبين خلف.
ويجوز ان تكون تجريدية مثل (من) في قولك (رأيت من زيد اسد) بولغ في قرورة العين بالازواج والذرية حتى صح ان يتولد منهم آخرون مثلهم (وان) تكون ابتدائية على معنى (هب لنا من جهتهم) وعلى هذا فالمراد بالقوة المعنى اي الفرح مثلا لا هم.
والقرة الفرح والرضا ويكون ايضا بمعنى ما به الفرح وارضى كما رأيت.
وقرأ ابو عمرو وحمزة والكسائي وابو بكر بافراد الذرية.
وقرأ قرات اعين بجمع القرة وانما نكر (اعينا) ليكون قرة نكرة تعظيما ولو عرف (اعينا) لتعرف ما اضيف إليه و(اعين) جمع قلة والمراد الكثرة.
واختار التعبيرية والله اعلم تلويحا إلى ان اعين المؤمنين قلة بالنسبة إلى عيون الكفار قال الله عز وجل: { وقليل من عبادي الشكور } أو نكر الاعين لانها اعين خاصة وهي اعين المؤمنين سألوا ربهم ان يرزقهم ازواجا واعقاب تقرّ بهم اعينهم بان يوفقهم الله للطاعة ويستعينوا بهم على المصلحة فان المؤمن اذا شاركه اهله في طاعة الله سر بهم لسعادتهم وتوقع لحوقهم به في الجنة.
قال محمد بن كعب القرظي: ليس شيء اقر لعين المؤمن من ان يرى زوجته واولاده مطيعين لله.
وعن ابن عباس قرة العين من الاولاد من رآه ابوه يكتب الفقه.
وقيل: سألوا ربهم ان يلحق بهم ازواجهم وذريتهم في الجنة ليتم سفرهم.
واصل القرة البرد ضد الحر ويستعمل في الفرح لان العين باردة حين الفرح وحارة هي ودمعها عند الحزن.
وقيل: المراد ان يهب لهم من تقر به اعينهم اي لا تتحرك بل تتوقف عليه لكماله فلا تتحرك إلى غيره.
وعن ابن عباس والحسن والمقداد كان في أول الاسلام يهتدي الاب والولد والزوجة كأقران فكانت قرة اعينهم في ايمانهم وفيه دليل على جواز الدعاء للكافر بالاسلام والهداية وكذا لغيره من العصاة وهو مذهب بعض متأخري مذهبنا والصحيح المنع.
{ وَجَعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ } متعلق باجعل أو بمحذوف حال من قوله { إِمَاماً } اي قدوة.
قال ابن هشام: بطلق (الامام) على الواحد وغيره فانظر حاشيتي على الشذور وشرحه واريد به المفرد دالا على الجنس ولا لبس.
وارادوا جعل كل واحد منا اماما أو لما كانوا كنفس واحدة لاتحاد طريقتهم واتفاق كلمتهم ولانه مصدر في الاصل طلبوا ان يكونوا ائمة يقتدي بهم المتقون في الدين.
قال بعض قومنا: في الآية ما يدل على ان الرئاسة في الدين يجب ان تطلب ويرغب فيها.
قلنا معاشر الاباضية: لا دليل فيها على ذلك لجواز ان يكونوا طلبوا ان يبلغهم الله مبلغا عظيما في الطاعة وهو المبلغ الذي يحبه المؤمنون ان يكون لهم فيما بينهم وبين ربهم وان ظهر اشير اليه واقتدي به او لأنهم قد علموا انهم لو كانوا ائمة لاستقاموا على الطريقة قووا الشريعة ولا يميلون للرياء والمحمدة وغيرهما مع ان هذا طريق لا امان فيه فلا ينبغي قصده ومن وقع فيه او تعين له فيجتهد ولجواز ان يكون ذلك من باب القلب اي واجعل المتقين لنا اماما ولجواز ان يكون اماما جمع (آمّ) بهمزة فالف فميم مشددة بمعنى قاصد فلام الجر لام التقوية اي جعلنا قاصدين للمتقين مقتدين بهم.
وعن ابن عباس ان المراد (جعلنا هداة للمتقين) قلت: فالتمييز المنع من ان ينوي بقراءته التعليم لغيره بل ينوي نفي الجهل عن نفسه والضلالة.
وفي القناطر اجازه ان ينوي بقراءته ان يعلم غيره ويرشد من ضل وهو الصحيح ان لم يكن في النفس رياء ونحوه من المفسدات واظن ان المقصود في الكتابين واحد فالمجيز مجيز على هذا الشرط والمانع مانع إذا لم يكن هذا الشرط { أُوْلَئِكَ يُجْزُونَ } يثابون { الغُرْفَةَ } المراد الجنس كما جمعت في قوله: { وهم في الغرفات آمنون }.
وقد قرئ (وهم في الغرفة آمنون) فكأنه قيل: يجزون الغرفات وهي بيوت واسعات عاليات فوق بيوت من زبرجد ولؤلؤ وياقوت وغير ذلك وهي علالي الجنة.
وقيل: الغرفة اسم من اسماء الجنة وهو ضعيف.
وعن انس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"ان في الجنة لغرفا ليس لها معاليق من فوقها ولا عماد من تحتها قيل: يا رسول الله كيف يدخلها اهلها قال: يدخلونها شباه الطيور قيل: يا رسول الله لمن؟ قال: لاهل الاسقام والاوجاع والبلوى" رواه القرطبي.
{ بِمَا صَبَرُوا } ما مصدرية اي بصبرهم على الطاعات وعن الشهوات وعلى أذى الكفار وجهادهم وعلى الفقر والمصائب.
{ وَيَلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاَماً } يقال لقيه الشيء بالتشديد اي جعلته لا لقيا له.
وقرأ حمزة والكسائي وابو بكر بفتح الباء واسكان اللام وتخفيف القاف مضارع لقي كرضى والتحتية الدعاء من الملائكة بالتعمير وهو دعاء تهنئة فقط لان داخل الجنة لا يموت ولا يخرج منها وكذا النار والسلام دعاء الملائكة لهم بالسلامة وهو دعاء تهنئة كذلك أو المراد قول الملائكة لهم سلام عليكم وهو ايضا دعاء أو قول بعضهم لبعض سلام عليكم أو كل ذلك أو التحية والسلام شيء واحد أو التحية الملك أو يجيئ لهم من الله يهنئهم الله أو يقرأ لهم السلام أو المراد يعطون التبقية والتخليد مع السلام من كل آفة.
وقيل: السلام الخير الكثير.