خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَذَكَرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً وَٱنتَصَرُواْ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ وَسَيَعْلَمْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ
٢٢٧
-الشعراء

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } من الشعراء فلا ضير عليهم ولا على من يتبعهم.
{ وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيراً } في أشعارهم وغيرها ولا يشغلهم الشعر عن ذكر الله بل انما يقولون الشعر في التوحيد والثناء على الله ورسوله ودينه والحث على ذلك وذم المشركين ولا يقولون شعرا فيه معصية بل شعرا فيه نصر الله ورسوله ودينه كما قال.
{ وَانتَصَرُوا } بهجو الكفار.
{ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا } بهجو الكفار لهم في جملة المؤمنين
{ لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم } { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } وقال كثيرون المراد ذكر الله في غير الشعر لكن اذا قالوا شعرا كان في الطاعة والموعظة والزهد والآداب الحسنة وغير ذلك مما لا معصية فيه ويدخل في ذلك شعراء المؤمنين إلى آخر الدهر اذا لم يدخلوا في أشعارهم معصية وقال ابن زيد المراد ذكر الله في أشعارهم وفي الحديث أفضل العباد الذاكرون الله كثيرا هم أفضل من الغازين في المشركين حتى تنكسر سيوفهم وتختضب دما، وقال: ذكر الله خير أعماكم وأزكاها وخير من انفاق الذهب والورق ومن ان تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم قال بعضهم أراد بالمستثنيين عبدالله بن رواحةرحمه الله وحسان بن ثابت ولا ولاية له في مشهور المذهب وكعب بن مالك وهو كذلك وكعب بن زهيررحمه الله وعلي وهو في البراءة ولم تثبت له التوبة في مشهور المذهب ولا يتولى هو ونحوه بالآية لأن الآية انما دلت على انه لا ضير عليهم من حيث أشعارهم وأن أشعارهم طاعة لأنهم غير مشركين وذكروا الله وانه لا ضير على من تبعهم فان الآية سبقت في ذلك وفي هذا الاستثناء رد على من قال الشعر مكروه لذاته ولو لم تكن فيه معصية قال الشافعي الشعر باب من الكلام فحسنه كحسن الكلام وقبحه كقبحه وكذا قالت عائشة رضي الله عنها وعن عطاء بن يسار شق على شعراء المسلمين قوله { والشعراء يتبعهم الغاوون } فنزل الاستثناء بالمدينة وأما رواية جابر بن عبدالله (من مشي سبع خطوات في شعر كتب من الغاوين) ورواية أبي هريرة (لأن يمتليء جوف أحدكم قيحا خيرا له من أن يمتليء شعرا) في شعر فيه معصية.
قال رجل من العلوية لعمر بن عبيد أن صدري ليجيش بالشعر، فقال فما يمنعك منه فيمالا بأس فيه وقال صلى الله عليه وسلم لكعب بن مالك
" أهجهم فوالذي نفسي بيده لهو أشد عليهم من النبل " وكان يقول لحسان " قل وروح القدس معك " وقال صلى الله عليه وسلم " إن المؤمن يجاهد بنفسه ولسانه والذي نفسي بيده لكأنكم ترمونهم بالنبل " وقال يوم قريظة أهج المشركين فان جبريل معك وكان يضع له منبرا في المسجد يمدحه ويهجو المشركين قائما وقال " إن الله يؤيده بروح القدس ما فاخر عني " وقال " أهجوا قريشا فإنه أشد عليهم من رشق النبل " وقال " إن من الشعر لحكمة ـ إن من البيان لسحرا ومن الشعر حكما " وقال لأبي عمرو بن الشريد هل معك من شعر أمية بن أبي الصلت شيء فأنشده بيننا فكان يشير اليه أن زد ان زد حتى انشد له منه مائة بيت وقال " لقد كاد يسلم في شعره " وعن جابر بن سمرة جالست رسول الله صلى الله عليه وسلم اكثر من مائة مرة وكان أصحابه يتناشدون الشعر ويتذاكرون أشياء من أمر الجاهلية وهو ساكت وربما تبسم وكان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما وعلي يقولون الشعر وأشعرهم علي وقيل ما قال الا بيتا وبيتين وكان ابن عباس ينشد الشعر في المسجد الحرام ويستنشده ودعا عمر بن ربيعة المخزومي فاستنشده قصيدته التي أولها:ـ

أمن آل نعم أنت غاد فمبكر غداة أم رائح فمهجر

وهي قريبة من تسعين بيتا ثم ان ابن عباس أعادها جميعا حفظها من سماع واحد و "دخل صلى الله عليه وسلم مكة في عمرة القضاء وكعب بن مالك بين يديه يقول:ـ
* خلوا بني الكفار عن سبيله * نضربكم في اليوم عن نزيله *
* ضربا يزيل الهام عن مقيله * ويذهل الخليل عن خليله *
فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه يا كعب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي حرم الله سبحانه تقول الشعر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خل عنه يا عمر فلهي فيهم أسرع من النبل"
، وفي رواية وابن رواحة بين يديه والأولى أصح لأن ابن رواحة مات في غزوة مؤته وعمرة القضاء بعدها كذا ظهر لي ثم راجعت سير الغزوات فاذا أن عمرة القضاء سنة سبع وغزوة مؤتة سنة ثمان و "أرسل الى ابن رواحة فهجاهم فلم يرض وأرسل إلى كعب بن مالك ثم الى حسان وقال هو الأسد الضاري فجاء فقال والذي بعثك بالحق لأفرينهم بلسان فري الاديم فقال لا تعجل فان أبا بكر أعلم قريشي بالأنساب وإن لي فيهم نسبا حتى يخلص لك بشيء فأتاه حسان ورجع فقال والذي بعثك بالحق لأسلنك منهم سل الشعرة من العجين فهجا فقال صلى الله عليه وسلم هجاهم حسان فشفى واستشفى قال:ـ
* هجوت محمدا فأجبت عنه * وعند الله في ذاك الجزاء *
* هجوت محمدا برا تقيا * رسول الله شيمته الوفاء *
* فإن أبي ووالدتي وعرضي * لعرض محمد منكم وقاء *
* فإن أعرضتم عنا اعتمرنا * وكان الفتح وانكشف الغطاء *
* وإلا فاصبروا لضراب يوم * يعز الله فيه من يشاء *
* وقال الله قد أرسلت عبدا * يقول الحق ليس به خفاء *
* وقال الله قد سيرت جندا * هم الانصار عرضتها اللقاء *
* لهم في كل يوم من معد * سباب أو قتال أو هجاء *
* فمن يهجو رسول الله منكم * ويمدحه وينصره سواء *
* وجبريل رسول الله فينا * وروح القدس ليس له خفاء *"

قال بعض العلماء أنصف بيت قالته العرب قول حسان:ـ

أتهجوه وليست له بكفء فشركما لخيركما الفداء

وكانت العرب تفد اليه وتقول أشعارا في مدحها وفي مدحه وهو يسمع واستسقى بعد موت عمه أبي طالب فسقوا فتفكر قول ابي طالب في وصفه صلى الله عليه وسلم..

وابيض يستسقي الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل

فقال من ينشدني قوله فأنشده علي البيت وما بعده هكذا..

يلوذ به الهلاك من آل هاشم فهم عنده في نعمة وفواضل

فقام رجل فقال:

لك الحمد والمدح ممن شكر سقينا بوجه النبي المطر
دعا الله خالقه دعوة واشخص منه اليه البصر
فلم يك الا كلف الردي وأسرع حتى اتتنا الدرر

فكان كما قاله

عمه أبو طالب أبيضا ذا غرر به أنزل الله صوب الغمام

وهذا العيان وذاك الخبر فقال صلى الله عليه وسلم " ان كان شاعرا يحسن فقد أحسن " و "سمع شباب الأنصار وجواري بني النجار عند ورود المدينة..
* طلع البدر علينا * من ثنيات الوداع *
* وجب الشكر علينا * ما دعا لله داع *
فانشد له كعب قصيدته بانت سعاد فخلع عليه بردته فاشتراها معاوية بعشرة آلاف درهم وروي أن حسانا جاءه وهو في مسجده فقال: يا رسول الله أيأذن لي الله أن محمدا رسول الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم: وأنا أشهد وقال:
* وإن أبا يحيى ويحيى كليهما * له السهم في الدين الذي يتقبل *
* وإن الذي عادى اليهود بن مريم * رسول اذ كل الخلائق مرسل *
فقال صلى الله عليه وسلم وأنا أشهد وكان يتمثل بقول طرفة:
* ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا * ويأتيك بالأخبار من لم تزود *"
لكن يجري على لسانه ويأتيك من لم تزود بالأخبار "وكان يكسر البيت على لسانه فيقول أبو بكر: يا رسول الله انما قال الشاعر كذا اشهد انك رسول الله ما علمك الشعر وما ينبغي لك وقال صلى الله عليه وسلم لحسان هل قلت في أبي بكر شيئا فقال نعم. قال فقل:
* وثاني اثنين في الغار المنيف وقد * طاف العدو به إذ صاعد الجبلا *
* وكان حب رسول الله عالبه * عن كل شيء فلم يعدل به بدلا *
فتبسم صلى الله عليه وسلم"
"وسمع النابغة الجعدي يقول:
* بلغنا السماء مجدنا وسناءنا * وانا لنرجو فوق ذلك مظهرا *
فقال له: الى اين يا ابن أَبي ليلى فقال: الى الجنة. فقال صلى الله عليه سلم إن شاء الله فقال:
* ولا خير في حلم اذا لم يكن له * بوادر تحمي صفوه ان تكدرا *
* ولا خير في جهل اذا لم يكن له * حكيم اذا ما أورد القوم اصدرا *
فقال صلى الله عليه وسلم أجدت لا يفضض الله فاك فعاش مائة وعشرين سنة وهو أحسن الناس شعرا ولم تزل عنه سن"
وقال أبو بكر حين قدم المدينة:

كل امرء مصبح في أهله والموت ادنى من شراك نعله

ومن شعر بلال:

ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة بواد وحولي إذخر وجليل
وهل أردن يوما مياه مجنة وهل يبدون لي شامة وطفيل

{ وَسَيَعْلَمُ الِّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ } أي اسم استفهام واقعة على الانقلاب مفعول مطلق لينقلبون ومنقلب مصدر ميمي بمعنى الانقلاب وجملة منقلبون سدت مسد مفعولي يعلم لتعليقه بالاستفهام والمراد بالذين ظلموا الشعراء المشركون وغيرهم من المشركين ولا بعد ان يراد بهم كل ظالم مشرك أو موِّحد، والانقلاب الرجوع إلى الله بالموت أو بالبعث قال ابن عباس الى جهنم وبئس المصير ختم السورة بمالا أهيب منه ولا اصدع منه لأكباد المتدبرين لما في سيعلم من الوعيد البليغ وفي ابهام المنقلب وكان السلف يتواعظون بها ويتناذرون والآية مؤيسة للكفار من الانقلاب عن العذاب وقد قرأ ابن عباس أي منقلب ينقلبون.
اللهم ببركة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم وبركة السورة أخز النصارى وأهنهم واكسر شوكتهم وغلّب المسلمين والموحدين عليهم صلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما