خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى ٱلْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ
١٠٤
-آل عمران

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ }: "من" للتبعيض، لأن الدعاء إلى الخير، والأمر بالمعروف، والنهى عن المنكر يجزى فيهن البعض، لأنهن فروض كفاية، ويجوز أن تكون للبيان، لأنه يجب فرض الكفاية، على الكل، فإذا فعل البعض أجزأ، كأنه قيل: كونوا داعين إلى الخير، على أنه نسبة إنشائية كلية، لا كل، ويناسبه قوله تعالى { كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر.. } إلخ إذ نسب الأمر للكل، إلا أنه لا ينافى التبعيض، لأن هذه الآية حكم على المجموع لا على الجميع، بدليل أن ذلك فرض كفاية، ولو كان مدح الشىء بلا قرينة يدل على الوجوب، لكن الوجوب ثابت كفاية، و{ الخير }: الإسلام أو مطلق الخير ولو دنيوياً، والدعاء إلى ذلك يشمل الدعاء بالفعل، فإن فاعل الخير يقتدى به، وبذكره، أوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبقراءة القرآن بحضرة السامع، والأمر أن يقول: افعل كذا، والنهى أن يقول: لا تفعل كذا، أو ما أشبه ذلك والخير يحسب لفظه أعم، فالعطف للخاص بعده للمزية وذلك ان الأمر بالمعروف، والترغيب فى ترك المنكر، دعاء إلى الخير، وإنما كان ذلك فرض كفاية، لأنه لا يصلح كل أحد له إذ قد لا يقوى هذا على الأمر والنهى لضعفه، ويقوى ذاك، وقد لا يدرى كيف يأمر وينهى، فعند وجود غيره، يحسن تقديم غيره ممن يحسن، وقد يعرف هذا إن فعل كذا معروف، أو تركه منكراً، فهذا لا واجب عليه ما لم يقارف بشىء، إذا كان ذلك علمه موسعاً، فيجب على من عرف ذلك فلزم أن يكون العلم فى الناس، لئلا يجهلوا كلهم، فلا يكون آمر أو ناه، ومن جهل فقد يأمر بمنكر وينهى عن معروف، واللام للأمر وتكون { لا } خبر له، ومنكم متعلق به أو بمحذوف حال من أمة، ولو كان أمة نكرة لتأخرها، ولنعتها بجملة يدعون، وأمة فاعل، أو تكون لهُ خبر، فأمة اسمه ومنكم خبره، أو منكم إعرابه على ما مر، ويدعون خبر لما بقى على الكفار، كفرهم وإضلالهم، أمر المؤمنين بالإسلام والتقوى وهداية غيرهم بالدعاء إلى الخير، والأمر والنهى.
قال أبو سعيد الخدرى: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، وإن لم يستطع فبلسانه، وإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" . وعن نعمان بن بشير عن النبى صلى الله عليه وسلم: "مثل القائم فى حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها، فكان الذين فى أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا نرى أن نخرق فى نصيبنا خرقاً فلا نؤدى من فوقها، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا جميعاً" . وهكذا لفظ الحديث فى صحيح البخارى ولفظهُ فى كتب الفقه والوعظ غير هذا، وليس الأمر والنهى مختصين بالعلماء، كما قال بعض: بل يجبان على من علم أن هذا معروف وذاك منكر، والأمر بالمعروف الذى لم يجب غير واجب. قال أنس بن مالك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليؤتين برجال يوم القيامة، ليسوا بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشهداء لمنازلهم من الله، يكونون على منابر من نور، قالوا: ومن هم يا رسول الله. قال: هم الذين يحببون الله إلى الناس ويحببون الناس إلى الله، ويمشون لله فى الأرض نصحاً قلنا: يا رسول الله كيف يحببون الناس إلى الله؟ قال: يأمرونهم بالمعروف وينهونهم عن المنكر، فإذا أطاعوا أحبهم الله تعالى" . وقال صلى الله عليه وسلم: "من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر فهو خليفة الله فى أرضه، وخليفة رسوله وخليفة كتابه" ، وعن على: أفضل الجهاد الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، ومن شتىء الفاسقين وغضب لله غضب الله له، وعن حذيفة: يأتى على الناس زمان تكون فيهم جيفة الحمار أحب إليهم من مؤمن يأمرهم بالمعروف، وينهاهم عن المنكر. قال أبو حمصة، قال لى أبو هريرة: هل تخشى أن تعيش فى قوم لا ينكر خيارهم المنكر، قلت: ما أولئك بخيار، قال: بلى، ولكن أحدهم يكره أن يشتم عرضهُ، ويضرب بشره، وذم الله عز وجل من ترك النهى بقوله: { كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوه لَبِئْس مَا كَانُوا يَفْعَلُون } قال عكرمة: قال لى ابن عباس رضى الله عنهما: قد أعيانى أن أعلم ما فعل بمن أمسك عن الوعظ، فقلت: أنا أعلمك ذلك اقرأ قولهُ تعالى { { أنجينا الذين ينهون عن السوء } فقال: أصبت، فقد جعل ابن عباس وعكرمة من أمسك عن النهى مع الفاعلين للمنكر بالآية، وعن حذيفة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لتأمرن بالمعروف، ولتنهن عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عذاباً من عنده، ثم لتدعنه فلا يستجاب لكم"
{ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }: الفائزون فوزاً كاملا،
"سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر: من خير الناس؟ قال: آمَرهم بالمعروف، وأنهاهم عن المنكر، وأتقاهم لله، وأوصلهم للرحم، ولا بد للفلاح من شرط العمل الصالح، وترك المنكر، ولو كان لا يسقط الأمر والنهى من الفاسق" . قال بعض السلف: مروا بالخير وإن لم تفعلوه، وانهوا عن المنكر ولو فعلتموه. سمع الحسن مطرف بن عبد الله يقول: لا أقول ما لا أفعل. فقال: وأينا يفعل ما يقول؟ ود الشيطان لو ظفر بهذه منكم فلا يأمر أحد بمعروف ولا ينهى عن منكر، وحج عمر رضى الله عنه، ورأى للناس رغبة فى الأمر والنهى، فقرأ هذه الآية { { كُنْتُم خَيْرَ أمَّةٍ... } إلخ فقال: يا أيها الناس من سره منكم أن يكون من تلك الأمة فليؤد شرط الله فيها. وليأمر وينه بحسب ما ينال، أو يطمع فى الانقياد، لا بما يضره ولا يفيد، مثل أن يرجع إلى العاصى بلين يعد ضعفاً فى الدين، ومثل أن يزيد العاصى فى عصيانه بالنهى، وقد تعرض لحبار فنهاه فقد أفاد إظهار شعار الإسلام. وعن الحسن قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل للمسلم أن يذل نفسه. قيل: يا رسول الله وكيف يذل نفسه؟ قال: يتعرض لما لا يقوى عليه من البلاء ولا يقوم به" .